وَلَوْ أَنَّ لِكُلِّ نَفْسٍ ظَلَمَتْ مَا فِي الأَرْضِ لافْتَدَتْ بِهِ وَأَسَرُّوا النَّدَامَةَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذَابَ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ ( 54 ) أَلا إِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَالأرْضِ أَلا إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ ( 55 ) هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ( 56 ) .

( وَلَوْ أَنَّ لِكُلِّ نَفْسٍ ظَلَمَتْ ) أي: أشركت، ( مَا فِي الأرْضِ لافْتَدَتْ بِهِ ) يوم القيامة، والافتداء ها هنا: بذل ما ينجو به من العذاب. ( وَأَسَرُّوا النَّدَامَةَ ) قال أبو عبيدة: معناه: أظهروا الندامة، لأنه ليس ذلك اليوم يوم تصبّر وتصنّع. وقيل: معناه أخفوا أي: أخفى الرؤساء الندامةَ من الضعفاء، خوفًا من ملامتهم وتعبيرهم، ( لَمَّا رَأَوُا الْعَذَابَ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ ) فرغ من عذابهم، ( وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ ) ( ألا إن لله ما في السموات والأرض ألا إن وعد الله حق ولكن أكثرهم لا يعلمون * هو يحيي ويميت وإليه ترجعون ) .

يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ ( 57 ) قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ ( 58 ) قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْـزَلَ اللَّهُ لَكُمْ مِنْ رِزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَرَامًا وَحَلالا قُلْ آللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللَّهِ تَفْتَرُونَ ( 59 ) .

قوله تعالى: ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ ) تذكرة، ( مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ ) أي: دواء للجهل، لما في الصدور. أي: شفاء لعمى القلوب، والصدر: موضع القلب، وهو أعز موضع في الانسان لجوار القلب، ( وَهُدًى ) من الضلالة، ( وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ ) والرحمة هي النعمة على المحتاج، فإنه لو أهدى ملك إلى ملك شيئا لا يقال قد رحمه، وإن كان ذلك نعمة لأنه لم يضعها في محتاج.

قوله تعالى: ( قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ ) قال مجاهد وقتادة: فضل الله: الإيمان، ورحمته: القرآن . وقال أبو سعيد الخدري: فضل الله القرآن ورحمته أن جعلنا من أهله .

وقال ابن عمر: فضل الله: الإسلام، ورحمته: تزيينه في القلب.

وقال خالد بن معدان: فضل الله: الإسلام، ورحمته: السُّنن.

وقيل: فضل الله: الإيمان، ورحمته: الجنة.

( فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا ) أي: ليفرح المؤمنون أن جعلهم الله من أهله، ( هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ ) أي: مما يجمعه الكفار من الأموال. وقيل: كلاهما خبر عن الكفار.

وقرأ أبو جعفر وابن عامر: « فليفرحوا » بالياء، و « تجمعون » بالتاء، وقرأ يعقوب كليهما بالتاء مختلف عنه خطابًا للمؤمنين.

( قُلْ ) يا محمد لكفار مكة، ( أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْـزَلَ اللَّهُ لَكُمْ مِنْ رِزْقٍ ) عبَّر عن الخلق بالإنـزال، لأن ما في الأرض من خير، فمما أنـزل الله من رزق، من زرع وضرع، ( فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَرَامًا وَحَلالا ) هو ما حرموا من الحرث ومن الأنعام كالبحيرة، والسائبة، والوصيلة والحام. قال الضحاك: هو قوله تعالى: وَجَعَلُوا لِلَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ وَالأَنْعَامِ نَصِيبًا ( الأنعام - 136 ) . ( قُلْ آللَّهُ أَذِنَ لَكُم ) في هذا التحريم والتحليل، ( أَمْ ) بل، ( عَلَى اللَّهِ تَفْتَرُونَ ) وهو قولهم: وَاللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا .

وَمَا ظَنُّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَشْكُرُونَ ( 60 ) وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُو مِنْهُ مِنْ قُرْآنٍ وَلا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُودًا إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ وَمَا يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلا فِي السَّمَاءِ وَلا أَصْغَرَ مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْبَرَ إِلا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ ( 61 ) .

( وَمَا ظَنُّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ) أيحسبون أن الله لا يؤاخذهم به ولا يعاقبهم عليه، ( إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَشْكُرُونَ ) .

قوله عز وجل: ( وَمَا تَكُونُ ) يا محمد، ( فِي شَأْنٍ ) عمل من الأعمال، وجمعه شُؤون، ( وَمَا تَتْلُو مِنْه ) من الله، ( مِن قُرْآنٍ ) نازل، وقيل: منه أي من الشأن من قرآن، نـزل فيه ثم خاطبه وأمته فقال: ( وَلا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُودًا إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ ) أي: تدخلون وتخوضون فيه، الهاء عائدة إلى العمل، والإفاضة: الدخول في العمل. وقال ابن الأنباري: تندفعون فيه. وقيل: تُكْثِرون فيه. والإفاضة: الدفع بكثرة.

( وَمَا يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ ) يغيب عن ربك، وقرأ الكسائي « يَعْزِب » بكسر الزاي، وقرأ الآخرون بضمها، وهما لغتان. ( مِنْ مِثْقَالِ ذَرَّةٍ ) أي: مثقال ذرة، و « من » صلة، والذرة هي: النملة الحميراء الصغيرة. ( فِي الأرْضِ وَلا فِي السَّمَاءِ وَلا أَصْغَرَ مِنْ ذَلِكَ ) أي: من الذرة، ( وَلا أَكْبَرَ ) قرأ حمزة ويعقوب: برفع الراء فيهما، عطفا على موضع المثقال قبل دخول « من » ، وقرأ الآخرون: بنصبهما، إرادة للكسرة، عطفا على الذرة في الكسر. ( إِلا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ ) وهو اللوح المحفوظ.