إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا ( 96 )

قوله عز وجل: ( إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا ) أي: محبة. قال مجاهد: يحبهم الله ويحببهم إلى عباده المؤمنين.

أخبرنا أبو الحسن عبد الرحمن بن محمد الداوودي أخبرنا أبو الحسن أحمد بن محمد بن موسى بن الصلت أخبرنا أبو إسحاق إبراهيم بن عبد الصمد الهاشمي أخبرنا أبو مصعب عن مالك عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: « إذا أحب الله العبد قال لجبرائيل: قد أحببت فلانا فأحبه فيحبه جبرائيل ثم ينادي في أهل السماء: إن الله عز وجل قد أحب فلانا فأحبوه فيحبه أهل السماء ثم يوضع له القبول في الأرض وإذا أبغض العبد » .

قال مالك: لا أحسبه إلا قال في البغض مثل ذلك .

قال هرم بن حيان: ما أقبل عبد بقلبه إلى الله عز وجل إلا أقبل الله بقلوب أهل الإيمان إليه حتى يرزقه مودتهم .

فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ لِتُبَشِّرَ بِهِ الْمُتَّقِينَ وَتُنْذِرَ بِهِ قَوْمًا لُدًّا ( 97 ) وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هَلْ تُحِسُّ مِنْهُمْ مِنْ أَحَدٍ أَوْ تَسْمَعُ لَهُمْ رِكْزًا ( 98 )

قوله عز وجل: ( فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ ) أي سهلنا القرآن بلسانك يا محمد ( لِتُبَشِّرَ بِهِ الْمُتَّقِينَ ) يعني المؤمنين ( وَتُنْذِرَ بِهِ قَوْمًا لُدًّا ) شدادا في الخصومة جمع « الألد » .

وقال الحسن: صما عن الحق .

قال مجاهد: « الألد » : الظالم الذي لا يستقيم .

قال أبو عبيدة: « الألد » الذي لا يقبل الحق ويدعي الباطل. ( وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هَلْ تُحِسُّ ) هل ترى وقيل هل تجد ( مِنْهُمْ مِنْ أَحَدٍ أَوْ تَسْمَعُ لَهُمْ رِكْزًا ) أي صوتا « والركز » : الصوت الخفي قال الحسن: بادوا جميعا فلم يبق منهم عين ولا أثر .

 

سورة طه

 

مكية

بسم الله الرحمن الرحيم

طه ( 1 ) مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى ( 2 )

أخبرنا عبد الواحد المليحي أخبرنا أبو منصور السمعاني, أخبرنا أبو جعفر الرياني, أخبرنا حميد بن زنجويه, أخبرنا ابن أبي أويس, حدثني أبي عن أبي بكر الهذلي, عن عكرمة, عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: « أعطيت السورة التي ذكرت فيها البقرة من الذكر الأول, وأعطيت طه والطواسين من ألواح موسى, وأعطيت فواتح القرآن وخواتيم السورة التي ذكرت فيها البقرة من تحت العرش, وأعطيت المفصل نافلة » .

( طه ) قرأ أبو عمرو بفتح الطاء وكسر الهاء, وبكسرهما حمزة والكسائي وأبو بكر, والباقون بفتحهما.

قيل: هو قسم . وقيل: اسم من أسماء الله تعالى .

وقال مجاهد, والحسن, وعطاء, والضحاك: معناه يا رجل.

وقال قتادة: هو يا رجل بالسريانية.

وقال الكلبي: هو يا إنسان بلغة عك .

وقال مقاتل بن حيان: معناه طأ الأرض بقدميك, يريد: في التهجد .

وقال محمد بن كعب القرظي: أقسم الله عز وجل بطوله وهدايته .

قال سعيد بن جبير: الطاء افتتاح اسمه الطاهر, والهاء افتتاح اسمه هاد .

وقال الكلبي: لما نـزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم الوحي بمكة اجتهد في العبادة حتى كان يراوح بين قدميه في الصلاة لطول قيامه, وكان يصلي الليل كله, فأنـزل الله هذه الآية وأمره أن يخفف على نفسه فقال: ( مَا أَنـزلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى ) وقيل: لما رأى المشركون اجتهاده في العبادة قالوا ما أنـزل عليك القرآن يا محمد إلا لشقائك, فنـزلت ( مَا أَنـزلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى ) أي لتتعنى وتتعب, وأصل الشقاء في اللغة العناء.

إِلا تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشَى ( 3 ) تَنْزِيلا مِمَّنْ خَلَقَ الأَرْضَ وَالسَّمَاوَاتِ الْعُلا ( 4 ) الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى ( 5 ) لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَمَا تَحْتَ الثَّرَى ( 6 )

( إِلا تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشَى ) [ أي لكن أنـزلناه عظة لمن يخشى. وقيل: تقديره ما أنـزلنا عليك القرآن لتشقى ما أنـزلناه إلا تذكرة لمن يخشى ] . ( تَنـزيلا ) بدل من قوله « تذكرة » ( مِمَّنْ خَلَقَ الأرْضَ ) أي: من الله الذي خلق الأرض, ( وَالسَّمَاوَاتِ الْعُلا ) يعني: العالية الرفيعة, وهي جمع العليا كقوله: كبرى وكبر, وصغرى وصغر. ( الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى ) . ( لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا ) يعني الهواء, ( وَمَا تَحْتَ الثَّرَى ) والثرى هو: التراب الندي. قال الضحاك: يعني ما وراء الثرى من شيء.

وقال ابن عباس: إن الأرضين على ظهر النون, والنون على بحر, ورأسه وذنبه يلتقيان تحت العرش, والبحر على صخرة خضراء, خضرة السماء منها, وهي الصخرة التي ذكر الله في قصة لقمان فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ والصخرة على قرن ثور, والثور على الثرى, وما تحت الثرى لا يعلمه إلا الله عز وجل, وذلك الثور فاتح فاه فإذا جعل الله عز وجل البحار بحرا واحدا سالت في جوف ذلك الثور, فإذا وقعت في جوفه يبست .

وَإِنْ تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى ( 7 ) اللَّهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ لَهُ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى ( 8 ) وَهَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى ( 9 )

( وَإِنْ تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ ) [ أي: تعلن به ] ( فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى ) قال الحسن: « السر » : ما أسر الرجل إلى غيره, « وأخفى » من ذلك: ما أسر من نفسه.

وعن ابن عباس, وسعيد بن جبير: « السر » ما تسر في نفسك « وأخفى » من السر: ما يلقيه الله عز وجل في قلبك من بعد, ولا تعلم أنك ستحدث به نفسك, لأنك تعلم ما تسر به اليوم ولا تعلم ما تسر به غدا, والله يعلم ما أسررت اليوم وما تسر به غدا.

وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: « السر » : ما أسر ابن آدم في نفسه , « وأخفى » ما خفي عليه مما هو فاعله قبل أن يعلمه.

وقال مجاهد: « السر » العمل الذي تسرون من الناس, « وأخفى » : الوسوسة.

وقيل: « السر » : هو العزيمة [ « وأخفى » : ما يخطر على القلب ولم يعزم عليه.

وقال زيد بن أسلم: « يعلم السر ] وأخفى » : أي يعلم أسرار العباد, وأخفى سره من عباده, فلا يعلمه أحد . ثم وحد نفسه, فقال:. ( اللَّهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ لَهُ الأسْمَاءُ الْحُسْنَى ) قوله عز وجل: ( وَهَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى ) أي: قد أتاك, استفهام بمعنى التقرير.

إِذْ رَأَى نَارًا فَقَالَ لأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَارًا لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْهَا بِقَبَسٍ أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدًى ( 10 ) فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ يَا مُوسَى ( 11 )

( إِذْ رَأَى نَارًا ) وذلك أن موسى استأذن شعيبا في الرجوع من مدين إلى مصر لزيارة والدته وأخته, فأذن له فخرج بأهله وماله, وكانت أيام الشتاء, وأخذ على غير الطريق مخافة ملوك الشام, وامرأته في سقمها, لا تدري أليلا أم نهارا. فسار في البرية غير عارف بطرقها, فألجأه المسير إلى جانب الطور الغربي الأيمن في ليلة مظلمة مثلجة شديدة البرد, وأخذ امرأته الطلق, فقدح زنده فلم يوره.

وقيل: إن موسى كان رجلا غيورا فكان يصحب الرفقة بالليل ويفارقهم بالنهار, لئلا ترى امرأته, فأخطأ مرة الطريق في ليلة مظلمة شاتية, لما أراد الله عز وجل من كرامته, فجعل يقدح الزند فلا يوري, فأبصر نارا من بعيد عن يسار الطريق من جانب الطور, ( فَقَالَ لأهْلِهِ امْكُثُوا ) أقيموا, قرأ حمزة بضم الهاء هاهنا وفي القصص, ( إِنِّي آنَسْتُ ) أي: أبصرت, ( نَارًا لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْهَا بِقَبَسٍ ) شعلة من نار, والقبس قطعة من النار تأخذها في طرف عمود من معظم النار, ( أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدًى ) أي: أجد عند النار من يدلني على الطريق. ( فَلَمَّا أَتَاهَا ) رأى شجرة خضراء من أسفلها [ إلى أعلاها, أطافت بها نار بيضاء تتقد كأضوإ ما يكون, فلا ضوء النار يغير ] خضرة الشجرة, ولا خضرة الشجرة تغير ضوء النار.

قال ابن مسعود: كانت الشجرة سمرة خضراء.

وقال قتادة, ومقاتل, والكلبي: كانت من العوسج.

وقال وهب: كانت من العليق.

وقيل: كانت شجرة العناب, روي ذلك عن ابن عباس رضي الله عنهما .

قال أهل التفسير: لم يكن الذي رآه موسى نارا بل كان نورا, ذكر بلفظ النار لأن موسى حسبه نارا.

وقال أكثر المفسرين: إنه نور الرب عز وجل, وهو قول ابن عباس, وعكرمة, وغيرهما.

وقال سعيد بن جبير: هي النار بعينها, وهي إحدى حجب الله تعالى, يدل عليه: ما روينا عن أبي موسى الأشعري عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: « حجابه النار لو كشفها لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه » .

وفي القصة أن موسى أخذ شيئا من الحشيش اليابس وقصد الشجرة وكان كلما دنا نأت منه النار, وإذا نأى دنت, فوقف متحيرا, وسمع تسبيح الملائكة, وألقيت عليه السكينة .

إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِي الْمُقَدَّسِ طُوًى ( 12 )

( نُودِيَ يَا مُوسَى إِنِّي أَنَا رَبُّكَ ) قرأ أبو جعفر, وابن كثير, وأبو عمرو, « أني » بفتح الألف, على معنى: نودي بأني. وقرأ الآخرون بكسر الألف, أي: نودي, فقيل: إني أنا ربك.

قال وهب نودي من الشجرة, فقيل: يا موسى, فأجاب سريعا لا يدري من دعاه, فقال: إني أسمع صوتك ولا أرى مكانك فأين أنت؟ قال: أنا فوقك ومعك, وأمامك وخلفك, وأقرب إليك من نفسك, فعلم أن ذلك لا ينبغي إلا لله, فأيقن به .

قوله عز وجل: ( فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ ) وكان السبب فيه ما روى عن ابن مسعود مرفوعا في قوله: ( فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ ) قال: كانتا من جلد حمار ميت. ويروى غير مدبوغ .

وقال عكرمة ومجاهد: أمر بخلع النعلين ليباشر بقدمه تراب الأرض المقدسة, فيناله بركتها لأنها قدست مرتين, فخلعهما موسى وألقاهما من وراء الوادي .

( إِنَّكَ بِالْوَادِي الْمُقَدَّسِ ) أي المطهر, ( طُوًى ) وطوى اسم الوادي, وقرأ أهل الكوفة والشام: « طوى » بالتنوين هاهنا وفي سورة النازعات, وقرأ الآخرون بلا تنوين لأنه معدول عن « طاو » فلما كان معدولا عن وجهه كان مصروفا عن إعرابه, مثل عمر, وزفر, وقال الضحاك: « طوى » : واد مستدير عميق مثل الطوى في استدارته.