وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْظُرُ
إِلَيْكَ أَفَأَنْتَ تَهْدِي الْعُمْيَ وَلَوْ كَانُوا لا يُبْصِرُونَ ( 43 )
إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئًا وَلَكِنَّ النَّاسَ أَنْفُسَهُمْ
يَظْلِمُونَ ( 44 ) وَيَوْمَ
يَحْشُرُهُمْ كَأَنْ لَمْ يَلْبَثُوا إِلا سَاعَةً مِنَ النَّهَارِ يَتَعَارَفُونَ
بَيْنَهُمْ قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقَاءِ اللَّهِ وَمَا كَانُوا
مُهْتَدِينَ ( 45 ) .
( وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْظُرُ
إِلَيْكَ ) بأبصارهم الظاهرة، (
أَفَأَنْتَ تَهْدِي الْعُمْيَ ) يريد عمى القلب، (
وَلَوْ كَانُوا لا يُبْصِرُونَ ) وهذا تسلية من الله عز وجل
لنبيه صلى الله عليه وسلم يقول: إنك لا تقدر أن تسمع من سلبته السمع، ولا أن تهدي
من سلبته البصر، ولا أن توفق للإيمان من حكمت عليه أن لا يؤمن.
( إِنَّ
اللَّهَ لا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئًا ) لأنه
في جميع أفعاله متفضل عادل، ( وَلَكِنَّ النَّاسَ
أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ ) بالكفر والمعصية.
قوله تعالى: (
وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ ) قرأ حفص بالياء، والآخرون
بالنون، ( كَأَنْ لَمْ يَلْبَثُوا إِلا سَاعَةً مِنَ النَّهَارِ ) قال
الضحاك: كأن لم يلبثوا في الدنيا إلا ساعة من النهار. وقال ابن عباس: كأن لم
يلبثوا في قبورهم إلا قدر ساعة من النهار، (
يَتَعَارَفُونَ بَيْنَهُمْ ) يعرف بعضهم بعضا حين بعثوا من
القبور كمعرفتهم في الدنيا، ثم تنقطع المعرفة إذا عاينوا أهوال القيامة. وفي بعض
الآثار: أن الإنسان يعرف يوم القيامة من بجنبه ولا يكلمه هيبة وخشية.
( قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ
كَذَّبُوا بِلِقَاءِ اللَّهِ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ )
والمراد من الخسران: خسران النفس، ولا شيء أعظم منه.
وَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ
الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ ثُمَّ اللَّهُ
شَهِيدٌ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ ( 46 )
وَلِكُلِّ أُمَّةٍ رَسُولٌ فَإِذَا جَاءَ رَسُولُهُمْ قُضِيَ بَيْنَهُمْ
بِالْقِسْطِ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ ( 47 )
وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ( 48 ) قُلْ
لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي ضَرًّا وَلا نَفْعًا إِلا مَا شَاءَ اللَّهُ لِكُلِّ
أُمَّةٍ أَجَلٌ إِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ فَلا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلا
يَسْتَقْدِمُونَ ( 49 ) قُلْ
أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُهُ بَيَاتًا أَوْ نَهَارًا مَاذَا
يَسْتَعْجِلُ مِنْهُ الْمُجْرِمُونَ ( 50 ) .
قوله تعالى: (
وَإِمَّا نُرِيَنَّكَ ) يا محمد، (
بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ ) في حياتك من العذاب، ( أَوْ
نَتَوَفَّيَنَّكَ ) قبل تعذيبهم، (
فَإِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ ) في الآخرة، ( ثُمَّ
اللَّهُ شَهِيدٌ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ )
فيجزيهم به، « ثم » بمعنى الواو، تقديره: والله شهيد.
قال مجاهد: فكان البعض الذي أراه قتلهم ببدر، وسائر أنواع العذاب بعد موتهم.
قوله عز وجل: (
وَلِكُلِّ أُمَّةٍ رَسُولٌ فَإِذَا جَاءَ رَسُولُهُمْ )
وكذبوه، ( قُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ ) أي
عُذِّبوا في الدنيا وأهلكوا بالعذاب، يعني: قبل مجيء الرسول، لا ثواب ولا عقاب.
وقال مجاهد ومقاتل: فإذا جاء رسولهم الذي أرسل إليهم يوم القيامة قُضِيَ بينه
وبينهم بالقسط، ( وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ ) لا
يعذبون بغير ذنب ولا يُؤاخذون بغير حجة ولا ينقص من حسناتهم ولا يزاد على سيئاتهم.
(
وَيَقُولُونَ ) أي: ويقول المشركون: ( مَتَى
هَذَا الْوَعْدُ ) الذي تعدنا يا محمد من
العذاب. وقيل: قيام الساعة، ( إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ) أنت يا
محمد وأتباعك.
( قُلْ
لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي ) لا أقدر لها على شيء، (
ضَرًّا وَلا نَفْعًا ) أي: دفع ضر ولا جلب نفع، ( إِلا
مَا شَاءَ اللَّهُ ) أن أملكه، (
لِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ ) مدة مضروبة، ( إِذَا
جَاءَ أَجَلُهُمْ ) وقت فناء أعمارهم، ( فَلا
يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ ) أي: لا
يتأخرون ولا يتقدمون.
قوله تعالى: ( قُلْ
أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُهُ بَيَاتًا ) ليلا ( أَوْ
نَهَارًا مَاذَا يَسْتَعْجِلُ مِنْهُ الْمُجْرِمُونَ ) أي:
ماذا يستعجل من الله المشركون. وقيل: ماذا يستعجل من العذاب المجرمون، وقد وقعوا
فيه؟ وحقيقة المعنى: أنهم كانوا يستعجلون العذاب، فيقولون: اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ
هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ
السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (
الأنفال - 32 ) . فيقول الله تعالى: (
مَاذَا يَسْتَعْجِلُ ) يعني: أيش يعلم المجرمون ماذا
يستعجلون ويطلبون، كالرجل يقول لغيره وقد فعل قبيحا ماذا جنيت على نفسك.
أَثُمَّ إِذَا مَا وَقَعَ
آمَنْتُمْ بِهِ آلآنَ وَقَدْ كُنْتُمْ بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ ( 51 )
ثُمَّ قِيلَ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذُوقُوا عَذَابَ الْخُلْدِ هَلْ تُجْزَوْنَ إِلا
بِمَا كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ ( 52 )
وَيَسْتَنْبِئُونَكَ أَحَقٌّ هُوَ قُلْ إِي وَرَبِّي إِنَّهُ لَحَقٌّ وَمَا أَنْتُمْ
بِمُعْجِزِينَ ( 53 ) .
( أَثُمَّ إِذَا مَا وَقَعَ ) قيل:
معناه أهنالك؟ وحينئذ، وليس بحرف عطف، « إذا ما
وقع » نـزل العذاب، (
آمَنْتُمْ بِهِ ) أي بالله في وقت اليأس. وقيل:
آمنتم به أي صدَّقتم بالعذاب وقت نـزوله، ( آلآن ) فيه
إضمار، أي: يقال لكم: آلآن تؤمنون حين وقع العذاب؟ (
وَقَدْ كُنْتُمْ بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ ) تكذيبا
واستهزاء.
( ثُمَّ قِيلَ لِلَّذِينَ
ظَلَمُوا ) أشركوا، ( ذُوقُوا عَذَابَ الْخُلْدِ
هَلْ تُجْزَوْنَ إِلا بِمَا كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ ) في
الدنيا.
( وَيَسْتَنْبِئُونَك ) أي:
يستخبرونك يا محمد، ( أَحَقٌّ هُوَ ) أي: ما
تعدنا من العذاب وقيام الساعة، ( قُلْ إِي وَرَبِّي ) أي:
نعم وربي، ( إِنَّهُ لَحَقٌّ ) لا شك
فيه، ( وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ ) أي:
بفائتين من العذاب، لأن من عجز عن شيء فقد فاته.