سورة الأنبياء

 

مكية

بسم الله الرحمن الرحيم

اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ ( 1 ) مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ إِلا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ ( 2 ) لاهِيَةً قُلُوبُهُمْ وَأَسَرُّوا النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُوا هَلْ هَذَا إِلا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ أَفَتَأْتُونَ السِّحْرَ وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ ( 3 )

( اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ ) قيل اللام بمعنى من, أي اقترب من الناس حسابهم, أي وقت محاسبة الله إياهم على أعمالهم, يعني يوم القيامة, نـزلت في منكري البعث, ( وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ ) عن التأهب له. ( مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ ) يعني ما يحدث الله من تنـزيل شيء من القرآن يذكرهم ويعظهم به.

قال مقاتل: يحدث الله الأمر [ بعد الأمر ] قيل: الذكر المحدث ما قاله النبي صلى الله عليه وسلم وبينه من السنن والمواعظ سوى ما القرآن, وأضافه إلى الرب عز وجل لأنه قال بأمر الرب, ( إِلا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ ) أي استمعوه لاعبين لا يعتبرون ولا يتعظون. ( لاهِيَةً ) ساهية غافلة, ( قُلُوبُهُمْ ) معرضة عن ذكر الله, وقوله ( لاهِيَةً ) نعت تقدم الاسم, ومن حق النعت أن يتبع الاسم في الإعراب, وإذا تقدم النعت الاسم فله حالتان: فصل ووصل, فحالته في الفصل النصب كقوله تعالى: خُشَّعًا أَبْصَارُهُمْ ( القمر: 7 ) , وَدَانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلالُهَا ( الإنسان: 14 ) , و ( لاهِيَةً قُلُوبُهُمْ ) وفي الوصل حالة ما قبله من الإعراب كقوله, أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا ( النساء : 75 ) ؛ ( وَأَسَرُّوا النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُوا ) أي أشركوا, قوله: ( وَأَسَرُّوا ) فعل تقدم الجمع وكان حقه وأسر, قال الكسائي: فيه تقديم وتأخير, أراد: والذين ظلموا أسروا النجوى.

وقيل: حمل « الذين » رفع على الابتداء, معناه: وأسروا النجوى, ثم قال: وهم الذين ظلموا.

وقيل: رفع على البدل من الضمير في أسروا. قال المبرد: هذا كقولك إن الذين في الدار انطلقوا بنو عبد الله, على البدل مما في انطلقوا ثم بين سرهم الذي تناجوا به فقال: ( هَلْ هَذَا إِلا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ ) أنكروا إرسال البشر وطلبوا إرسال الملائكة.

( أَفَتَأْتُونَ ) أي تحضرون السحر وتقبلونه, ( وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ ) تعلمون أنه سحر.

قَالَ رَبِّي يَعْلَمُ الْقَوْلَ فِي السَّمَاءِ وَالأَرْضِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ( 4 ) بَلْ قَالُوا أَضْغَاثُ أَحْلامٍ بَلِ افْتَرَاهُ بَلْ هُوَ شَاعِرٌ فَلْيَأْتِنَا بِآيَةٍ كَمَا أُرْسِلَ الأَوَّلُونَ ( 5 ) مَا آمَنَتْ قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا أَفَهُمْ يُؤْمِنُونَ ( 6 )

قل لهم يا محمد, ( رَبِّي يَعْلَمُ الْقَوْلَ فِي السَّمَاءِ وَالأرْضِ ) قرأ حمزة والكسائي وحفص: « قَالَ رَبِّي » , على الخبر عن محمد صلى الله عليه وسلم, ( يَعْلَمُ الْقَوْلَ فِي السَّمَاءِ وَالأرْضِ ) أي لا يخفي عليه شيء, ( وَهُوَ السَّمِيعُ ) لأقوالهم, ( الْعَلِيمُ ) بأفعالهم. ( بَلْ قَالُوا أَضْغَاثُ أَحْلامٍ ) أباطيلها [ وأقاويلها ] وأهاويلها رآها في النوم, ( بَلِ افْتَرَاهُ ) اختلقه, ( بَلْ هُوَ شَاعِرٌ ) يعني أن المشركين اقتسموا القول فيه وفيما يقوله, قال بعضهم: أضغاث أحلام, وقال بعضهم: بل هو فرية, وقال بعضهم : بل محمد شاعر وما جاءكم به شعر. ( فَلْيَأْتِنَا ) محمد ( بِآيَةٍ ) إن كان صادقا ( كَمَا أُرْسِلَ الأوَّلُونَ ) من الرسل بالآيات. قال الله تعالى مجيبا لهم : ( مَا آمَنَتْ قَبْلَهُمْ ) قبل مشركي مكة, ( مِنْ قَرْيَةٍ ) أي من أهل قرية أتتهم الآيات, ( أَهْلَكْنَاهَا ) أهلكناهم بالتكذيب, ( أَفَهُمْ يُؤْمِنُونَ ) ؟, إن جاءتهم آية, معناه: أن أولئك لم يؤمنوا بالآيات لما أتتهم أفيؤمن هؤلاء؟ .

وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ إِلا رِجَالا نُوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ ( 7 ) وَمَا جَعَلْنَاهُمْ جَسَدًا لا يَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَمَا كَانُوا خَالِدِينَ ( 8 ) ثُمَّ صَدَقْنَاهُمُ الْوَعْدَ فَأَنْجَيْنَاهُمْ وَمَنْ نَشَاءُ وَأَهْلَكْنَا الْمُسْرِفِينَ ( 9 ) لَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَابًا فِيهِ ذِكْرُكُمْ أَفَلا تَعْقِلُونَ ( 10 )

قوله عز وجل: ( وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ إِلا رِجَالا نُوحِي إِلَيْهِمْ ) هذا جواب لقولهم: هَلْ هَذَا إِلا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يعني: إنا لم نرسل الملائكة إلى الأولين إنما أرسلنا رجالا نوحي إليهم, ( فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ ) يعني: أهل التوراة والإنجيل, يريد علماء أهل الكتاب, فإنهم لا ينكرون أن الرسل كانوا بشرا, وإن أنكروا نبوة محمد صلى الله عليه وسلم, وأمر المشركين بمسألتهم لأنهم إلى تصديق من لم يؤمن بالنبي صلى الله عليه وسلم أقرب منهم إلى تصديق من آمن به. وقال ابن زيد: أراد بالذكر القرآن أراد: فاسألوا المؤمنين العالمين من أهل القرآن, ( إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ ) ( وَمَا جَعَلْنَاهُمْ ) أي الرسل, ( جَسَدًا ) ولم يقل أجسادا لأنه اسم الجنس, ( لا يَأْكُلُونَ الطَّعَامَ ) هذا رد لقولهم مَالِ هَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ ( الفرقان: 7 ) , يقول لم نجعل الرسل ملائكة بل جعلناهم بشرا يأكلون الطعام, ( وَمَا كَانُوا خَالِدِينَ ) في الدنيا. ( ثُمَّ صَدَقْنَاهُمُ الْوَعْدَ ) الذي وعدناهم بإهلاك أعدائهم, ( فَأَنْجَيْنَاهُمْ وَمَنْ نَشَاءُ ) أي أنجينا المؤمنين الذين صدقوهم, ( وَأَهْلَكْنَا الْمُسْرِفِينَ ) أي المشركين المكذبين, وكل مشرك مسرف على نفسه. ( لَقَدْ أَنـزلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَابًا ) يا معشر قريش, ( فِيهِ ذِكْرُكُمْ ) أي شرفكم, كما قال: وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ ( الزخرف: 44 ) , وهو شرف لمن آمن به.

قال مجاهد: فيه حديثكم. وقال الحسن: فيه ذكركم أي ذكر ما تحتاجون إليه من أمر دينكم, ( أَفَلا تَعْقِلُونَ )