رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوَالِفِ وَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لا يَفْقَهُونَ ( 87 ) لَكِنِ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ جَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ وَأُولَئِكَ لَهُمُ الْخَيْرَاتُ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ( 88 ) أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ( 89 ) وَجَاءَ الْمُعَذِّرُونَ مِنَ الأَعْرَابِ لِيُؤْذَنَ لَهُمْ وَقَعَدَ الَّذِينَ كَذَبُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ سَيُصِيبُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ( 90 ) .

( رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوَالِفِ ) يعني النساء. وقيل: مع أدنياء الناس وسفلتهم. يقال: فلان خَالِفَةُ قومه إذا كان دونهم. ( وَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لا يَفْقَهُونَ ) .

( لَكِنِ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ جَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ وَأُولَئِكَ لَهُمُ الْخَيْرَاتُ ) يعني: الحسنات, وقيل: الجواري الحسان في الجنة. قال الله تعالى: ( فيهن خيرات حسان ) , جمع خَيْرَة وحُكِيَ عن ابن عباس: أنَّ [ الخير ] لا يعلم معناه إلا الله كما قال جل ذكره: فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ ( السجدة- 17 ) . ( وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ )

قوله تعالى: ( وَجَاءَ الْمُعَذِّرُونَ مِنَ الأعْرَابِ لِيُؤْذَنَ لَهُمْ ) الآية, قرأ يعقوب ومجاهد: ( الْمُعَذِّرُونَ ) بالتخفيف وهم المبالغون في العذر, يقال في المَثَل: « لقد أُعذر من أنذر » أي: بالغ في العذر مَنْ قدم النذارة, وقرأ الآخرون « المعذِّرون » بالتشديد أي: المقصرون, يقال: عَذَّرَ أي: قصَّر, وقال الفراء: المعذرون المعتذرون أدغمت التاء في الذال ونقلت حركة التاء إلى العين.

وقال الضحاك: المعذرون هم رهط عامر بن الطفيل جاؤوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم دفاعا عن أنفسهم فقالوا: يا نبي الله إن نحن غزونا معك تُغير أعراب طيئ على حلائلنا وأولادنا ومواشينا, فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: « قد أنبأني الله من أخباركم وسيغني الله عنكم » .

وقال ابن عباس: هم الذين تخلفوا بعذر بإذن رسول الله صلى الله عليه وسلم .

( وَقَعَدَ الَّذِينَ كَذَبُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ ) يعني: المنافقين.

قال أبو عمرو بن العلاء: كلا الفريقين كان مسيئا قوم تكلفوا عذرا بالباطل, وهم الذين عناهم الله تعالى بقوله: ( وَجَاءَ الْمُعَذِّرُونَ ) وقوم تخلفوا عن غير تكلف عذر فقعدوا جرأة على الله تعالى, وهم المنافقون فأوعدهم الله بقوله: ( سَيُصِيبُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ) .

لَيْسَ عَلَى الضُّعَفَاءِ وَلا عَلَى الْمَرْضَى وَلا عَلَى الَّذِينَ لا يَجِدُونَ مَا يُنْفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ( 91 ) وَلا عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوْا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَنًا أَلا يَجِدُوا مَا يُنْفِقُونَ ( 92 ) .

ثم ذكر أهل العذر, فقال جل ذكره: ( لَيْسَ عَلَى الضُّعَفَاءِ ) قال ابن عباس: يعني الزمنى والمشايخ والعجزة. وقيل: هم الصبيان وقيل: النسوان, ( وَلا عَلَى الْمَرْضَى وَلا عَلَى الَّذِينَ لا يَجِدُونَ مَا يُنْفِقُونَ ) يعني الفقراء ( حَرَجٌ ) مأثم. وقيل: ضيق في القعود عن الغزو, ( إِذَا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ ) في مغيبهم وأخلصوا الإيمان والعمل لله وبايعوا الرسول. ( مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ ) أي: من طريق بالعقوبة, ( وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ) .

قال قتادة: نـزلت في عائذ بن عمرو وأصحابه .

وقال الضحاك: نـزلت في عبد الله بن أم مكتوم وكان ضرير البصر .

قوله تعالى: ( وَلا عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ ) معناه: أنه لا سبيل على الأولين ولا على هؤلاء الذين أتوك وهم سبعة نفر سُمُّوا البكائين: معقل بن يسار, وصخر بن خنساء, وعبد الله بن كعب الأنصاري, وعُلْبَة بن زيد الأنصاري, وسالم بن عمير, وثعلبة بن غنمة وعبد الله بن مُغَفَّل المزني, أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا رسول الله إن الله قد ندبنا إلى الخروج معك فاحملنا .

واختلفوا في قوله: ( لِتَحْمِلَهُم ) قال ابن عباس: سألوه أن يحملهم على الدواب.

وقيل سألوه أن يحملهم على الخفاف المرفوعة والنعال المخصوفة, ليغزوا معه فقال النبي صلى الله عليه وسلم: « لا أجد ما أحملكم عليه » تولوا, وهم يبكون, فذلك قوله تعالى: ( تَوَلَّوْا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَنًا أَلا يَجِدُوا مَا يُنْفِقُونَ )

إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ وَهُمْ أَغْنِيَاءُ رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوَالِفِ وَطَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لا يَعْلَمُونَ ( 93 ) .

( إِنَّمَا السَّبِيلُ ) بالعقوبة, ( عَلَى الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ ) في التخلف ( وَهُمْ أَغْنِيَاءُ رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوَالِفِ ) مع النساء والصبيان, ( وَطَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لا يَعْلَمُونَ ) .