وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَسْتَ مُرْسَلا قُلْ كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ ( 43 ) .

( وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَسْتَ مُرْسَلا قُلْ كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ ) إني رسوله إليكم ( وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ ) يريد: مؤمني أهل الكتاب يشهدون أيضاً على ذلك.

قال قتادة: هو عبد الله بن سلام .

وأنكر الشعبي هذا وقال: السورة مكية, وعبد الله بن سلام أسلم بالمدينة.

وقال أبو بشر: قلت لسعيد بن جبير ( وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ ) أهو عبد الله بن سلام؟ فقال: وكيف يكون عبد الله بن سلام وهذه السورة مكية ؟

وقال الحسن ومجاهد: ( وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ ) هو الله عز وجل يدل عليه: قراءة عبد الله بن عباس, ( وَمِنْ عندِه ) بكسر الميم والدال, أي: من عند الله عز وجل, وقرأ الحسن وسعيد بن جبير: ( وَمِنْ عِندِه ) بكسر الميم والدال ( عُلِم الْكِتَابِ ) على الفعل المجهول دليل هذه القراءة قوله تعالى: وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْمًا ( الكهف - 65 ) وقوله: الرَّحْمَنُ * عَلَّمَ الْقُرْآنَ ( الرحمن - 1, 2 ) .

 

سورة إبراهيم

 

مكية [ وهي إحدى وخمسون ] آية إلا آيتين من قوله تعالى: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَةَ اللَّهِ كُفْرًا إلى قوله: فَإِنَّ مَصِيرَكُمْ إِلَى النَّارِ

بسم الله الرحمن الرحيم

الر كِتَابٌ أَنْـزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ ( 1 ) .

( الر كِتَابٌ ) أي: هذا كتاب ( أَنْـزَلْنَاهُ إِلَيْكَ ) يا محمد يعني: القرآن, ( لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ ) أي: لتدعوهم من ظلمات الضلالة إلى نور الإيمان . ( بِإِذْنِ رَبِّهِمْ ) [ بأمر ربهم ] .

وقيل: بعلم ربهم .

( إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ ) أي: إلى دينه, و « العزيز » , هو الغالب, و « الحميد » : هو المستحق للحمد.

اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَوَيْلٌ لِلْكَافِرِينَ مِنْ عَذَابٍ شَدِيدٍ ( 2 ) الَّذِينَ يَسْتَحِبُّونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الآخِرَةِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا أُولَئِكَ فِي ضَلالٍ بَعِيدٍ ( 3 ) .

( اللَّهِ الَّذِي ) قرأ أبو جعفر, وابن عامر: « اللهُ » بالرفع على الاستئناف, وخبره فيما بعده. وقرأ الآخرون بالخفض نعتًا للعزيز الحميد . وكان يعقوب إذا وصل خفض.

وقال أبو عمرو: الخفض على التقديم والتأخير, مجازه: إلى صراط الله العزيز الحميد ( الَّذِي لَهُ ما فٍي السماوات وَمَا فِي الأرضِ وَوَيْلٌ لِلْكَافِرِينَ مِنْ عَذَابٍ شَدِيدٍ ) .

( الَّذِينَ يَسْتَحِبُّونَ ) يختارون, ( الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الآخِرَةِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ ) أي: يمنعون الناس عن قبول دين الله, ( وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا ) أي: يطلبونها زيغا وميلا يريد: يطلبون سبيل الله جائرين عن القصد.

وقيل: الهاء راجعة إلى الدنيا, معناه: يطلبون الدنيا على طريق الميل عن الحق, أي: لجهة الحرام. ( أُولَئِكَ فِي ضَلال بَعِيدٍ ) .

وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ فَيُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ( 4 ) وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ ( 5 ) .

قوله تعالى: ( وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إلا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ ) بلغتهم ليفهموا عنه. فإن قيل: كيف هذا وقد بعث النبي صلى الله عليه وسلم إلى كافة الخلق؟

قيل: بُعِث من العرب بلسانهم, والناس تَبَعٌ لهم, ثم بثَّ الرسل إلى الأطراف يدعونهم إلى الله عز وجل ويترجمون لهم بألسنتهم .

( فَيُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ) .

( وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ ) أي: من الكفر إلى الإيمان بالدعوة, ( وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ ) قال ابن عباس وأبي بن كعب ومجاهد وقتادة: بنعم الله

وقال مقاتل: بوقائع الله في الأمم السالفة. يقال: فلان عالم بأيام العرب, أي بوقائعهم, وإنما أراد بما كان في أيام الله من النعمة والمحنة, فاجتزأ بذكر الأيام عنها لأنها كانت معلومة عندهم .

( إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ ) و « الصبار » : الكثير الصبر, و « الشكور » : الكثير الشكر, وأراد: لكل مؤمن, لأن الصبر والشكر من خصال المؤمنين.