أُولَئِكَ لَمْ يَكُونُوا مُعْجِزِينَ فِي الأَرْضِ وَمَا كَانَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ يُضَاعَفُ لَهُمُ الْعَذَابُ مَا كَانُوا يَسْتَطِيعُونَ السَّمْعَ وَمَا كَانُوا يُبْصِرُونَ ( 20 ) أُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ ( 21 ) لا جَرَمَ أَنَّهُمْ فِي الآخِرَةِ هُمُ الأَخْسَرُونَ ( 22 ) .

( أُولَئِكَ لَمْ يَكُونُوا مُعْجِزِينَ ) قال ابن عباس: سابقين. قال قتادة: هاربين. وقال مقاتل: فائتين. ( فِي الأرْضِ وَمَا كَانَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ) يعني أنصارا وأعوانا يحفظونهم من عذابنا، ( يُضَاعَفُ لَهُمُ الْعَذَابُ ) أي: يزاد في عذابهم. قيل: يضاعف العذاب عليهم لإضلالهم الغير واقتداء الأتباع بهم.

( مَا كَانُوا يَسْتَطِيعُونَ السَّمْعَ وَمَا كَانُوا يُبْصِرُونَ ) قال قتادة: صم عن سماع الحق فلا يسمعونه، وما كانوا يبصرون الهدى. قال ابن عباس رضي الله عنهما: أخبر الله عز وجل أنه حال بين أهل الشرك وبين طاعته في الدنيا والآخرة، أما في الدنيا قال: ( ما كانوا يستطيعون السمع ) وهو طاعته، وفي الآخرة قال: ( فلا يستطيعون ) ، خاشعة أبصارهم.

( أُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ ) غبنوا أنفسهم، ( وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ ) يزعمون من شفاعة الملائكة والأصنام.

( لا جَرَمَ ) أي: حقا. وقيل: بلى. وقال الفراء: لا محالة، ( أَنَّهُمْ فِي الآخِرَةِ هُمُ الأخْسَرُونَ ) يعني: من غيرهم، وإن كان الكل في الخسار .

إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَأَخْبَتُوا إِلَى رَبِّهِمْ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ( 23 ) مَثَلُ الْفَرِيقَيْنِ كَالأَعْمَى وَالأَصَمِّ وَالْبَصِيرِ وَالسَّمِيعِ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلا أَفَلا تَذَكَّرُونَ ( 24 ) وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ ( 25 ) أَنْ لا تَعْبُدُوا إِلا اللَّهَ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ أَلِيمٍ ( 26 ) .

( إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَأَخْبَتُوا ) قال ابن عباس: خافوا. قال قتادة: أنابوا. وقال مجاهد: اطمأنوا. وقيل: خشعوا. وقوله: ( إِلَى رَبِّهِمْ ) أي: لربهم. ( أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ) .

( مَثَلُ الْفَرِيقَيْنِ ) المؤمن والكافر، ( كَالأعْمَى وَالأصَمِّ وَالْبَصِيرِ وَالسَّمِيعِ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلا ) قال الفراء: لم يقل هل يستوون، لأن الأعمى والأصم في حَيِّز كأنهما واحد؛ لأنهما من وصف الكافر، والبصير والسميع في حيز كأنهما واحد، لأنهما من وصف المؤمن، ( أَفَلا تَذَكَّرُونَ ) أي: تتعظون .

قوله تعالى: ( وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ ) قرأ ابن كثير وأبو عمرو والكسائي ويعقوب « أني » بفتح الهمزة أي: بأني، وقرأ الباقون بكسرها، أي: فقال إني، لأن في الإرسال معنى القول: إني لكم نذير مبين.

( أَنْ لا تَعْبُدُوا إِلا اللَّهَ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ أَلِيمٍ ) أي: مؤلم. قال ابن عباس: بعث نوح عليه السلام بعد أربعين سنة، ولبث يدعو قومه تسعمائة وخمسين سنة، وعاش بعد الطوفان ستين سنة، وكان عمره ألفا وخمسين سنة.

وقال مقاتل: بعث وهو ابن مائة سنة.

وقيل: بعث وهو ابن خمسين سنة.

وقيل: بعث وهو ابن مائتين وخمسين سنة، ومكث يدعو قومه تسعمائة وخمسين سنة، وعاش بعد الطوفان مائتين وخمسين سنة، فكان عمره ألفا وأربعمائة وخمسين سنة، قال الله تعالى: فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلا خَمْسِينَ عَامًا ( العنكبوت - 14 ) أي: فلبث فيهم داعيا.

فَقَالَ الْمَلأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ مَا نَرَاكَ إِلا بَشَرًا مِثْلَنَا وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلا الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِيَ الرَّأْيِ وَمَا نَرَى لَكُمْ عَلَيْنَا مِنْ فَضْلٍ بَلْ نَظُنُّكُمْ كَاذِبِينَ ( 27 ) قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَآتَانِي رَحْمَةً مِنْ عِنْدِهِ فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ أَنُلْزِمُكُمُوهَا وَأَنْتُمْ لَهَا كَارِهُونَ ( 28 ) .

( فَقَالَ الْمَلأ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ ) والملأ هم الأشراف والرؤساء. ( وَمَا نَرَاكَ ) يا نوح، ( إِلا بَشَرًا ) آدميا، ( مِثْلَنَا وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلا الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا ) سَفَلَتُنا، والرذل: الدُّون من كل شيء والجمع: أَرْذُل، ثم يجمع على أراذل، مثل: كَلْب وأَكْلُب وأَكالب، وقال في سورة الشعراء: وَاتَّبَعَكَ الأَرْذَلُونَ يعني: السفلة. وقال عكرمة: الحاكة والأساكفة، ( بَادِيَ الرَّأْيِ ) قرأ أبو عمرو « بادئ » بالهمز، أي: أول الرأي، يريدون أنهم اتبعوك في أول الرأي من غير رَوِيَّة وتفكر، ولو تفكروا لم يتبعوك. وقرأ الآخرون بغير همز، أي ظاهر الرأي من قولهم: بدا الشيء: إذا ظهر، معناه: اتبعوك ظاهرا من غير أن يتدبروا ويتفكروا باطنا. قال مجاهد: رأي العين، ( وَمَا نَرَى لَكُمْ عَلَيْنَا مِنْ فَضْلٍ بَلْ نَظُنُّكُمْ كَاذِبِينَ ) .

( قَالَ ) نوح، ( يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي ) أي: بيان من ربي ( وَآتَانِي رَحْمَةً ) أي: هدى ومعرفة، ( مِنْ عِنْدِهِ فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ ) أي: خَفِيَتْ والتبست عليكم. وقرأ حمزة والكسائي وحفص: ( فَعُمِّيَتْ عليكم ) بضم العين وتشديد الميم، أي: شُبِّهت ولُبِّست عليكم. ( أَنُلْزِمُكُمُوهَا ) أي: أنلزمكم البينة والرحمة، ( وَأَنْتُمْ لَهَا كَارِهُونَ ) لا تريدونها. قال قتادة: لو قدر الأنبياء عليهم الصلاة والسلام أن يلزموا [ قومهم الإيمان لألزموهم ] ولكن لم يقدروا.