قَالُوا يَا مُوسَى إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَلْقَى ( 65 ) قَالَ بَلْ أَلْقُوا فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى ( 66 ) فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسَى ( 67 )

( قَالَوا ) يعني السحرة, ( يَا مُوسَى إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ ) عصاك, ( وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَلْقَى ) عصاه. ( قَالَ ) موسى: ( بَلْ أَلْقُوا ) أنتم أولا ( فَإِذَا حِبَالُهُمْ ) وفيه إضمار, أي فألقوا فإذا حبالهم ( وَعِصِيُّهُمْ ) جمع العصا, ( يُخَيَّلُ إِلَيْهِ ) قرأ ابن عامر ويعقوب « تخيل » بالتاء ردا إلى الحبال والعصي, وقرأ الآخرون بالياء ردوه إلى الكيد والسحر, ( مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى )

وفي القصة أنهم لما ألقوا الحبال والعصي أخذوا أعين الناس, فرأى موسى والقوم كأن الأرض امتلأت حيات, وكانت قد أخذت ميلا من كل جانب ورأوا أنها تسعى . ( فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسَى ) أي وجد, وقيل: أضمر في نفسه خوفا, واختلفوا في خوفه: قيل: خوف طبع البشرية, وذلك أنه ظن أنها تقصده.

وقال مقاتل: خاف على القوم أن يلتبس عليهم الأمر فيشكوا في أمره فلا يتبعوه.

قُلْنَا لا تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الأَعْلَى ( 68 ) وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ مَا صَنَعُوا إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى ( 69 ) فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سُجَّدًا قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ هَارُونَ وَمُوسَى ( 70 ) قَالَ آمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ فَلأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلافٍ وَلأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنَا أَشَدُّ عَذَابًا وَأَبْقَى ( 71 ) قَالُوا لَنْ نُؤْثِرَكَ عَلَى مَا جَاءَنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالَّذِي فَطَرَنَا فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا ( 72 )

( قُلْنَا ) لموسى: ( لا تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الأعْلَى ) أي: الغالب, يعني: لك الغلبة والظفر. ( وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ ) يعني العصا, ( تَلْقَفْ ) تلتقم وتبتلع, ( مَا صَنَعُوا ) قرأ ابن عامر « تلقف » برفع الفاء هاهنا, وقرأ الآخرون بالجزم على جواب الأمر, ( إِنَّمَا صَنَعُوا ) إن الذي صنعوا, ( كَيْدُ سَاحِرٍ ) أي حيلة سحر, هكذا قرأ حمزة والكسائي: بكسر السين بلا ألف ، وقرأ الآخرون: « ساحر » لأن إضافة الكيد إلى الفاعل أولى من إضافته إلى الفعل, وإن كان ذلك لا يمتنع في العربية, ( وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى ) من الأرض, قال ابن عباس: لا يسعد حيث كان. وقيل: معناه حيث احتال. ( فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سُجَّدًا قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ هَارُونَ وَمُوسَى قَالَ آمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ ) لرئيسكم ومعلمكم, ( الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ فَلأقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلافٍ وَلأصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ ) أي: على جذوع النخل ( وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنَا أَشَدُّ عَذَابًا ) ؛ أنا على إيمانكم به, أو رب موسى على ترك الإيمان به؟ ( وَأَبْقَى ) أي: أدوم. ( قَالُوا ) يعني السحرة: ( لَنْ نُؤْثِرَكَ ) لن نختارك, ( عَلَى مَا جَاءَنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ ) يعني الدلالات, قال مقاتل: يعني اليد البيضاء والعصا.

وقيل: كان استدلالهم أنهم قالوا لو كان هذا سحرا فأين حبالنا وعصينا.

وقيل: ( مِنَ الْبَيِّنَاتِ ) يعني من التبيين والعلم.

حكي عن القاسم بن أبي بزة أنه قال: إنهم لما ألقوا سجدا ما رفعوا رءوسهم حتى رأوا الجنة والنار, ورأوا ثواب أهلها, ورأوا منازلهم في الجنة, فعند ذلك قالوا: لن نؤثرك على ما جاءنا من البينات, ( وَالَّذِي فَطَرَنَا ) أي: لن نؤثرك على الله الذي فطرنا, وقيل: هو قسم, ( فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ ) أي: فاصنع ما أنت صانع, ( إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا ) أي: أمرك وسلطانك في الدنيا وسيزول عن قريب.

إِنَّا آمَنَّا بِرَبِّنَا لِيَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا وَمَا أَكْرَهْتَنَا عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ وَاللَّهُ خَيْرٌ وَأَبْقَى ( 73 )

( إِنَّا آمَنَّا بِرَبِّنَا لِيَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا وَمَا أَكْرَهْتَنَا عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ ) فإن قيل: كيف قالوا هذا, وقد جاءوا مختارين يحلفون بعزة فرعون أن لهم الغلبة؟.

قيل: روي عن الحسن أنه قال: كان فرعون يكره قوما على تعلم السحر لكيلا يذهب أصله, وقد كان أكرههم في الابتداء.

وقال مقاتل: كانت السحرة اثنين وسبعين, اثنان من القبط وسبعون من بني إسرائيل, كان فرعون أكره الذين هم من بني إسرائيل على تعلم السحر, فذلك قولهم: ( وَمَا أَكْرَهْتَنَا عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ )

وقال عبد العزيز بن أبان: قالت السحرة لفرعون: أرنا موسى إذا نام, فأراهم موسى نائما وعصاه تحرسه, فقالوا لفرعون إن هذا ليس بساحر, إن الساحر إذا نام بطل سحره, فأبى عليهم إلا أن يتعلموا, فذلك قوله تعالى: ( وَمَا أَكْرَهْتَنَا عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ )

( وَاللَّهُ خَيْرٌ وَأَبْقَى ) قال محمد بن إسحاق: خير منك ثوابا, وأبقى عقابا.

وقال محمد بن كعب: خير منك ثوابا إن أطيع, وأبقى منك عذابا إن عصى, وهذا جواب لقوله: وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنَا أَشَدُّ عَذَابًا وَأَبْقَى .

إِنَّهُ مَنْ يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِمًا فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ لا يَمُوتُ فِيهَا وَلا يَحْيَا ( 74 ) وَمَنْ يَأْتِهِ مُؤْمِنًا قَدْ عَمِلَ الصَّالِحَاتِ فَأُولَئِكَ لَهُمُ الدَّرَجَاتُ الْعُلا ( 75 ) جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاءُ مَنْ تَزَكَّى ( 76 )

( إِنَّهُ مَنْ يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِمًا ) قيل: هذا ابتداء كلام من الله تعالى . وقيل: من تمام قول السحرة ( مُجْرِمًا ) أي: مشركا, يعني: مات على الشرك, ( فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ لا يَمُوتُ فِيهَا ) فيستريح, ( وَلا يَحْيَا ) حياة ينتفع بها. ( وَمَنْ يَأْتِهِ ) قرأ أبو عمرو ساكنة الهاء ويختلسها أبو جعفر, وقالون ويعقوب, وقرأ الآخرون بالإشباع, ( مُؤْمِنًا ) مات على الإيمان , ( قَدْ عَمِلَ الصَّالِحَاتِ فَأُولَئِكَ لَهُمُ الدَّرَجَاتُ الْعُلا ) الرفيعة, و ( الْعُلا ) جمع, و « العليا » تأنيث الأعلى. ( جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاءُ مَنْ تَزَكَّى ) أي: تطهر من الذنوب. وقال الكلبي: أعطى زكاة نفسه وقال لا إله إلا الله.

أخبرنا أحمد بن عبد الله الصالحي, أخبرنا أبو القاسم عبد الرحمن بن عبيد السمسار, أخبرنا أبو أحمد حمزة بن محمد بن عباس الدهقان, أخبرنا أحمد بن عبد الجبار العطاردي, أخبرنا أبو معاوية, عن الأعمش, عن عطية, عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « إن أهل الدرجات العلى ليراهم من تحتهم كما ترون الكوكب الدري في أفق من آفاق السماء, وإن أبا بكر وعمر منهم وأنعما »