وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ ( 6 ) .

قوله تعالى: ( وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الأرْضِ ) أي: ليس دابة، « من » صلة. والدابة: كل حيوان يدب على وجه الأرض.

وقوله ( إِلا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا ) أي: هو المتكفل بذلك فضلا وهو إلى مشيئته إن شاء رزق وإن شاء لم يرزق.

وقيل: « على » بمعنى: « من » أي: من الله رزقها.

وقال مجاهد : ما جاءها من رزق فمن الله عز وجل، وربما لم يرزقها حتى تموت جوعا.

( وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا ) قال ابن مقسم : ويُروَى ذلك عن ابن عباس، مستقرها: المكان الذي تأوي إليه، وتستقر فيه ليلا ونهارا، ومستودعها: الموضع الذي تدفن فيه إذا ماتت.

وقال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه : المستقر أرحام الأمهات، والمستودع [ المكان الذي تموت فيه ] [ وقال عطاء: المستقر: أرحام الأمهات والمستودع: أصلاب الآباء ] .

ورواه سعيد بن جبير، وعلي بن أبي طلحة، وعكرمة عن ابن عباس .

وقيل المستقر: الجنة أو النار، والمستودع القبر، لقوله تعالى في صفة الجنة والنار: حَسُنَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا ( الفرقان - 76 ) .

( كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ ) أي: كلٌّ مثبت في اللوح المحفوظ قبل أن خلقها.

وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلا وَلَئِنْ قُلْتَ إِنَّكُمْ مَبْعُوثُونَ مِنْ بَعْدِ الْمَوْتِ لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلا سِحْرٌ مُبِينٌ ( 7 ) .

قوله تعالى: ( وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاء ) قبل أن خلق [ السماء والأرض ] وكان ذلك الماء على متن الريح .

قال كعب: خلق الله عز وجل ياقوتة خضراء، ثم نظر إليها بالهيبة فصارت ماء يرتعد، ثم خلق الريح، فجعل الماء على متنها، ثم وضع العرش على الماء.

قال ضمرة: إن الله تعالى كان عرشه على الماء ثم خلق السموات والأرض، وخلق القلم فكتب به ما هو خالق وما هو كائن من خلقه، ثم إن ذلك الكتاب سبَّح الله ومجَّده ألف عام قبل أن يخلق شيئا من خلقه

( لِيَبْلُوَكُمْ ) ليختبركم، وهو أعلم، ( أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلا ) أَعْمَلُ بطاعة الله، وأَوْرَعُ عن محارم الله تعالى. ( وَلَئِنْ قُلْتَ ) يا محمد، ( إِنَّكُمْ مَبْعُوثُونَ ) أي: ( مِنْ بَعْدِ الْمَوْتِ لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلا سِحْرٌ مُبِينٌ ) يعنون القرآن.

وقرأ حمزة والكسائي: « ساحر » يعنون محمدا صلى الله عليه وسلم.

وَلَئِنْ أَخَّرْنَا عَنْهُمُ الْعَذَابَ إِلَى أُمَّةٍ مَعْدُودَةٍ لَيَقُولُنَّ مَا يَحْبِسُهُ أَلا يَوْمَ يَأْتِيهِمْ لَيْسَ مَصْرُوفًا عَنْهُمْ وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ ( 8 ) وَلَئِنْ أَذَقْنَا الإِنْسَانَ مِنَّا رَحْمَةً ثُمَّ نَـزَعْنَاهَا مِنْهُ إِنَّهُ لَيَئُوسٌ كَفُورٌ ( 9 ) .

( وَلَئِنْ أَخَّرْنَا عَنْهُمُ الْعَذَابَ إِلَى أُمَّةٍ مَعْدُودَةٍ ) إلى أجل محدود، وأصل الأمة: الجماعة، فكأنه قال: إلى انقراض أمة ومجيء أمة أخرى ( لَيَقُولُنَّ مَا يَحْبِسُهُ ) أيُّ شيء يحبسه؟ يقولونه استعجالا للعذاب واستهزاء، يعنون: أنه ليس بشيء.

قال الله تعالى: ( أَلا يَوْمَ يَأْتِيهِمْ ) يعني: العذاب، ( لَيْسَ مَصْرُوفًا عَنْهُمْ ) لا يكون مصروفا عنهم، ( وَحَاقَ بِهِمْ ) نـزل بهم، ( مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُون ) أي: وبال استهزائهم.

قوله تعالى: ( وَلَئِنْ أَذَقْنَا الإنْسَانَ مِنَّا رَحْمَةً ) نعمة وسعة، ( ثُمَّ نَـزَعْنَاهَا مِنْهُ ) أي: سلبناها منه، ( إِنَّهُ لَيَئُوس ) قنوط في الشدة، ( كَفُورٌ ) في النعمة.

وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ نَعْمَاءَ بَعْدَ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ ذَهَبَ السَّيِّئَاتُ عَنِّي إِنَّهُ لَفَرِحٌ فَخُورٌ ( 10 ) إِلا الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ ( 11 ) فَلَعَلَّكَ تَارِكٌ بَعْضَ مَا يُوحَى إِلَيْكَ وَضَائِقٌ بِهِ صَدْرُكَ أَنْ يَقُولُوا لَوْلا أُنْـزِلَ عَلَيْهِ كَنْـزٌ أَوْ جَاءَ مَعَهُ مَلَكٌ إِنَّمَا أَنْتَ نَذِيرٌ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ ( 12 ) .

( وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ نَعْمَاءَ بَعْدَ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ ) بعد بلاء أصابه، ( لَيَقُولَنَّ ذَهَبَ السَّيِّئَاتُ عَنِّي ) زالت الشدائد عني، ( إِنَّهُ لَفَرِحٌ فَخُورٌ ) أشِرٌ بَطِرٌ، والفرح: لذة في القلب بنيل المشتهى، والفخر: هو التطاول على الناس بتعديد المناقب، وذلك منهيٌّ عنه.

( إِلا الَّذِينَ صَبَرُوا ) قال الفراء: هذا استثناء منقطع، معناه: لكن الذين صبروا ( وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ) فإنهم إن نالتهم شدة صبروا، وإن نالوا نعمة شكروا، ( أُولَئِكَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ ) لذنوبهم، ( وَأَجْرٌ كَبِيرٌ ) وهو الجنة.

( فَلَعَلَّك ) يا محمد، ( تَارِكٌ بَعْضَ مَا يُوحَى إِلَيْكَ ) فلا تبلِّغه إياهم. وذلك أن كفار مكة لما قالوا: ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَذَا ( يونس - 15 ) ليس فيه سب آلهتنا ، همَّ النبي صلى الله عليه وسلم أن يَدَعَ آلهتهم ظاهرا، فأنـزل الله تعالى:

( فَلَعَلَّكَ تَارِكٌ بَعْضَ مَا يُوحَى إِلَيْكَ ) يعني: سب الآلهة، ( وَضَائِقٌ بِهِ صَدْرُكَ ) أي: فلعلك يضيق صدرك ( أَنْ يَقُولُوا ) أي: لأن يقولوا، ( لَوْلا أُنْـزِلَ عَلَيْهِ كَنْـزٌ ) ينفقه ( أَوْ جَاءَ مَعَهُ مَلَكٌ ) يصدقه، قاله عبد الله بن أمية المخزومي.

قال الله تعالى: ( إِنَّمَا أَنْتَ نَذِيرٌ ) ليس عليك إلا البلاغ، ( وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ ) حافظ.