يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ وَبِئْسَ الْوِرْدُ الْمَوْرُودُ ( 98 ) وَأُتْبِعُوا فِي هَذِهِ لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ بِئْسَ الرِّفْدُ الْمَرْفُودُ ( 99 ) ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْقُرَى نَقُصُّهُ عَلَيْكَ مِنْهَا قَائِمٌ وَحَصِيدٌ ( 100 ) وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِنْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَمَا أَغْنَتْ عَنْهُمْ آلِهَتُهُمُ الَّتِي يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ لَمَّا جَاءَ أَمْرُ رَبِّكَ وَمَا زَادُوهُمْ غَيْرَ تَتْبِيبٍ ( 101 ) وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ ( 102 ) إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِمَنْ خَافَ عَذَابَ الآخِرَةِ ذَلِكَ يَوْمٌ مَجْمُوعٌ لَهُ النَّاسُ وَذَلِكَ يَوْمٌ مَشْهُودٌ ( 103 ) وَمَا نُؤَخِّرُهُ إِلا لأَجَلٍ مَعْدُودٍ ( 104 ) يَوْمَ يَأْتِ لا تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلا بِإِذْنِهِ فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ ( 105 ) .

( يَقْدُمُ قَوْمَهُ ) يتقدمهم، ( يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَوْرَدَهُمُ ) فأدخلهم ( النَّارَ وَبِئْسَ الْوِرْدُ الْمَوْرُودُ ) أي: بئس المدخل والمدخول فيه.

( وَأُتْبِعُوا فِي هَذِهِ ) أي: في هذه الدنيا، ( لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ بِئْسَ الرِّفْدُ الْمَرْفُودُ ) أي: العون المعان. وقيل: العطاء المعطى، وذلك أنهم ترادفت عليهم اللعنتان، لعنة في الدنيا ولعنة في الآخرة.

( ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْقُرَى نَقُصُّهُ عَلَيْكَ مِنْهَا قَائِمٌ ) عامر، ( وَحَصِيدٌ ) خراب. وقيل: منها قائم بقيت الحيطان وسقطت السقوف. وحصيد أي: انمحى أثره. وقال مقاتل: قائم يُرى له أثر وحصيد لا يُرى له أثر، وحصيد بمعنى محصود.

( وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ ) بالعذاب والهلاك، ( وَلَكِنْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ) بالكفر والمعصية. ( فَمَا أَغْنَتْ عَنْهُمْ آلِهَتُهُمُ الَّتِي يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ لَمَّا جَاءَ أَمْرُ رَبِّكَ ) عذاب ربك، ( وَمَا زَادُوهُمْ غَيْرَ تَتْبِيبٍ ) أي: غير تخسير، وقيل: تدمير.

( وَكَذَلِك ) وهكذا، ( أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ ) أخبرنا عبد الواحد المليحي، أخبرنا أحمد بن عبد الله النعيمي، أنبأنا محمد بن يوسف، حدثنا محمد بن إ سماعيل، حدثنا صدقة بن الفضل، أنبأنا أبو معاوية، أنبأنا يزيد بن أبي بردة، عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنهم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « إن الله ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته » ، قال: ثم قرأ: ( وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ ) الآية.

قوله عز وجل: ( إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً ) لعبرة، ( لِمَنْ خَافَ عَذَابَ الآخِرَةِ ذَلِكَ يَوْمٌ مَجْمُوعٌ لَهُ النَّاسُ ) يعني يوم القيامة، ( وَذَلِكَ يَوْمٌ مَشْهُودٌ ) أي: يشهده أهل السماء والأرض.

( وَمَا نُؤَخِّرُه ) أي: وما نؤخر ذلك اليوم، فلا نقيم عليكم القيامة [ وقرأ يعقوب، وما يؤخره بالياء ] ( إِلا لأجَلٍ مَعْدُودٍ ) [ معلوم ] عند الله.

( يَوْمَ يَأْتِ ) قرئ بإثبات الياء وحذفها، ( لا تَكَلَّمُ ) أي: لا تتكلم ( نَفْسٌ إِلا بِإِذْنِهِ فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ ) أي: فمنهم من سبقت له الشقاوة ومنهم مَنْ سبقت له السعادة.

أخبرنا أبو سعيد عبد الله بن أحمد الطاهري، أنبأنا جدي أبو سهل عبد الصمد بن عبد الرحمن البزار، أنبأنا أبو بكر محمد بن زكريا العُذَافِريّ، أنبأنا إسحاق بن إبراهيم بن عباد الدَّبَرِيُّ، أنبأنا عبد الرزاق، أنبأنا معمر، عن منصور، عن سعيد بن عبيدة عن أبي عبد الرحمن السلمي، عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: خرجنا على جنازة فبينا نحن بالبقيع إذ خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم وبيده مِخْصرة، فجاء فجلس، ثم نكت بها الأرض ساعة، ثم قال: « ما من نفس منفوسة إلا قد كُتِبَ مكانها من الجنة أو النار، إلا وقد كُتِبت شقية أو سعيدة » ، قال: فقال رجل: أفلا نتكل على كتابنا يا رسول الله وندع العمل؟ قال: « لا ولكن اعملوا فكل مُيَسَّر لما خُلِقَ له، أما أهل الشقاء فييسّرون لعمل أهل الشقاء، وأما أهل السعادة فييسَّرون لعمل أهل السعادة » ، قال: ثم تلا ( فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى * وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى * وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى ( الليل 5 - 10 )

فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ ( 106 ) خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ إِلا مَا شَاءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ ( 107 ) .

قوله: ( فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ ) قال ابن عباس رضي الله عنهما: الزفير: الصوت الشديد، والشهيق الصوت الضعيف. وقال الضحاك ومقاتل: الزفير أول نهيق الحمار، والشهيق آخره إذا ردده في جوفه. وقال أبو العالية: الزفير في الحلق والشهيق في الصدر.

( خَالِدِينَ فِيهَا ) لابثين مقيمين فيها، ( مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالأرْضُ ) قال الضحاك: ما دامت سماوات الجنة والنار وأرضهما وكل ما علاك وأظلَّك فهو سماء، وكل ما استقرت عليه قدمك فهو أرض.

وقال أهل المعاني: هذا عبارة عن التأبيد على عادة العرب، يقولون: لا آتيك ما دامت السماوات والأرض، ولا يكون كذا ما اختلف الليل والنهار، يعنون: أبدا.

قوله تعالى: ( إِلا مَا شَاءَ رَبُّكَ ) .

اختلفوا في هذين الاستثناءين، فقال بعضهم: الاستثناء في أهل الشقاء يرجع إلى قوم من المؤمنين يدخلهم الله النار بذنوب اقترفوها، ثم يخرجهم منها فيكون ذلك استثناء من غير الجنس، لأن الذين أخرجوا من النار سعداء استثناهم [ الله من جملة الأشقياء ] وهذا كما:

أخبرنا عبد الواحد بن أحمد بن عبد الله النعيمي، أنبأنا محمد بن يوسف، حدثنا محمد بن إ سماعيل، حدثنا حفص بن عمر، حدثنا هشام، عن قتادة، عن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: « ليُصِيبَنَّ أقواما سَفْعٌ من النار بذنوب أصابوها، عقوبة، ثم يدخلهم الله الجنة بفضل رحمته، فيقال لهم: الجهَنَّمِيُّون » .

وأخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي، قال: أخبرنا أحمد بن عبد الله النعيمي، أخبرنا محمد بن يوسف، أخبرنا محمد بن إ سماعيل، أخبرنا مسدد، أخبرنا يحيى، عن الحسن بن ذكوان، أنبأنا أبو رجاء، حدثني عمران بن حصين رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: « يخرج قوم من النار بشفاعة محمد، فيدخلون الجنة ويسمون الجهنميين » .

وأما الاستثناء في أهل السعادة فيرجع إلى مدة لبثهم في النار قبل دخول الجنة.

وقيل: إلا ما شاء ربك من الفريقين من تعميرهم في الدنيا واحتباسهم في البرزخ ما بين الموت والبعث، قبل مصيرهم إلى الجنة أو النار. يعني: هم خالدون في الجنة أو النار إلا هذا المقدار.

وقيل: إلا ما شاء ربك: سوى ما شاء ربك، [ معناه خالدين فيها ما دامت السماوات والأرض سوى ما شاء ربك ] . من الزيادة على قدر مدة بقاء السماوات والأرض، وذلك هو الخلود فيها، كما تقول: لفلان عليّ ألف إلا الألفين، أي: سوى الألفين اللتين تقدمتا.

وقيل: إلا بمعنى الواو، أي: وقد شاء ربك خلود هؤلاء في النار وهؤلاء في الجنة، كقوله: لِئَلا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ إِلا الَّذِينَ ظَلَمُوا ( البقرة - 150 ) ، أي: ولا الذين ظلموا.

وقيل: معناه ولو شاء ربك لأخرجهم منها ولكنه لا يشاء أنه حكم لهم بالخلود.

قال الفراء: هذا الاستثناء استثناه الله ولا يفعله، كقولك: والله لأضربنك إلا أن أرى غير ذلك، وعزيمتك أن تضربه .

( إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ ) .

وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ إِلا مَا شَاءَ رَبُّكَ عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ ( 108 ) .

( وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا ) قرأ حمزة والكسائي وحفص ( سُعِدُوا ) بضم السين [ وكسر العين ] ، أي: رُزِقوا السعادة، وسُعِدَ وأُسعِدَ بمعنى واحد. وقرأ الآخرون بفتح السين قياسا على « شقوا » . ( فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالأرْضُ إِلا مَا شَاءَ رَبُّكَ ) قال الضحاك: إلا ما مكثوا في النار حتى أدخلوا الجنة. قال قتادة: الله أعلم بثنياه. ( عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ ) أي غير مقطوع. قال ابن زيد: أخبرنا الله تعالى بالذي يشاء لأهل الجنة، فقال: ( عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ ) ولم يخبرنا بالذي يشاء لأهل النار.

وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: ليأتين على جهنم زمان ليس فيها أحد، وذلك بعدما يلبثون فيها أحقابا .

وعن أبي هريرة رضي الله عنه مثله .

ومعناه عند أهل السنة إن ثبت: أن لا يبقى فيها أحد من أهل الإيمان. وأما مواضع الكفار فممتلئة أبدا.