وَإِنْ كَادُوا لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ الأَرْضِ لِيُخْرِجُوكَ مِنْهَا وَإِذًا لا يَلْبَثُونَ خِلافَكَ إِلا قَلِيلا ( 76 )

قوله تعالى: ( وَإِنْ كَادُوا لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ الأرْضِ لِيُخْرِجُوكَ مِنْهَا ) اختلفوا في معنى الآية فقال بعضهم: هذه الآية مدنية قال الكلبي: لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة كره اليهود مقامه بالمدينة حسدا منهم فأتوه وقالوا: يا أبا القاسم لقد علمت ما هذه بأرض الأنبياء فإن أرض الأنبياء الشام [ وهي الأرض المقدسة وكان بها إبراهيم والأنبياء عليهم الصلاة والسلام فإن كنت نبيا مثلهم فأت الشام ] وإنما يمنعك من الخروج إليها مخافتك الروم وإن الله سيمنعك من الروم إن كنت رسوله فعسكر النبي صلى الله عليه وسلم على ثلاثة أميال من المدينة وفي رواية: إلى ذي الحليفة حتى يجتمع إليه أصحابه ويخرج فأنـزل الله هذه الآية و « الأرض » هاهنا هي المدينة .

وقال مجاهد وقتادة: « الأرض » أرض مكة والآية مكية هم المشركون أن يخرجوه منها فكفهم الله عنه حتى أمره بالهجرة فخرج بنفسه وهذا أليق بالآية لأن ما قبلها خبر عن أهل مكة والسورة مكية .

وقيل: هم الكفار كلهم أرادوا أن يستفزوه من أرض العرب باجتماعهم وتظاهرهم عليه فمنع الله عز وجل رسوله صلى الله عليه وسلم ولم ينالوا منه ما أملوا والاستفزاز هو الإزعاج بسرعة.

( وَإِذًا لا يَلْبَثُونَ خِلافَكَ ) أي بعدك وقرأ ابن عامر وحمزة والكسائي وحفص ويعقوب ( خِلافَكَ ) اعتبارا بقوله تعالى: فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلافَ رَسُولِ اللَّهِ ( التوبة- 81 ) ومعناهما واحد . ( إِلا قَلِيلا ) أي: لا يلبثون بعدك إلا قليلا حتى يهلكوا فعلى هذا القول الأول: مدة حياتهم وعلى الثاني: ما بين خروج النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة إلى أن قتلوا ببدر.

سُنَّةَ مَنْ قَدْ أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنْ رُسُلِنَا وَلا تَجِدُ لِسُنَّتِنَا تَحْوِيلا ( 77 )

قوله عز وجل: ( سُنَّةَ مَنْ قَدْ أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنْ رُسُلِنَا ) أي: كسنتنا فانتصب بحذف الكاف وسنة الله في الرسل إذا كذبتهم الأمم أن لا يعذبهم ما دام نبيهم بين أظهرهم فإذا خرج نبيهم من بين أظهرهم عذبهم.

( وَلا تَجِدُ لِسُنَّتِنَا تَحْوِيلا ) أي تبديلا.

أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا ( 78 )

قوله: ( أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ ) اختلفوا في الدلوك: روي عن عبد الله بن مسعود أنه قال: الدلوك هو الغروب وهو قول إبراهيم النخعي ومقاتل بن حيان والضحاك والسدي.

وقال ابن عباس: وابن عمر وجابر: هو زوال الشمس وهو قول عطاء وقتادة ومجاهد والحسن وأكثر التابعين.

ومعنى اللفظ يجمعهما لأن أصل الدلوك الميل والشمس تميل إذا زالت وغربت.

والحمل على الزوال أولى القولين لكثرة القائلين به ولأنا إذا حملناه عليه كانت الآية جامعة لمواقيت الصلاة كلها « فدلوك الشمس » : يتناول صلاة الظهر والعصر و « إلى غسق الليل » : يتناول المغرب والعشاء و « قرآن الفجر » : هو صلاة الصبح .

قوله عز وجل: ( إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ ) أي: ظهور ظلمته وقال ابن عباس: بدو الليل وقال قتادة: وقت صلاة المغرب وقال مجاهد: غروب الشمس.

( وَقُرْآنَ الْفَجْرِ ) يعني: صلاة الفجر سمي صلاة الفجر قرآنا لأنها لا تجوز إلا بقرآن وانتصاب القرآن من وجهين أحدهما: أنه عطف على الصلاة أي: وأقم قرآن الفجر قاله الفراء وقال أهل البصرة: على الإغراء أي وعليك قرآن الفجر.

( إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا ) أي: يشهده ملائكة الليل وملائكة النهار.

أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي أخبرنا أحمد بن عبد الله النعيمي أنبأنا محمد بن يوسف حدثنا محمد بن إسماعيل حدثنا أبو اليمان أنبأنا شعيب عن الزهري أخبرني سعيد بن المسيب وأبو سلمة بن عبد الرحمن أن أبا هريرة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: « تفضل صلاة الجميع على صلاة أحدكم وحده بخمس وعشرين جزءا وتجتمع ملائكة الليل وملائكة النهار في صلاة الفجر » ثم يقول أبو هريرة: اقرؤوا إن شئتم: ( إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا ) .

وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا ( 79 )

قوله تعالى: ( وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ ) أي: قم بعد نومك والتهجد لا يكون إلا بعد النوم يقال: تهجد إذا قام بعدما نام وهجد إذا نام.

والمراد من الآية: قيام الليل للصلاة.

وكانت صلاة الليل فريضة على النبي صلى الله عليه وسلم في الابتداء وعلى الأمة لقوله تعالى: يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ * قُمِ اللَّيْلَ إِلا قَلِيلا ( المزمل- 1- 2 ) ثم نـزل التخفيف فصار الوجوب منسوخا في حق الأمة بالصلوات الخمس وبقي الاستحباب: قال الله تعالى: فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ ( المزمل 20 ) وبقي الوجوب في حق النبي صلى الله عليه وسلم .

وروي عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: « ثلاث هن علي فريضة وهن سنة لكم الوتر [ والسواك ] وقيام الليل » .

قوله عز وجل: ( نَافِلَةً لَكَ ) أي: زيادة لك يريد: فضيلة زائدة على سائر الفرائض فرضها الله عليك.

وذهب قوم إلى أن الوجوب صار منسوخا في حقه كما في حق الأمة فصارت نافلة وهو قول مجاهد وقتادة لأن الله تعالى قال: « نافلة لك » ولم يقل عليك .

فإن قيل: فما معنى التخصيص وهي زيادة في حق كافة المسلمين كما في حقه صلى الله عليه وسلم؟

قيل: التخصيص من حيث إن نوافل العباد كفارة لذنوبهم والنبي صلى الله عليه وسلم قد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر فكانت نوافله لا تعمل في كفارة الذنوب فتبقى له زيادة في رفع الدرجات.

أخبرنا أبو محمد عبد الله بن عبد الصمد الجوزجاني أخبرنا أبو القاسم علي بن أحمد الخزاعي أخبرنا أبو سعيد الهيثم بن كليب حدثنا أبو عيسى الترمذي حدثنا قتيبة وبشر بن معاذ قالا حدثنا أبو عوانة عن زياد بن علاقة عن المغيرة بن شعبة قال: قام النبي صلى الله عليه وسلم حتى انتفخت قدماه فقيل له: أتتكلف هذا وقد غفر لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟ قال: « أفلا أكون عبدا شكورا » .

أخبرنا أبو الحسن محمد بن محمد السرخسي أخبرنا زاهر بن أحمد أخبرنا أبو إسحاق إبراهيم بن عبد الصمد الهاشمي أخبرنا أبو مصعب عن مالك عن عبد الله بن أبي بكرة عن أبيه عن عبد الله بن قيس بن مخرمة أنه أخبره عن زيد بن خالد الجهني أنه قال: « لأرمقن صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم الليلة فتوسدت عتبته أو فسطاطه فقام فصلى ركعتين خفيفتين ثم صلى ركعتين طويلتين ثم صلى ركعتين دون اللتين قبلهما [ ثم صلى ركعتين دون اللتين قبلهما ثم صلى ركعتين دون التين قبلهما ] ثم أوتر فذلك ثلاث عشرة ركعة . »

أخبرنا أبو الحسن محمد بن محمد السرخسي أخبرنا زاهر بن أحمد أخبرنا أبو إسحاق الهاشمي أخبرنا أبو مصعب عن مالك عن سعيد بن أبي سعيد المقبري عن أبي سلمة بن عبد الرحمن أنه أخبره أنه سأل عائشة رضي الله عنها: كيف كانت صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم في رمضان؟ قال: فقالت ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يزيد في رمضان ولا في غيره على إحدى عشرة ركعة يصلي أربعا فلا تسأل عن حسنهن وطولهن ثم يصلي أربعا فلا تسأل عن حسنهن وطولهن ثم يصلي ثلاثا. قالت عائشة فقلت: يا رسول الله أتنام قبل أن توتر؟ فقال: « يا عائشة إن عيني تنامان ولا ينام قلبي » .

أخبرنا الإمام أبو علي الحسين بن محمد القاضي أخبرنا أبو نعيم عبد الملك بن الحسن الإسفرايني أخبرنا أبو عوانة يعقوب بن إسحاق أخبرنا يونس بن هارون بن عبد الأعلى أخبرنا ابن وهب أخبرني يونس وابن أبي ذئب وعمر بن الحارث أن ابن شهاب أخبرهم عن عروة بن الزبير عن عائشة قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم « يصلي فيما بين أن يفرغ من صلاة العشاء إلى الفجر إحدى عشرة ركعة يسلم من كل ركعتين ثم يوتر بواحدة فيسجد السجدة قدر ما يقرأ أحدكم خمسين آية قبل أن يرفع رأسه فإذا سكت المؤذن من أذان الفجر وتبين له الفجر قام فركع ركعتين خفيفتين ثم اضطجع على شقه الأيمن حتى يأتيه المؤذن للإقامة فيخرج » وبعضهم يزيد على بعض .

أخبرنا أحمد بن عبد الله الصالحي أخبرنا أبو بكر أحمد بن الحسن الحيري أخبرنا حاجب بن أحمد الطوسي أخبرنا عبد الرحمن بن منيب أخبرنا يزيد بن هارون أخبرنا حميد الطويل عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: ما كنا نشاء أن نرى رسول الله صلى الله عليه وسلم في الليل مصليا إلا رأيناه ولا نشاء أن نراه نائما إلا رأيناه وقال: كان يصوم من الشهر حتى نقول لا يفطر منه شيئا ويفطر حتى نقول لا يصوم منه شيئا .

قوله عز وجل: ( عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا ) عسى من الله تعالى واجب لأنه لا يدع أن يعطي عباده أو يفعل بهم ما أطمعهم فيه.

والمقام المحمود هو: مقام الشفاعة لأمته لأنه يحمده فيه الأولون والآخرون: أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي أخبرنا أبو منصور محمد بن محمد بن سمعان أخبرنا أبو جعفر محمد بن أحمد بن عبد الجبار الرياني حدثنا حميد بن زنجويه أخبرنا عبد الله بن يزيد المقري أخبرنا حياة عن كعب عن علقمة عن عبد الرحمن بن جبير عن عبد الله بن عمرو بن العاص أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: « إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول: ثم صلوا علي فإنه من صلى علي صلاة صلى الله عليه بها عشرا ثم سلوا الله لي الوسيلة فإنها منـزلة في الجنة لا ينبغي أن تكون إلا لعبد من عباد الله وأرجو أن أكون أنا هو فمن سأل لي الوسيلة حلت عليه الشفاعة » .

أخبرنا عبد الواحد المليحي أخبرنا أحمد بن عبد الله النعيمي أخبرنا محمد بن يوسف حدثنا محمد بن إسماعيل حدثنا علي بن عباس حدثنا سعيد بن أبي حمزة عن محمد بن المنكدر عن جابر بن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: « من قال حين يسمع النداء اللهم رب هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة آت محمدا الوسيلة والفضيلة وابعثه مقاما محمودا الذي وعدته حلت له شفاعتي يوم القيامة » .

أخبرنا أبو حامد أحمد بن عبد الله الصالحي أخبرنا أبو بكر أحمد بن الحسن الحيري أخبرنا حاجب بن أحمد الطوسي أخبرنا عبد الرحيم بن منيب أخبرنا يعلى عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « إن لكل نبي دعوة مستجابة وإني اختبأت دعوتي شفاعة لأمتي وهي نائلة منكم إن شاء الله- من مات لا يشرك بالله شيئا » .

أخبرنا عبد الواحد المليحي أخبرنا أحمد بن عبد الله النعيمي أخبرنا محمد بن يوسف حدثنا محمد بن إسماعيل قال: وقال حجاج بن منهال حدثنا همام بن يحيى حدثنا قتادة عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: « يحبس المؤمنون يوم القيامة حتى يهتموا بذلك فيقولون: لو استشفعنا إلى ربنا فيريحنا من مكاننا فيأتون آدم فيقولون: أنت آدم أبو الناس خلقك الله بيده وأسكنك جنته وأسجد لك ملائكته وعلمك أسماء كل شيء اشفع لنا عند ربك حتى يريحنا من مكاننا هذا فيقول: لست هناكم ويذكر خطيئته التي أصاب وأكله من الشجرة وقد نهي عنها ولكن ائتوا نوحا أول نبي بعثه الله إلى أهل الأرض. »

فيأتون نوحا فيقول: لست هناكم ويذكر خطيئته التي أصاب سؤاله ربه بغير علم ولكن ائتوا إبراهيم خليل الرحمن قال فيأتون إبراهيم فيقول: إني لست هناكم ويذكر ثلاث كذبات كذبهن ولكن ائتوا موسى عبدا آتاه الله التوراة وكلمه وقربه نجيا.

قال: فيأتون موسى فيقول إني لست هناكم ويذكر خطيئته التي أصاب بقتل النفس ولكن ائتوا عيسى عبد الله ورسوله وروح الله وكلمته.

فيأتون عيسى فيقول: لست هناكم ولكن ائتوا محمدا عبدا غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر.

قال: فيأتوني فأستأذن على ربي في داره فيؤذن لي عليه فإذا رأيته وقعت ساجدا فيدعني ما شاء الله أن يدعني ثم يقول: ارفع رأسك يا محمد وقل تسمع واشفع تشفع وسل تعطه قال: فأرفع رأسي فأثني على ربي بثناء وتحميد يعلمنيه ثم أشفع فيحد لي حدا فأخرج فأخرجهم فأدخلهم الجنة.

قال قتادة: وسمعته أيضا يقول: فأخرج فأخرجهم من النار وأدخلهم الجنة, ثم أعود فأستأذن على ربي في داره فيؤذن لي عليه فإذا رأيته وقعت ساجدا فيدعني ما شاء الله أن يدعني ثم يقول: ارفع رأسك يا محمد وقل تسمع واشفع تشفع وسل تعطه قال: فأرفع رأسي فأثني على ربي بثناء وتحميد يعلمنيه ثم أشفع فيحد لي حدا فأخرج فأدخلهم الجنة [ ثم أعود الثالثة فأستأذن على ربي في داره فيؤذن لي عليه فإذا رأيته وقعت ساجدا فيدعني ما شاء الله أن يدعني ثم يقول ارفع رأسك يا محمد وقل تسمع واشفع تشفع وسل تعطه قال: فأرفع رأسي فأثني على ربي بثناء وتحميد يعلمنيه ثم أشفع فيحد لي حدا فأخرج فأدخلهم الجنة « ] . »

قال قتادة: وقد سمعته أيضا يقول: « فأخرج فأخرجهم من النار وأدخلهم الجنة حتى ما يبقى في النار إلا من حبسه القرآن » - أي وجب عليه الخلود- قال: ثم تلا هذه الآية: ( عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا ) [ قال: « وهذا المقام المحمود ] الذي وعده نبيكم صلى الله عليه وسلم » .

وبهذا الإسناد قال: حدثنا [ محمد بن إسماعيل حدثنا ] سليمان بن حرب حدثنا حماد بن زيد حدثنا معبد بن هلال الغزي قال: ذهبنا إلى أنس بن مالك فذكر حديث الشفاعة بمعناه وقال: « فأستأذن على ربي فيؤذن لي ويلهمني محامد أحمده بها لا تحضرني الآن فأحمده بتلك المحامد وأخر له ساجدا فيقال: يا محمد ارفع رأسك وقل تسمع [ وسل تعطه ] واشفع تشفع فأقول: يا رب أمتي أمتي فيقول: انطلق فأخرج منها من كان في قلبه مثقال شعيرة من إيمان فأنطلق فأفعل ثم أعود فأحمده بتلك المحامد ثم أخر له ساجدا وذكر مثله فيقال: » انطلق فأخرج من كان في قلبه مثقال ذرة أو خردلة من الإيمان فأنطلق فأفعل ثم أعود فأحمده بتلك المحامد ثم أخر له ساجدا وذكر مثله ثم يقال: انطلق فأخرج من كان في قلبه أدنى أدنى أدنى مثقال حبة من خردل من إيمان فأنطلق فأفعل فلما خرجنا من عند أنس مررنا بالحسن فسلمنا عليه فحدثناه بالحديث إلى هذا الموضع فقال: هيه فقلنا: لم يزدنا على هذا فقال: لقد حدثني وهو [ يومئذ جميع ] منذ عشرين سنة كما حدثكم ثم قال: ثم أعود الرابعة فأحمده بتلك المحامد ثم أخر له ساجدا فيقال: يا محمد ارفع رأسك وقل تسمع وسل تعطه واشفع تشفع فأقول يا ربي أتأذن فيمن قال لا إله إلا الله؟ فيقول: وعزتي وجلالي وكبريائي وعظمتي لأخرجن منها من قال لا إله إلا الله « . »

وروي عن عبد الله بن عمر قال: « إن الشمس تدنو يوم القيامة حتى يبلغ العرق نصف الأذن فبينما هم كذلك استغاثوا بآدم ثم بموسى ثم بمحمد صلى الله عليه وسلم [ فيشفع ليقضى بين الخلق فيمشي حتى يأخذ بحلقة الباب فيومئذ يبعثه الله مقاما محمودا يحمده أهل الجمع كلهم » .

وأخبرنا الإمام أبو علي الحسين بن محمد القاضي أخبرنا أبو محمد عبد الله بن يوسف بن محمد ] بن ماموية حدثنا أبو بكر محمد بن الحسين القطان حدثنا محمد بن حموية حدثنا سعيد بن سليمان حدثنا منصور بن أبي الأسود حدثنا الليث عن الربيع بن أنس عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « أنا أولهم خروجا [ إذا بعثوا ] وأنا قائدهم إذا وفدوا وأنا خطيبهم إذا أنصتوا وأنا شفيعهم إذا حبسوا [ وأنا مبشرهم إذا أيسوا ] الكرامة والمفاتيح يومئذ بيدي ولواء الحمد يومئذ بيدي وأنا أكرم ولد آدم على ربي يطوف علي ألف خادم كأنهم بيض مكنون أو لؤلؤ منثور » .

أخبرنا إسماعيل بن عبد القاهر أخبرنا عبد الغافر بن محمد أخبرنا محمد بن عيسى الجلودي حدثنا إبراهيم بن محمد بن سفيان حدثنا مسلم بن الحجاج حدثني الحكم بن موسى حدثنا معقل بن زياد عن الأوزاعي حدثني أبو عمار حدثني عبد الله بن فروخ حدثني أبو هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « أنا سيد ولد آدم يوم القيامة وأول من ينشق عنه القبر وأول شافع وأول مشفع »

والأخبار في الشفاعة كثيرة وأول من أنكرها عمرو بن عبيد وهو مبتدع باتفاق أهل السنة .

وروي عن يزيد بن صهيب الفقير قال: كنت قد شغفني رأي من رأي الخوارج وكنت رجلا شابا فخرجنا في عصابة نريد أن نحج فمررنا على المدينة فإذا جابر بن عبد الله يحدث القوم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وذكر الجهنميين فقلت له: يا صاحب رسول الله ما هذا الذي يحدثون والله عز وجل يقول: إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ ( آل عمران- 192 ) و كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا أُعِيدُوا فِيهَا ( السجدة- 20 ) ؟ فقال لي: يا فتى تقرأ القرآن؟ قلت: نعم قال: هل سمعت بمقام محمد المحمود الذي يبعثه الله فيه؟ قلت: نعم قال: فإنه مقام محمد المحمود الذي يخرج الله به من يخرج من النار [ ثم نعت وضع الصراط ومر الناس عليه ] وأن قوما يخرجون من النار بعدما يكونون فيها قال: فرجعنا وقلنا أترون هذا الشيخ يكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟.

وروي عن أبي وائل عن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: « إن الله عز وجل اتخذ إبراهيم خليلا وإن صاحبكم حبيب الله وأكرم الخلق على الله » ثم قرأ: ( عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا ) [ قال: يقعد على العرش ] .

[ وعن مجاهد في قوله تعالى: ( عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا ) قال: يجلسه على العرش ] .

وعن عبد الله بن سلام قال: يقعده على الكرسي .

وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطَانًا نَصِيرًا ( 80 )

قوله عز وجل: ( وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ ) والمراد من المدخل والمخرج: الإدخال والإخراج واختلف أهل التفسير فيه:

فقال ابن عباس والحسن وقتادة: « أدخلني مدخل صدق » : المدينة. « وأخرجني مخرج صدق » : مكة, نـزلت حين أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالهجرة .

وقال الضحاك: « وأخرجني مخرج صدق » : من مكة آمنا من المشركين « وأدخلني مدخل صدق » : مكة ظاهرا عليها بالفتح.

وقال مجاهد: أدخلني في أمرك الذي أرسلتني به من النبوة مدخل صدق الجنة وأخرجني من الدنيا وقد قمت بما وجب علي من حقها مخرج صدق.

وعن الحسن أنه قال: « أدخلني مدخل صدق » : الجنة « وأخرجني مخرج صدق » : من مكة.

وقيل: أدخلني في طاعتك وأخرجني من المناهي وقيل: معناه أدخلني حيث ما أدخلتني بالصدق وأخرجني بالصدق, أي: لا تجعلني ممن يدخل بوجه ويخرج بوجه فإن ذا الوجهين لا يكون آمنا ووجيها عند الله.

ووصف الإدخال والإخراج بالصدق لما يؤول إليه الخروج والدخول من النصر والعز ودولة الدين كما وصف القدم بالصدق فقال: أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبِّهِمْ ( يونس- 2 ) .

( وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطَانًا نَصِيرًا ) قال مجاهد: حجة بينة وقال الحسن: ملكا قويا تنصرني به على من ناوأني وعزا ظاهرا أقيم به دينك. فوعده الله لينـزعن ملك فارس والروم وغيرهما فيجعله له.

قال قتادة: علم نبي الله صلى الله عليه وسلم أن لا طاقة له بهذا الأمر إلا بسلطان [ نصير ] فسأل سلطانا نصيرا: كتاب الله وحدوده وإقامة دينه.

وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا ( 81 )

قوله عز وجل: ( وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ ) يعني القرآن ( وَزَهَقَ الْبَاطِلُ ) أي: الشيطان قال قتادة وقال السدي: « الحق » : الإسلام و « الباطل » : الشرك وقيل: « الحق » : عبادة الله و « الباطل » : عبادة الأصنام.

( إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا ) ذاهبا يقال: زهقت نفسه أي خرجت.

أخبرنا عبد الواحد المليحي أخبرنا أحمد بن عبد الله النعيمي حدثنا محمد بن يوسف حدثنا محمد بن إسماعيل حدثنا صدقة بن الفضل حدثنا ابن عيينة عن ابن أبي نجيح عن مجاهد عن أبي معمر عن عبد الله قال: دخل النبي صلى الله عليه وسلم مكة يوم الفتح وحول البيت ستون وثلاثمائة نصب فجعل يطعنها بعود [ في يده ] ويقول: « جاء الحق وزهق الباطل جَاءَ الْحَقُّ وَمَا يُبْدِئُ الْبَاطِلُ وَمَا يُعِيدُ . »

وَنُنَـزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلا خَسَارًا ( 82 ) وَإِذَا أَنْعَمْنَا عَلَى الإِنْسَانِ أَعْرَضَ وَنَأَى بِجَانِبِهِ وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ كَانَ يَئُوسًا ( 83 )

قوله عز وجل: ( وَنُنَـزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ ) قيل: « من » ليس للتبعيض ومعناه: وننـزل من القرآن ما كله شفاء أي: بيان من الضلالة والجهالة يتبين به المختلف ويتضح به المشكل ويستشفى به من الشبهة ويهتدى به من الحيرة فهو شفاء القلوب بزوال الجهل عنها ورحمة للمؤمنين.

( وَلا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلا خَسَارًا ) لأن الظالم لا ينتفع به والمؤمن من ينتفع به فيكون رحمة له.

وقيل: زيادة الخسارة للظالم من حيث أن كل آية تنـزل يتجدد منهم تكذيب ويزداد لهم خسارة.

قال قتادة: لم يجالس هذا القرآن أحد إلا قام عنه بزيادة أو نقصان قضى الله الذي قضى شفاء ورحمة للمؤمنين ولا يزيد الظالمين إلا خسارا. قوله تعالى: ( وَإِذَا أَنْعَمْنَا عَلَى الإنْسَانِ أَعْرَضَ ) عن ذكرنا ودعائنا ( وَنَأَى بِجَانِبِهِ ) أي تباعد عنا بنفسه أي ترك التقرب إلى الله بالدعاء وقال عطاء: تعظم وتكبر ويكسر النون والهمزة حمزة والكسائي ويفتح النون ويكسر الهمزة أبو بكر وقرأ ابن عامر وأبو جعفر « وناء » مثل جاء قيل: هو بمعنى نأى وقيل: ناء من النوء وهو النهوض والقيام.

( وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ ) الشدة والضرر ( كَانَ يَئُوسًا ) أي آيسا قنوطا. وقيل: معناه أنه يتضرع ويدعو عند الضر والشدة فإذا تأخرت الإجابة يئس ولا ينبغي للمؤمن أن ييأس من الإجابة وإن تأخرت فيدع الدعاء.

قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ فَرَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَنْ هُوَ أَهْدَى سَبِيلا ( 84 ) وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلا قَلِيلا ( 85 )

قوله عز وجل: ( قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ ) قال ابن عباس: على ناحيته.

قال الحسن وقتادة على نيته.

وقال مقاتل: على خليقته.

قال الفراء على طريقته التي جبل عليها.

وقال القتيـبي: على طبيعته وجبلته.

وقيل: على السبيل الذي اختاره لنفسه وهو من الشكل يقال: لست على شكلي ولا شاكلتي وكلها متقاربة تقول العرب: طريق ذو شواكل إذا تشعبت منه الطرق. ومجاز الآية: كل يعمل على ما يشبهه كما يقال في المثل: كل امرئ يشبهه فعله.

( فَرَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَنْ هُوَ أَهْدَى سَبِيلا ) أوضح طريقا. قوله تعالى: ( وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي ) الآية.

أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي أخبرنا أحمد بن عبد الله النعيمي أخبرنا محمد بن يوسف حدثنا محمد بن إسماعيل حدثنا قيس بن حفص حدثنا عبد الواحد - يعني ابن زياد- حدثنا الأعمش عن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله قال: بينا أنا أمشي مع النبي صلى الله عليه وسلم في حرث المدينة وهو يتوكأ على عسيب معه فمر بنفر من اليهود فقال بعضهم لبعض: سلوه عن الروح وقال بعضهم: لا تسألوه لا يجيء فيه بشيء تكرهونه فقال بعضهم لنسألنه فقام رجل منهم فقال: يا أبا القاسم ما الروح؟ فسكت فقلت: إنه يوحى إليه فقمت فلما انجلى عنه الوحي قال: ( وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلا قَلِيلا ) قال الأعمش: هكذا في قراءتنا.

وروي عن ابن عباس أنه قال: إن قريشا قد اجتمعوا وقالوا: إن محمدا نشأ فينا بالأمانة والصدق وما اتهمناه بكذب وقد ادعى ما ادعى فابعثوا نفرا إلى اليهود بالمدينة واسألوهم عنه فإنهم أهل كتاب فبعثوا جماعة إليهم فقالت اليهود: سلوه عن ثلاثة أشياء فإن أجاب عن كلها أو لم يجب عن شيء منها فليس بنبي وإن أجاب عن اثنين ولم يجب عن واحدة فهو نبي فسلوه عن فتية فقدوا في الزمن الأول ما كان من أمرهم؟ فإنه كان لهم حديث عجيب وعن رجل بلغ شرق الأرض وغربها ما خبره وعن الروح؟ فسألوه فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أخبركم بما سألتم غدا ولم يقل إن شاء الله فلبث الوحي - قال مجاهد: اثني عشرة ليلة وقيل: خمسة عشر يوما وقال عكرمة: أربعين يوما- وأهل مكة يقولون: وعدنا محمد غدا وقد أصبحنا لا يخبرنا بشيء حتى حزن النبي صلى الله عليه وسلم من مكث الوحي وشق عليه ما يقوله أهل مكة ثم نـزل جبريل بقوله: وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا * إِلا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ ونـزل في قصة الفتية أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كَانُوا مِنْ آيَاتِنَا عَجَبًا ونـزل فيمن بلغ الشرق والغرب وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ ونـزل في الروح « ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي » .

واختلفوا في الروح الذي وقع السؤال عنه فروي عن ابن عباس: أنه جبريل وهو قول الحسن وقتادة.

وروي عن علي أنه قال: هو ملك له سبعون ألف وجه لكل وجه سبعون ألف لسان يسبح الله تعالى بكلها.

وقال مجاهد: خلق على صور بني آدم لهم أيد وأرجل ورءوس وليسوا بملائكة ولا ناس يأكلون الطعام.

وقال سعيد بن جبير: لم يخلق الله تعالى خلقا أعظم من الروح غير العرش لو شاء أن يبتلع السموات السبع والأرضين السبع ومن فيها بلقمة واحدة لفعل صورة خلقه على صورة خلق الملائكة وصورة وجهه على صورة الآدميين يقوم يوم القيامة عن يمين العرش وهو أقرب الخلق إلى الله عز وجل اليوم عند الحجب السبعين وأقرب إلى الله يوم القيامة وهو ممن يشفع لأهل التوحيد ولولا أن بينه وبين الملائكة سترا من نور لاحترق أهل السموات من نوره.

وقيل: الروح هو القرآن.

وقيل: المراد منه عيسى عليه السلام فإنه روح الله وكلمه ومعناه: أنه ليس كما يقول اليهود ولا كما يقوله النصارى.

وقال قوم: هو الروح المركب في الخلق الذي يحيا به الإنسان وهو الأصح.

وتكلم فيه قوم فقال بعضهم: هو الدم ألا ترى أن الحيوان إذا مات لا يفوت منه شيء إلا الدم؟

وقال قوم: هو نفس الحيوان بدليل أنه يموت باحتباس النفس.

وقال قوم: هو عرض.

وقال قوم: هو جسم لطيف.

وقال بعضهم: الروح معنى اجتمع فيه النور والطيب والعلو والبقاء ألا ترى أنه إذا كان موجودا يكون الإنسان موصوفا بجميع هذه الصفات فإذا خرج ذهب الكل ؟

وأولى الأقاويل: أن يوكل علمه إلى الله عز وجل وهو قول أهل السنة. قال عبد الله بن بريدة: إن الله لم يطلع على الروح ملكا مقربا ولا نبيا مرسلا.

وقوله عز وجل: ( قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي ) قيل من علم ربي.

( وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلا قَلِيلا ) أي: في جنب علم الله قيل هذا خطاب للرسول صلى الله عليه وسلم.

وقيل: خطاب لليهود لأنهم كانوا يقولون أوتينا التوراة وفيها العلم الكثير.

وقيل: كان النبي صلى الله عليه وسلم يعلم معنى الروح ولكن لم يخبر به أحدا لأن ترك إخباره به كان علما لنبوته.

والأول أصح لأن الله عز وجل استأثر بعلمه.

وَلَئِنْ شِئْنَا لَنَذْهَبَنَّ بِالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ ثُمَّ لا تَجِدُ لَكَ بِهِ عَلَيْنَا وَكِيلا ( 86 )

قوله تعالى: ( وَلَئِنْ شِئْنَا لَنَذْهَبَنَّ بِالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ ) يعني القرآن. معناه: إنا كما منعنا علم الروح عنك وعن غيرك لو شئنا لنذهبن بالذي أوحينا إليك يعني القرآن ( ثُمَّ لا تَجِدُ لَكَ بِهِ عَلَيْنَا وَكِيلا ) أي: من يتوكل برد القرآن إليك.