وَقَطَّعْنَاهُمُ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ أَسْبَاطًا أُمَمًا وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى إِذِ اسْتَسْقَاهُ قَوْمُهُ أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانْبَجَسَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْنًا قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَشْرَبَهُمْ وَظَلَّلْنَا عَلَيْهِمُ الْغَمَامَ وَأَنْـزَلْنَا عَلَيْهِمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَمَا ظَلَمُونَا وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ ( 160 ) وَإِذْ قِيلَ لَهُمُ اسْكُنُوا هَذِهِ الْقَرْيَةَ وَكُلُوا مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ وَقُولُوا حِطَّةٌ وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا نَغْفِرْ لَكُمْ خَطِيئَاتِكُمْ سَنَـزِيدُ الْمُحْسِنِينَ ( 161 ) فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ قَوْلا غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِجْزًا مِنَ السَّمَاءِ بِمَا كَانُوا يَظْلِمُونَ ( 162 )

قوله عز وجل: ( وَقَطَّعْنَاهُمُ ) أي: فرّقناهم, يعني بني إسرائيل, ( اثْنَتَيْ عَشْرَةَ أَسْبَاطًا أُمَمًا )

قال الفراء: إنما قال: « اثنتي عشرة » , والسبط مذكر لأنه قال: « أمما » فرجع التأنيث إلى الأمم, وقال الزجاج: المعنى وقطعناهم اثنتي عشرة أمما, وإنما قال: « أسباطا أمما » , بالجمع وما فوق العشرة لا يفسر بالجمع, فلا يقال: أتاني اثنا عشر رجالا لأن الأسباط في الحقيقة نعت المفسر المحذوف وهو الفرقة, أي: وقطعناهم اثنتي عشرة فرقة أمما.

وقيل: فيه تقديم وتأخير, تقديره: وقطعناهم أسباطا أمما اثنتي عشرة, والأسباط القبائل واحدها سبط.

قوله تعالى: ( وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى إِذِ اسْتَسْقَاهُ قَوْمُهُ ) في التيه, ( أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانْبَجَسَتْ ) انفجرت. وقال أبو عمرو بن العلاء: عرقت وهو الانبجاس, ثم انفجرت, ( مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْنًا ) لكل سبط عين ( قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ ) كل سبط, ( مَشْرَبَهُمْ ) وكل سبط بنو أب واحد.

قوله تعالى: ( وَظَلَّلْنَا عَلَيْهِمُ الْغَمَامَ ) في التيه تقيهم حر الشمس, ( وَأَنْـزَلْنَا عَلَيْهِمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَمَا ظَلَمُونَا وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ )

( وَإِذْ قِيلَ لَهُمُ اسْكُنُوا هَذِهِ الْقَرْيَةَ وَكُلُوا مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ وَقُولُوا حِطَّةٌ وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا نَغْفِرْ لَكُمْ ) قرأ أهل المدينة وابن عامر ويعقوب: « نغفر » بالتاء وضمها وفتح الفاء. وقرأ الآخرون بالنون وفتحها وكسر الفاء, ( خَطِيئَاتِكُمْ ) قرأ ابن عامر « خطيئتكم » على التوحيد ورفع التاء, [ وقرأ أبو عمرو: « خطاياكم » , وقرأ أهل المدينة ويعقوب: « خطيئاتكم » بالجمع ورفع التاء ] . وقرأ الآخرون بالجمع وكسر التاء ( سَنَـزِيدُ الْمُحْسِنِينَ )

( فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ قَوْلا غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِجْزًا ) عذابا ( مِنَ السَّمَاءِ بِمَا كَانُوا يَظْلِمُونَ )

وَاسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعًا وَيَوْمَ لا يَسْبِتُونَ لا تَأْتِيهِمْ كَذَلِكَ نَبْلُوهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ ( 163 )

قوله تعالى: ( وَاسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ ) قيل: هي « مدين » , [ أي: سلْ يا محمد هؤلاء اليهود الذي هم جيرانك سؤال توبيخ وتقريع عن القرية التي كانت حاضرة البحر ] أي: بقربه. قال ابن عباس: هي قرية يقال لها « إيلة » بين « مدين » و « الطور » على شاطئ البحر. وقال الزهري: هي « طبرية الشام » . ( إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ ) أي: ظاهرة على الماء كثيرة, جمع شارع. وقال الضحاك: متتابعة.

وفي القصة: أنها كانت تأتيهم يوم السبت مثل الكباش السمان البيض.

( وَيَوْمَ لا يَسْبِتُونَ لا تَأْتِيهِمْ ) كإتيانهم يوم السبت, قرأ الحسن: « لا يُسبتون » بضم الياء أي: لا يدخلون في السبت, والقراءة المعروفة بنصب الياء, ومعناه: لا يعظمون السبت, ( كَذَلِكَ نَبْلُوهُمْ ) نختبرهم, ( بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ ) فوسوس إليهم الشيطان وقال: إن الله لم ينهكم عن الاصطياد وإنما نهاكم عن الأكل, فاصطادوا. أو قيل: وسوس إليهم أنكم إنما نهيتم عن الأخذ, فاتخذوا حيضا على شاطئ البحر, تسوقون الحيتان إليها يوم السبت, ثم تأخذونها يوم الأحد. ففعلوا ذلك زمانا ثم تجرأوا على السبت, وقالوا: ما نرى السبت إلا قد أُحلّ لنا, فأخذوا وأكلوا وباعوا, فصار أهل القرية أثلاثا, وكانوا نحوا من سبعين ألفا, ثلث نهوا, وثلث لم ينهوا وسكتوا وقالوا: لِمَ تعظون قوما الله مهلكهم؟ وثلث هم أصحاب الخطيئة, فلما لم ينتهوا قال الناهون: لا نساكنكم في قرية واحدة فقسموا القرية بجدار للمسلمين باب وللمعتدين باب, ولعنهم داود عليه السلام, فأصبح الناهون ذات يوم ولم يخرج من المعتدين أحد, فقالوا: إن لهم شأنا لعل الخمر غلبتهم فعَلَوا على الجدار, فإذا هم قردة, فعرفت القرود أنسابها من الإنس ولم تعرف الإنس أنسابها من القرود, فجعلت القرود يأتيها نسيبها من الإنس فتشم ثيابه وتبكي, فيقول: ألم ننهكم فتقول برأسها: نعم, فما نجا إلا الذين نهوا وهلك سائرهم.