لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ وَلا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلا ذِلَّةٌ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ( 26 ) .

قوله تعالى: ( لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ ) أي: للذين أحسنوا العمل في الدنيا الحسنى، وهي الجنة، وزيادة: وهي النظر إلى وجه الله الكريم، هذا قول جماعة من الصحابة، منهم أبو بكر الصديق رضي الله عنه، وحذيفة، وأبو موسى، وعبادة بن الصامت رضي الله عنهم، وهو قول الحسن، وعكرمة وعطاء، ومقاتل، والضحاك، والسدي.

أخبرنا أبو سعيد أحمد بن [ محمد بن ] العباس الْحُمَيْدِيّ، أنبأنا أبو عبد الله محمد بن عبد الله الحافظ، أنبأنا أبو العباس محمد بن يعقوب إملاء، حدَّثنا أبو بكر محمد بن إسحاق الصنعاني، حدثنا الأسود بن عامر، حدَّثنا حماد بن سلمة عن ثابت - يعني البناني- عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن صهيب رضي الله عنه قال: قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية: ( لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ ) قال: « إذا دخل أهل الجنةِ الجنةَ وأهل النارِ النارَ نادى منادٍ: يا أهل الجنة إنّ لكم عند الله موعدًا يريد أن ينجزكُمُوه، قالوا: ما هذا الموعود؟ ألم يثقِّلْ موازيننا، ويبيِّضْ وجوهنا، ويدخلْنَا الجنة، ويُجِرِنْا من النار؟ قال: فيرفع الحجاب فينظرون إلى وجه الله عز وجل. قال: فما أعطوا شيئا أحب إليهم من النظر إليه » .

وروي عن ابن عباس: أن الحسنى هي: أن الحسنة بمثلها والزيادة هي التضعيف عشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف . وقال مجاهد: الحسنى: حسنة مثل حسنة، والزيادة المغفرة والرضوان .

( وَلا يَرْهَقُ ) لا يغشى ( وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ ) غبار، جمع قترة. قال ابن عباس وقتادة: سواد الوجه، ( وَلا ذِلَّةٌ ) هَوَان. قال قتادة: كآبة. قال ابن أبي ليلى: هذا بعد نظرهم إلى ربهم. ( أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ) .

وَالَّذِينَ كَسَبُوا السَّيِّئَاتِ جَزَاءُ سَيِّئَةٍ بِمِثْلِهَا وَتَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ مَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ عَاصِمٍ كَأَنَّمَا أُغْشِيَتْ وُجُوهُهُمْ قِطَعًا مِنَ اللَّيْلِ مُظْلِمًا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ( 27 ) وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا مَكَانَكُمْ أَنْتُمْ وَشُرَكَاؤُكُمْ فَزَيَّلْنَا بَيْنَهُمْ وَقَالَ شُرَكَاؤُهُمْ مَا كُنْتُمْ إِيَّانَا تَعْبُدُونَ ( 28 ) فَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ إِنْ كُنَّا عَنْ عِبَادَتِكُمْ لَغَافِلِينَ ( 29 ) هُنَالِكَ تَبْلُو كُلُّ نَفْسٍ مَا أَسْلَفَتْ وَرُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلاهُمُ الْحَقِّ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ ( 30 ) .

( وَالَّذِينَ كَسَبُوا السَّيِّئَاتِ جَزَاءُ سَيِّئَةٍ بِمِثْلِهَا ) أي: لهم مثلها، كما قال: وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلا يُجْزَى إِلا مِثْلَهَا ( الأنعام - 160 ) . ( وَتَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ مَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ عَاصِمٍ ) و « من » صلة، أي: مالهم من الله عاصم، ( كَأَنَّمَا أُغْشِيَتْ ) ألبست، ( وُجُوهُهُمْ قِطَعًا ) جمع قطعة، ( مِنَ اللَّيْلِ مُظْلِمًا ) نصبت على الحال دون النعت، ولذلك لم يقل: مظلمة، تقديره: قِطَعا من الليل في حال ظلمته، أو قطعا من الليل المظلم. وقرأ ابن كثير والكسائي ويعقوب: « قِطْعا » ساكنة الطاء، أي بعضا، كقوله: بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ ( هود - 81 ) . ( أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ) .

قوله تعالى: ( وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا مَكَانَكُمْ ) [ أي: الزموا مكانكم ] ( أَنْتُمْ وَشُرَكَاؤُكُمْ ) يعني: الأوثان، معناه: ثم نقول للذين أشركوا: الزموا أنتم وشركاؤكم مكانكم، ولا تبرحوا. ( فَزَيَّلْنَا ) ميزنا وفرقنا ( بَيْنَهُمْ ) أي: بين المشركين وشركائهم، وقطعنا ما كان بينهم من التواصل في الدنيا، وذلك حين يتبرأ كل معبود من دون الله ممن عبده، ( وَقَالَ شُرَكَاؤُهُمْ ) يعني: الأصنام، ( مَا كُنْتُمْ إِيَّانَا تَعْبُدُونَ ) بطلبتنا فيقولون: بلى، كنا نعبدكم، فتقول الأصنام:

( فَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ إِنْ كُنَّا عَنْ عِبَادَتِكُمْ لَغَافِلِينَ ) أي: ما كنا عن عبادتكم إيانا إلا غافلين، ما كنا نسمع ولا نبصر ولا نعقل.

قال الله تعالى: ( هُنَالِكَ تَبْلُو ) أي: تُختبر. وقيل: معناه: تعلم وتقف عليه، وقرأ حمزة والكسائي ويعقوب: « تتلو » بتاءين، أي: تقرأ، ( كُلُّ نَفْسٍ ) صحيفتها. وقيل: معناه تتبع كل نفس ( مَا أَسْلَفَتْ ) ما قدمت من خير أو شر. وقيل: معناه تعاين، ( وَرُدُّوا إِلَى اللَّهِ ) إلى حكمه فيتفرد فيهم بالحكم، ( مَوْلاهُمُ الْحَقِّ ) الذي يتولى ويملك أمورهم: فإن قيل: أليس قد قال: وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لا مَوْلَى لَهُمْ ( محمد - 11 ) ؟ قيل: المولى هناك بمعنى الناصر، وها هنا بمعنى: المالك، ( وَضَلَّ عَنْهُمْ ) زال عنهم وبطل، ( مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ ) في الدنيا من التكذيب.

قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالأرْضِ أَمْ مَنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالأبْصَارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الأمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ فَقُلْ أَفَلا تَتَّقُونَ ( 31 ) فَذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمُ الْحَقُّ فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلا الضَّلالُ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ ( 32 ) كَذَلِكَ حَقَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ فَسَقُوا أَنَّهُمْ لا يُؤْمِنُونَ ( 33 ) .

قوله تعالى: ( قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالأرْضِ ) أي: من السماء بالمطر، ومن الأرض بالنبات، ( أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالأبْصَار ) أي: من إعطائكم السمع والأبصار، ( وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ ) يخرج الحي من النطفة والنطفة من الحي، ( وَمَنْ يُدَبِّرُ الأمْرَ ) أي: يقضي الأمر، ( فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ ) هو الذي يفعل هذه الأشياء، ( فَقُلْ أَفَلا تَتَّقُونَ ) أفلا تخافون عقابه في شرككم؟ وقيل: أفلا تتقون الشرك مع هذا الإقرار؟.

( فَذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمُ ) الذي يفعل هذه الأشياء هو ربكم، ( الْحَقُّ فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلا الضَّلالُ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ ) أي: فأين تصرفون عن عبادته وأنتم مقرون به؟.

( كَذَلِك ) قال الكلبي: هكذا، ( حَقَّتْ ) وجبت، ( كَلِمَةُ رَبِّكَ ) حكمه السابق، ( عَلَى الَّذِينَ فَسَقُوا ) كفروا، ( أَنَّهُمْ لا يُؤْمِنُونَ ) قرأ أبو جعفر ونافع وابن عامر « كلمات ربك » بالجمع ها هنا موضعين، وفي المؤمن، والآخرون على التوحيد.