وَنَادَيْنَاهُ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ الأَيْمَنِ وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيًّا ( 52 )

( وَنَادَيْنَاهُ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ الأيْمَنِ ) يعني: يمين موسى والطور: جبل بين مصر ومدين. ويقال: اسمه « الزبير » وذلك حين أقبل من مدين ورأى النار فنودي يَا مُوسَى إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ ( القصص:30 ) .

( وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيًّا ) أي « مناجيا, فالنجي المناجي, كما يقال: جليس ونديم. »

قال ابن عباس: معناه: قربه فكلمه, ومعنى التقريب: إسماعه كلامه.

وقيل: رفعه على الحجب حتى سمع صرير القلم .

وَوَهَبْنَا لَهُ مِنْ رَحْمَتِنَا أَخَاهُ هَارُونَ نَبِيًّا ( 53 ) وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولا نَبِيًّا ( 54 ) وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ وَكَانَ عِنْدَ رَبِّهِ مَرْضِيًّا ( 55 ) وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِدْرِيسَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَبِيًّا ( 56 )

( وَوَهَبْنَا لَهُ مِنْ رَحْمَتِنَا أَخَاهُ هَارُونَ نَبِيًّا ) وذلك حين دعا موسى فقال: وَاجْعَلْ لِي وَزِيرًا مِنْ أَهْلِي * هَارُونَ أَخِي ( طه:29- 30 ) فأجاب الله دعاءه وأرسل هارون, ولذلك سماه هبة له . قوله عز وجل: ( وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ ) وهو إسماعيل بن إبراهيم جد النبي صلى الله عليه وسلم ( إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ ) قال مجاهد: لم يعد شيئا إلا وفى به.

وقال مقاتل: وعد رجلا أن يقيم مكانه حتى يرجع إليه الرجل, فأقام إسماعيل مكانه ثلاثة أيام للميعاد حتى رجع إليه الرجل.

وقال الكلبي: انتظره حتى حال عليه الحول .

( وَكَانَ رَسُولا ) إلى جرهم ( نَبِيًّا ) مخبرا عن الله عز وجل. ( وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ ) أي: قومه وقيل: أهله وجميع أمته ( بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ ) قال ابن عباس: يريد التي افترضها الله تعالى عليهم, وهي الحنيفية التي افترضت علينا, ( وَكَانَ عِنْدَ رَبِّهِ مَرْضِيًّا ) قائما بطاعته. قيل: رضيه الله عز وجل لنبوته ورسالته. قوله عز وجل ( وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِدْرِيسَ ) وهو جد أبي نوح واسمه « أخنوخ » سمي إدريس لكثرة درسه الكتب. وكان خياطا وهو أول من خط بالقلم, وأول من خاط الثياب, ولبس المخيط, وكانوا من قبله يلبسون الجلود, وأول من اتخذ السلاح, وقاتل الكفار وأول من نظر في علم النجوم والحساب, ( إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَبِيًّا )

وَرَفَعْنَاهُ مَكَانًا عَلِيًّا ( 57 )

( وَرَفَعْنَاهُ مَكَانًا عَلِيًّا ) قيل: يعني الجنة. وقيل: هي الرفعة بعلو الرتبة في الدنيا.

وقيل: هو أنه رفع إلى السماء الرابعة .

روى أنس بن مالك عن مالك بن صعصعة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه رأى إدريس في السماء الرابعة ليلة المعراج .

وكان سبب رفع إدريس [ إلى السماء ] على ما قاله كعب وغيره: أنه سار ذات يوم في حاجة فأصابه وهج الشمس فقال: يا رب أنا مشيت يوما فكيف بمن يحملها مسيرة خمسمائة عام في يوم واحد! اللهم خفف عنه من ثقلها وحرها فلما أصبح الملك وجد من خفة الشمس وحرها ما لم يعرف فقال يا رب ما الذي قضيت فيه؟ فقال: إن عبدي إدريس سألني أن أخفف عنك حملها وحرها فأجبته, فقال: رب اجعل بيني وبينه خلة, فأذن له حتى أتى إدريس فكان يسأله إدريس فقال له: إني أخبرت أنك أكرم الملائكة وأمكنهم عند ملك الموت, فاشفع لي إليه ليؤخر أجلي فأزداد شكرا وعبادة, فقال الملك: لا يؤخر الله نفسا إذا جاء أجلها, وأنا مكلمه فرفعه إلى السماء ووضعه عند مطلع الشمس, ثم أتى ملك الموت فقال لي حاجة إليك؛ صديق لي من بني آدم تشفع بي إليك لتؤخر أجله, قال: ليس ذلك إلي ولكن إن أحببت أعلمته أجله فيقدم لنفسه قال: نعم فنظر في ديوانه فقال: إنك كلمتني في إنسان ما أراه يموت أبدا, قال: وكيف؟ قال: لا أجده يموت إلا عند مطلع الشمس قال فإني أتيتك وتركته هناك قال: فانطلق فلا أراك تجده إلا وقد مات فوالله ما بقي من أجل إدريس شيء فرجع الملك فوجده ميتا .

واختلفوا في أنه حي في السماء أم ميت؟ فقال قوم: هو ميت وقال قوم: هو حي وقالوا: أربعة من الأنبياء في الأحياء اثنان في الأرض: الخضر وإلياس واثنان في السماء: إدريس وعيسى.

وقال وهب: كان يرفع لإدريس كل يوم من العبادة مثل ما يرفع لجميع أهل الأرض في زمانه فعجب منه الملائكة واشتاق إليه ملك الموت, فاستأذن ربه عز وجل في زيارته, فأذن له فأتاه في صورة بني آدم وكان إدريس يصوم الدهر فلما كان وقت إفطاره دعاه إلى طعامه فأبى أن يأكل معه, ففعل ذلك ثلاث ليال فأنكره إدريس, فقال له الليلة الثالثة: إني إريد أن أعلم من أنت؟ فقال: أنا ملك الموت استأذنت ربي أن أصحبك, قال: فلي إليك حاجة, قال: وما هي؟ قال: تقبض روحي, فأوحى الله إليه أن اقبض روحه فقبض روحه وردها الله إليه بعد ساعة, قال له ملك الموت: ما في سؤالك من قبض الروح؟ قال لأذوق كرب الموت وغمه لأكون أشد استعدادا له, ثم قال إدريس له: إن لي إليك حاجة أخرى, قال: وما هي؟ قال: ترفعني إلى السماء لأنظر إليها وإلى الجنة والنار, فأذن الله في رفعه, فلما قرب من النار قال لي حاجة أخرى, قال: وما تريد؟ قال: تسأل مالكا حتى يفتح لي أبوابها فأردها ففعل, ثم قال: فما أريتني النار فأرني الجنة. فذهب به إلى الجنة فاستفتح فأوحى الله إليه أن اقبض روحه, فقبض روحه وردها الله إليه بعد ساعة, قال له ملك الموت: ما في ففتحت أبوابها فأدخله الجنة, ثم قال ملك الموت: اخرج لتعود إلى مقرك, فتعلق بشجرة وقال: لا أخرج منها, فبعث الله ملكا حكيما بينهما فقال له الملك: ما لك لا تخرج؟ قال: لأن الله تعالى قال: كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ( آل عمران:185 ) وقد ذقته, وقال: وَإِنْ مِنْكُمْ إِلا وَارِدُهَا ( مريم:71 ) , وقد وردتها, وقال: وَمَا هُمْ مِنْهَا بِمُخْرَجِينَ ( الحجر:48 ) فلست أخرج, فأوحى الله إلى ملك الموت بإذني دخل الجنة وبأمري لا يخرج فهو حي هناك, ذلك قوله تعالى: ( وَرَفَعْنَاهُ مَكَانًا عَلِيًّا ) .

أُولَئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ مِنْ ذُرِّيَّةِ آدَمَ وَمِمَّنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ وَمِنْ ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْرَائِيلَ وَمِمَّنْ هَدَيْنَا وَاجْتَبَيْنَا إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَنِ خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا ( 58 )

( أُولَئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ مِنْ ذُرِّيَّةِ آدَمَ ) أي: إدريس ونوحا ( وَمِمَّنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ ) أي: ومن ذرية من حملنا مع نوح في السفينة, يريد إبراهيم؛ لأنه ولد من سام بن نوح ( وَمِنْ ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ ) يريد إسماعيل وإسحاق ويعقوب.

قوله: ( وَإِسْرَائِيلَ ) أي: ومن ذرية إسرائيل وهم موسى وهارون وزكريا ويحيى وعيسى.

قوله: ( وَمِمَّنْ هَدَيْنَا وَاجْتَبَيْنَا ) هؤلاء كانوا ممن أرشدنا واصطفينا ( إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَنِ خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا ) « سجدا » : جمع ساجد « وبكيا » : جمع باك أخبر الله أن الأنبياء كانوا إذا سمعوا بآيات الله سجدوا وبكوا.

فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا ( 59 )

قوله عز وجل: ( فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ ) أي: من بعد النبيين المذكورين خلف وهم قوم سوء, « والخلف » - بالفتح- الصالح, وبالجزم الطالح .

قال السدي: أراد بهم اليهود ومن لحق بهم.

وقال مجاهد وقتادة: هم في هذه الأمة .

( أَضَاعُوا الصَّلاةَ ) تركوا الصلاة المفروضة .

وقال ابن مسعود وإبراهيم: أخروها عن وقتها.

وقال سعيد بن المسيب: هو أن لا يصلي الظهر حتى يأتي العصر, ولا العصر حتى تغرب الشمس .

( وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ ) أي المعاصي وشرب الخمر, يعني آثروا شهوات أنفسهم على طاعة الله. وقال مجاهد: هؤلاء قوم يظهرون في آخر الزمان ينـزو بعضهم على بعض في الأسواق والأزقة.

( فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا ) قال وهب: « الغي » نهر في جهنم بعيد قعره خبيث طعمه.

وقال ابن عباس: « الغي » واد في جهنم وإن أودية جهنم لتستعيذ من حره أعد للزاني المصر عليه ولشارب الخمر المدمن عليها ولآكل الربا الذي لا ينـزع عنه ولأهل العقوق ولشاهد الزور .

وقال عطاء: « الغي » : واد في جهنم يسيل قيحا ودما.

وقال كعب: هو واد في جهنم أبعدها قعرا, وأشدها حرا في بئر تسمى « الهيم » كلما خبت جهنم فتح الله تلك البئر فيسعر بها جهنم .

أخبرنا محمد بن عبد الله بن أبي توبة أخبرنا محمد بن أحمد الحارثي أخبرنا محمد بن يعقوب الكسائي أخبرنا عبد الله بن محمود أخبرنا إبراهيم بن عبد الله الخلال وأخبرنا عبد الله بن المبارك عن هشيم بن بشير أخبرنا زكريا بن أبي مريم الخزاعي قال: سمعت أبا أمامة الباهلي يقول: « إن ما بين شفير جهنم إلى قعرها مسيرة سبعين خريفا من حجر يهوي أو قال صخرة تهوي عظمها كعشر عشروات عظام سمان فقال له مولى لعبد الرحمن بن خالد بن الوليد: هل تحت ذلك شيء يا أبا أمامة؟ قال: نعم غي وآثام » .

وقال الضحاك: غيا وخسرانا. وقيل: هلاكا. وقيل: عذابا .

وقوله: ( فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا ) ليس معناه يرون فقط, بل معناه الاجتماع والملابسة مع الرؤية.

إِلا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلا يُظْلَمُونَ شَيْئًا ( 60 ) جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدَ الرَّحْمَنُ عِبَادَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّهُ كَانَ وَعْدُهُ مَأْتِيًّا ( 61 ) لا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا إِلا سَلامًا وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيهَا بُكْرَةً وَعَشِيًّا ( 62 )

( إِلا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلا يُظْلَمُونَ شَيْئًا ) . ( جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدَ الرَّحْمَنُ عِبَادَهُ بِالْغَيْبِ ) ولم يروها ( إِنَّهُ كَانَ وَعْدُهُ مَأْتِيًّا ) يعني: آتيا مفعول بمعنى فاعل.

وقيل: لم يقل آتيا لأن كل من أتاك فقد أتيته والعرب لا تفرق بين قول القائل: أتت علي خمسون سنة وبين قوله: أتيت على خمسين سنة ويقول: وصل إلي الخير ووصلت إلى الخير.

وقال ابن جرير: « وعده » أي: موعده وهو الجنة « مأتيا » يأتيه أولياؤه [ أهل الجنة ] وأهل طاعته . ( لا يَسْمَعُونَ فِيهَا ) في الجنة ( لَغْوًا ) باطلا وفحشا وفضولا من الكلام.

وقال مقاتل: هو اليمين الكاذبة.

( إِلا سَلامًا ) استثناء من غير جنسه يعني: بل يسمعون فيها سلاما أي: قولا يسلمون منه « والسلام » اسم جامع للخير لأنه يتضمن السلامة.

معناه: إن أهل الجنة لا يسمعون ما يؤثمهم إنما يسمعون ما يسلمهم.

وقيل: هو تسليم بعضهم على بعض وتسليم الملائكة عليهم.

وقيل: هو تسليم الله عليهم.

( وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيهَا بُكْرَةً وَعَشِيًّا ) قال أهل التفسير: ليس في الجنة ليل يعرف به البكرة والعشي بل هم في نور أبدا ولكنهم يأتون بأرزاقهم على مقدار طرفي النهار.

وقيل: إنهم يعرفون وقت النهار برفع الحجب ووقت الليل بإرخاء الحجب.

وقيل: المراد منه رفاهية العيش وسعة الرزق من غير تضييق.

وكان الحسن البصري يقول: كانت العرب لا تعرف من العيش أفضل من الرزق بالبكرة والعشي فوصف الله عز وجل جنته بذلك .

تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبَادِنَا مَنْ كَانَ تَقِيًّا ( 63 ) وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلا بِأَمْرِ رَبِّكَ لَهُ مَا بَيْنَ أَيْدِينَا وَمَا خَلْفَنَا وَمَا بَيْنَ ذَلِكَ وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا ( 64 )

( تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبَادِنَا ) أي: نعطي وننـزل. وقيل: يورث عباده المؤمنين المساكن التي كانت لأهل النار لو آمنوا ( مَنْ كَانَ تَقِيًّا ) أي: المتقين من عباده. قوله عز وجل: ( وَمَا نَتَنـزلُ إِلا بِأَمْرِ رَبِّكَ ) أخبرنا عبد الواحد المليحي أخبرنا أحمد بن عبد الله النعيمي أخبرنا محمد بن يوسف أخبرنا محمد بن إسماعيل أخبرنا خلاد بن يحيى أخبرنا عمر بن ذر قال: سمعت أبي يحدث عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: « يا جبريل ما يمنعك أن تزورنا » فنـزلت: ( وَمَا نَتَنـزلُ إِلا بِأَمْرِ رَبِّكَ لَهُ مَا بَيْنَ أَيْدِينَا وَمَا خَلْفَنَا ) الآية. قال: كان هذا الجواب لمحمد صلى الله عليه وسلم .

وقال عكرمة والضحاك وقتادة ومقاتل والكلبي: احتبس جبريل عن النبي صلى الله عليه وسلم حين سأله قومه عن أصحاب الكهف وذي القرنين والروح فقال: أخبركم غدا ولم يقل: إن شاء الله حتى شق ذلك على النبي صلى الله عليه وسلم ثم نـزل بعد أيام فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: « أبطأت علي حتى ساء ظني واشتقت إليك » فقال له جبريل: إني كنت أشوق ولكني عبد مأمور إذا بعثت نـزلت وإذا حبست احتبست فأنـزل الله: ( وَمَا نَتَنـزلُ إِلا بِأَمْرِ رَبِّكَ ) وانـزل: وَالضُّحَى * وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى * مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى .

( لَهُ مَا بَيْنَ أَيْدِينَا وَمَا خَلْفَنَا وَمَا بَيْنَ ذَلِكَ ) أي: له علم ما بين أيدينا. واختلفوا فيه: فقال سعيد بن جبير وقتادة ومقاتل: ( مَا بَيْنَ أَيْدِينَا ) من أمر الآخرة والثواب والعقاب ( وَمَا خَلْفَنَا ) ما مضى من الدنيا ( وَمَا بَيْنَ ذَلِكَ ) ما يكون من هذا الوقت إلى قيام الساعة .

وقيل ( مَا بَيْنَ أَيْدِينَا ) ما بقي من الدنيا ( وَمَا خَلْفَنَا ) ما مضى منها ( وَمَا بَيْنَ ذَلِكَ ) أي: ما بين النفختين وبينهما أربعون سنة.

وقيل: ( مَا بَيْنَ أَيْدِينَا ) ما بقي من الدنيا ( وَمَا خَلْفَنَا ) ما مضى منها ( وَمَا بَيْنَ ذَلِكَ ) مدة حياتنا.

وقيل: ( مَا بَيْنَ أَيْدِينَا ) بعد أن نموت ( وَمَا خَلْفَنَا ) قبل أن نخلق ( وَمَا بَيْنَ ذَلِكَ ) مدة الحياة .

وقيل: ( مَا بَيْنَ أَيْدِينَا ) الأرض إذا أردنا النـزول إليها ( وَمَا خَلْفَنَا ) السماء إذا نـزلنا منها ( وَمَا بَيْنَ ذَلِكَ ) الهواء يريد: أن ذلك كله لله عز وجل فلا نقدر على شيء إلا بأمره. ( وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا ) أي: ناسيا يقول: ما نسيك ربك أي: ما تركك والناسي التارك.