وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلا كَاشِفَ لَهُ إِلا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلا رَادَّ لِفَضْلِهِ يُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ( 107 ) قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ ( 108 ) وَاتَّبِعْ مَا يُوحَى إِلَيْكَ وَاصْبِرْ حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ ( 109 ) .

( وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ ) أي: يصبك بشدة وبلاء، ( فلا كَاشِفَ لَهُ ) فلا دافع له، ( إِلا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْر ) رخاء ونعمة وسعة، ( فلا رَادَّ لِفَضْلِهِ ) فلا مانع لرزقه، ( يُصِيبُ بِهِ ) بكل واحد من الضر والخير، ( مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ) .

( قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ ) يعني: القرآن والإسلام، ( فَمَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا ) أي: على نفسه، ووباله عليه، ( وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ ) بكفيل، أحفظ أعمالكم. قال ابن عباس: نسختها آية القتال .

( وَاتَّبِعْ مَا يُوحَى إِلَيْكَ وَاصْبِرْ حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ ) بنصرك وقهر عدوك وإظهار دينه، ( وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ ) فحكم بقتال المشركين وبالجزية على أهل الكتاب يعطونها عن يد وهم صاغرون.

 

سورة هود

 

مكية إلا قوله: وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وهي مائة وثلاث وعشرون آية. بسم الله الرحمن الرحيم

الر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ ( 1 ) أَلا تَعْبُدُوا إِلا اللَّهَ إِنَّنِي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ ( 2 ) وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعًا حَسَنًا إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ ( 3 ) .

( الر كِتَابٌ ) أي: هذا كتاب، ( أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ) قال ابن عباس: لم ينسخ بكتاب كما نسخت الكتب والشرائع به، ( ثُمَّ فُصِّلَتْ ) بُيِّنَتْ بالأحكام والحلال والحرام. وقال الحسن: أحكمت بالأمر والنهي، ثم فُصِّلَتْ بالوعد والوعيد. قال قتادة: أحكمت أحكمها الله فليس فيها اختلاف ولا تناقض وقال مجاهد: فُصِّلت أي: فُسِّرت. وقيل: فصلت أي: أنـزلت شيئا فشيئًا، ( مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ ) .

( أَلا تَعْبُدُوا إِلا اللَّهَ ) أي: وفي ذلك الكتاب: أن لا تعبدوا إلا الله، ويكون محل « أن » رفعًا. وقيل: محله خَفْض، تقديره: بأن لا تعبدوا إلا الله، ( إِنَّنِي لَكُمْ مِنْهُ ) أي: من الله ( نَذِيرٌ ) للعاصين، ( وَبَشِيرٌ ) للمطيعين.

( وَأَن ) عطف على الأول، ( اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ ) أي: ارجعوا إليه بالطاعة. قال الفراء: « ثم » هنا بمعنى الواو، أي: وتوبوا إليه، لأن الاستغفار هو التوبة، والتوبة هي الاستغفار.

وقيل: أن استغفروا [ ربكم من المعاصي ثم توبوا ] إليه في المستأنف .

( يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعًا حَسَنًا ) يعيشكم عيشًا [ حسنا في خفض ودعة وأمن وسعة ] . قال بعضهم: العيش الحسن هو الرضا بالميسور والصبر على المقدور.

( إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى ) إلى حين الموت، ( وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَه ) أي: ويؤت كل ذي عمل صالح في الدنيا أجره وثوابه في الآخرة. وقال أبو العالية: مَنْ كثرت طاعته في الدنيا زادت درجاته في الآخرة [ في الجنة ] ، لأن الدرجات تكون بالأعمال.

وقال ابن عباس: مَنْ زادت حسناته على سيئاته دخل الجنة، ومَنْ زادت سيئاته على حسناته دخل النار، ومَنْ استوت حسناته وسيئاته كان من أصحاب الأعراف، ثم يدخل الجنة بعد.

وقيل: يؤت كل ذي فضل فضله يعني: مَنْ عمل لله عز وجل وفَّقه الله فيما يستقبل على طاعته.

( وَإِنْ تَوَلَّوْا ) أعرضوا، ( فَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ ) وهو يوم القيامة.

إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ( 4 ) أَلا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ لِيَسْتَخْفُوا مِنْهُ أَلا حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيَابَهُمْ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ ( 5 ) .

قوله تعالى: ( أَلا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ ) قال ابن عباس: نـزلت في الأخنس بن شريق وكان رجلا حلو الكلام حلو المنظر، يَلْقى رسول الله صلى الله عليه وسلم بما يحب، وينطوي بقلبه على ما يكره.

قوله: « يثنون صدورهم » أي: يُخفون ما في صدورهم من الشحناء والعداوة.

قال عبد الله بن شداد: نـزلت في بعض المنافقين كان إذا مرَّ برسول الله صلى الله عليه وسلم ثنى صدره وظهره، وطأطأ رأسه، وغطّى وجهه كي لا يراه النبي صلى الله عليه وسلم .

وقال قتادة:كانوا يَحْنُون صدورهم كي لا يسمعوا كتاب الله تعالى ولا ذكره .

وقيل: كان الرجل من الكفار يدخل بيته ويرخي ستره ويحني ظهره ويتغشى بثوبه. ويقول: هل يعلم الله ما في قلبي.

وقال السدي: يثنون أي: يعرضون بقلوبهم، من قولهم: ثنيت عناني. وقيل: يعطفون، ومنه: ثني الثوب.

وقرأ ابن عباس: « يَثْنَوْنِي » على وزن « يَحْلَوْلي » جعل الفعل للمصدر، ومعناه المبالغة في الثني.

( لِيَسْتَخْفُوا مِنْهُ ) أي: من رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقال مجاهد: ليستخفوا من الله إن استطاعوا، ( أَلا حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيَابَهُمْ ) يغطون رؤوسهم بثيابهم، ( يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ ) قال الأزهري: معنى الآية من أولها إلى آخرها: إن الذين أضمروا عداوة رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يخفى علينا حالهم.

أخبرنا عبد الواحد المليحي، أخبرنا أحمد بن عبد الله النعيمي، أخبرنا محمد بن يوسف، حدثنا محمد بن إسماعيل، حدثنا الحسن بن محمد بن صَبَّاح، حدثنا حجاج قال: قال ابن جريج أخبرني محمد بن عباد بن جعفر أنه سمع ابن عباس رضي الله عنهما يقرأ: ( أَلا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ ) فقال: سألته عنها قال: كان أناس يستحيون أن يتخلَّوا فيفضوا إلى السماء، وأن يجامعوا نساءهم فيفضوا إلى السماء، فنـزل ذلك فيهم .