قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ
لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلا تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ
بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ ( 46 ) .
( قَالَ ) الله
عز وجل: ( يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ
غَيْرُ صَالِحٍ ) قرأ الكسائي ويعقوب: (
عَمِلَ ) بكسر الميم وفتح اللام « غيرَ » بنصب
الراء على الفعل، أي: عمل الشرك والتكذيب. وقرأ الآخرون بفتح الميم ورفع اللام
وتنوينه، « غير » برفع الراء معناه: أن سؤالك
إياي أن أنجيه عمل غير صالح، ( فَلا تَسْأَلْن ) يا
نوح، ( مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ ) .
قرأ أهل الحجاز والشام ( فلا
تسألنِّ ) بفتح اللام وتشديد النون، ويكسرون النون غير ابن كثير فإنه
يفتحها، وقرأ الآخرون بجزم اللام وكسر النون خفيفة، ويُثبت أبو جعفر وأبو عمرو
وورش ويعقوب الياء في الوصل.
(
إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ )
واختلفوا في هذا الابن؛ قال
مجاهد والحسن: كان ولد حنث من غير نوح، ولم يعلم بذلك نوح، ولذلك قال: ( مَا
لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ ) وقرأ الحسن فَخَانَتَاهُمَا (
التحريم - 10 ) .
وقال أبو جعفر الباقر: كان ابن
امرأته وكان يعلمه نوح ولذلك قال ( من
أهلي ) ولم يقل مني.
وقال ابن عباس وعكرمة وسعيد بن
جبير والضحاك والأكثرون : إنه كان ابن نوح عليه السلام من صلبه. وقال ابن عباس: ما
بغت امرأة نبي قط. وقوله: ( إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ
أَهْلِكَ ) أي: من أهل الدين لأنه كان مخالفا له في الدين، وقوله:
فَخَانَتَاهُمَا أي: في الدين والعمل الصالح لا في الفراش.
وقوله: (
إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ ) يعني:
أن تدعو بهلاك الكفار ثم تسأل نجاة كافر.
قَالَ رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ
بِكَ أَنْ أَسْأَلَكَ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَإِلا تَغْفِرْ لِي
وَتَرْحَمْنِي أَكُنْ مِنَ الْخَاسِرِينَ ( 47 )
قِيلَ يَا نُوحُ اهْبِطْ بِسَلامٍ مِنَّا وَبَرَكَاتٍ عَلَيْكَ وَعَلَى أُمَمٍ
مِمَّنْ مَعَكَ وَأُمَمٌ سَنُمَتِّعُهُمْ ثُمَّ يَمَسُّهُمْ مِنَّا عَذَابٌ
أَلِيمٌ ( 48 ) .
( قَالَ
) نوح ( رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ
أَنْ أَسْأَلَكَ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَإِلا تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي
أَكُنْ مِنَ الْخَاسِرِينَ ) .
( قِيلَ
يَا نُوحُ اهْبِطْ ) انـزل من السفينة، (
بِسَلامٍ مِنَّا ) أي [
بأمن وسلامة منا ] ، (
وَبَرَكَاتٍ عَلَيْكَ ) البركة هي: ثبوت الخير، ومنه:
بروك البعير. وقيل: البركة ها هنا هي: أن الله تعالى جعل ذريته هم الباقين إلى يوم
القيامة، ( وَعَلَى أُمَمٍ مِمَّنْ مَعَكَ ) أي:
على ذرية أمم ممن كان معك في السفينة، يعني على قرون تجيء من بعدك، من ذرية من
معك، من ولدك وهم المؤمنون، قال محمد بن كعب القرظي: دخل فيه كل مؤمن إلى قيام
الساعة ( وَأُمَمٌ سَنُمَتِّعُهُمْ ) هذا
ابتداء، أي: أمم سنمتعهم في الدنيا، ( ثُمَّ
يَمَسُّهُمْ مِنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ ) وهم
الكافرون وأهل الشقاوة.
تِلْكَ مِنْ أَنْبَاءِ
الْغَيْبِ نُوحِيهَا إِلَيْكَ مَا كُنْتَ تَعْلَمُهَا أَنْتَ وَلا قَوْمُكَ مِنْ
قَبْلِ هَذَا فَاصْبِرْ إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ ( 49 )
وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ
مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ إِنْ أَنْتُمْ إِلا مُفْتَرُونَ ( 50 ) يَا
قَوْمِ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِنْ أَجْرِيَ إِلا عَلَى الَّذِي
فَطَرَنِي أَفَلا تَعْقِلُونَ ( 51 )
وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ
عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ وَلا تَتَوَلَّوْا
مُجْرِمِينَ ( 52 ) .
(
تِلْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ ) أخبار
الغيب، ( نُوحِيهَا إِلَيْكَ مَا كُنْتَ تَعْلَمُهَا أَنْتَ وَلا
قَوْمُكَ مِنْ قَبْلِ هَذَا ) من قبل نـزول القرآن، (
فَاصْبِرْ ) على القيام بأمر الله وتبليغ الرسالة وما تلقى من أذى
الكفار كما صبر نوح، ( إِنَّ الْعَاقِبَةَ ) آخر
الأمر بالسعادة والنصرة ( لِلْمُتَّقِينَ ) .
قوله تعالى: (
وَإِلَى عَادٍ ) أي: وأرسلنا إلى عاد، (
أَخَاهُمْ هُودًا ) في النسب لا في الدين، ( قَالَ
يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ ) [
وحدوا الله ] ( مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ
غَيْرُهُ إِنْ أَنْتُمْ إِلا مُفْتَرُونَ ) ما
أنتم [ في إشراككم ] إلا
كاذبون.
( يَا
قَوْمِ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْه ) أي: على تبليغ الرسالة، (
أَجْرًا ) جعلا ( إِنْ أَجْرِيَ ) ما
ثوابي، ( إِلا عَلَى الَّذِي فَطَرَنِي ) خلقني،
( أَفَلا تَعْقِلُونَ ) .
( وَيَا
قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ) أي: آمنوا به، والاستغفار ها
هنا بمعنى الإيمان، ( ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ ) من عبادة
غيره ومن سالف ذنوبكم، ( يُرْسِلِ السَّمَاءَ
عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا ) أي: يرسل المطر عليكم
متتابعا، مرة بعد أخرى في أوقات الحاجة، (
وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ ) أي: شدة
مع شدتكم. وذلك أن الله عز وجل حبس عنهم القطر ثلاث سنين، وأعقم أرحام نسائهم فلم
يلدن، فقال لهم هود عليه السلام: إن آمنتم أرسل الله عليكم المطر، فتزدادون مالا
ويعيد أرحام الأمهات إلى ما كانت، فيلدن فتزدادون قوة بالأموال والأولاد. وقيل:
تزدادون قوة في الدين إلى قوة البدن. ( وَلا
تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ ) أي: لا تدبروا مشركين .
قَالُوا يَا هُودُ مَا
جِئْتَنَا بِبَيِّنَةٍ وَمَا نَحْنُ بِتَارِكِي آلِهَتِنَا عَنْ قَوْلِكَ وَمَا
نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ ( 53 ) .
( قَالُوا يَا هُودُ مَا
جِئْتَنَا بِبَيِّنَةٍ ) أي: ببرهان وحجة واضحة على ما
تقول، ( وَمَا نَحْنُ بِتَارِكِي آلِهَتِنَا عَنْ قَوْلِكَ ) أي:
بقولك، ( وَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ )
بمصدقين.