وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ
قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا أَنَا
فَاعْبُدُونِ ( 25 )
وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ ( 26 ) لا
يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ ( 27 )
يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلا يَشْفَعُونَ إِلا لِمَنِ
ارْتَضَى وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ ( 28 )
وَمَنْ يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّي إِلَهٌ مِنْ دُونِهِ فَذَلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ
كَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ ( 29 )
( وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ
قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلا نُوحِي إِلَيْهِ ) قرأ
حمزة والكسائي وحفص عن عاصم نوحي إليه بالنون وكسر الحاء على التعظيم, لقوله ( وَمَا
أَرْسَلْنَا ) وقرأ الآخرون بالياء وفتح الحاء على الفعل المجهول, (
أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا أَنَا فَاعْبُدُونِ ) وحدون
. قوله عز وجل: ( وَقَالُوا اتَّخَذَ
الرَّحْمَنُ وَلَدًا ) نـزلت في خزاعة حيث قالوا:
الملائكة بنات الله, ( سُبْحَانَهُ ) نـزه
نفسه عما قالوا, ( بَلْ عِبَادٌ ) أي هم
عباد, يعني الملائكة, ( مُكْرَمُونَ ) ( لا
يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ ) لا يتقدمونه بالقول ولا
يتكلمون إلا بما يأمرهم به, ( وَهُمْ بِأَمْرِهِ
يَعْمَلُونَ ) معناه أنهم لا يخالفونه قولا ولا عملا. (
يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ ) أي ما
عملوا وما هم عاملون. وقيل: ما كان قبل خلقهم وما يكون بعد خلقهم ( وَلا
يَشْفَعُونَ إِلا لِمَنِ ارْتَضَى ) قال
ابن عباس: أي لمن قال لا إله إلا الله, وقال مجاهد: أي لمن رضي عنه (
وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ ) خائفون
لا يأمنون مكره. ( وَمَنْ يَقُلْ مِنْهُمْ
إِنِّي إِلَهٌ مِنْ دُونِهِ ) قال قتادة: عنى به إبليس حين
دعا إلى عبادة نفسه وأمر بطاعة نفسه, فإن أحدا من الملائكة لم يقل إني إله من دون
الله ( فَذَلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ كَذَلِكَ نَجْزِي
الظَّالِمِينَ ) الواضعين الإلهية والعبادة في
غير موضعها.
أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ
كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا
وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلا يُؤْمِنُونَ ( 30 )
وَجَعَلْنَا فِي الأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِهِمْ وَجَعَلْنَا فِيهَا
فِجَاجًا سُبُلا لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ ( 31 )
(
أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا ) قرأ
ابن كثير « لم ير » [
بغير واو ] وكذلك هو في مصاحفهم, معناه: ألم يعلم الذين كفروا, ( أَنَّ
السَّمَاوَاتِ وَالأرْضَ كَانَتَا رَتْقًا ) قال ابن
عباس رضي الله عنهما وعطاء وقتادة: كانتا شيئا واحدا ملتزقتين (
فَفَتَقْنَاهُمَا ) فصلنا بينهما بالهواء, والرتق
في اللغة: السد, والفتق: الشق.
قال كعب: خلق الله السموات
والأرض بعضها على بعض, ثم خلق ريحا فوسطها ففتحها بها.
قال مجاهد والسدي: كانت السموات
مرتقة طبقة واحدة ففتقها فجعلها سبع سماوات, وكذلك الأرض كانتا مرتقة طبقة واحدة
فجعلها سبع أرضين.
قال عكرمة وعطية: كانت السماء
رتقا لا تمطر والأرض رتقا لا تنبت, ففتق السماء بالمطر والأرض بالنبات. وإنما قال:
( رَتْقًا ) على التوحيد وهو من نعت
السموات والأرض لأنه مصدر وضع موضع الاسم, مثل الزور والصوم ونحوهما. (
وَجَعَلْنَا ) [ وخلقنا ] ( مِنَ
الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ ) أي: وأحيينا بالماء الذي
ينـزل من السماء كل شيء حي أي من الحيوان ويدخل فيه النبات والشجر, يعني أنه سبب
لحياة كل شيء والمفسرون يقولون: [
يعني ] أن كل شيء حي فهو مخلوق من الماء. كقوله تعالى: وَاللَّهُ
خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ مَاءٍ (
النور: 45 ) , قال أبو العالية: يعني النطفة, فإن قيل: قد خلق الله بعض
ما هو حي من غير الماء؟ قيل: هذا على وجه التكثير, يعني أن أكثر الأحياء في الأرض
مخلوقة من الماء أو بقاؤه بالماء, (
أَفَلا يُؤْمِنُونَ )
(
وَجَعَلْنَا فِي الأرْضِ رَوَاسِيَ ) جبالا
ثوابت, ( أَنْ تَمِيدَ بِهِمْ ) ؛ [
يعني كي لا تميد بهم ] (
وَجَعَلْنَا فِيهَا ) في الرواسي: (
فِجَاجًا ) طرقا ومسالك, والفج: الطريق الواسع بين الجبلين, أي جعلنا
بين الجبال طرقا حتى يهتدوا إلى مقاصدهم, (
سُبُلا ) تفسير للفجاج, (
لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ )
وَجَعَلْنَا السَّمَاءَ
سَقْفًا مَحْفُوظًا وَهُمْ عَنْ آيَاتِهَا مُعْرِضُونَ ( 32 )
وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ فِي
فَلَكٍ يَسْبَحُونَ ( 33 )
(
وَجَعَلْنَا السَّمَاءَ سَقْفًا مَحْفُوظًا ) من أن
تسقط, دليله قوله تعالى: وَيُمْسِكُ السَّمَاءَ أَنْ تَقَعَ عَلَى الأَرْضِ إِلا
بِإِذْنِهِ ( الحج: 65 ) ,
وقيل: محفوظا من الشياطين بالشهب, دليله قوله تعالى: وَحَفِظْنَاهَا مِنْ كُلِّ
شَيْطَانٍ رَجِيمٍ ( الحجر: 17 ) , (
وَهُمْ ) يعني الكفار, ( عَنْ
آيَاتِهَا ) ما خلق الله فيها من الشمس والقمر والنجوم وغيرها, (
مُعْرِضُونَ ) لا يتفكرون فيها ولا يعتبرون بها. (
وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ فِي
فَلَكٍ يَسْبَحُونَ ) يجرون ويسيرون بسرعة كالسابح
في الماء, وإنما قال: ( يَسْبَحُونَ ) ولم
يقل يسبح على ما يقال لما لا يعقل, لأنه ذكر عنها فعل العقلاء من الجري والسبح,
فذكر على ما يعقل.
والفلك: مدار النجوم الذي
يضمها, والفلك في كلام العرب: كل شيء مستدير, وجمعه أفلاك, ومنه فلك المغزل.
وقال الحسن: الفلك طاحونة كهيئة
فلكة المغزل: يريد أن الذي يجري فيه النجوم مستدير كاستدارة الطاحونة.
وقال بعضهم: الفلك السماء الذي
فيه ذلك الكوكب, فكل كوكب يجري في السماء الذي قدر فيه, وهو معنى قول قتادة.
وقال الكلبي الفلك استدارة السماء.
وقال آخرون: الفلك موج مكفوف
دون السماء يجري فيه الشمس والقمر والنجوم .
وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ
مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ ( 34 )
كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً
وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ ( 35 )
قوله عز وجل: ( وَمَا
جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ ) دوام
البقاء في الدنيا, ( أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ
الْخَالِدُونَ ) أي أفهم الخالدون إن مت؟
نـزلت هذه الآية حين قالوا نتربص بمحمد ريب المنون . ( كُلُّ
نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَنَبْلُوكُمْ )
نختبركم ( بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ ) بالشدة
والرخاء, والصحة والسقم, والغنى والفقر, وقيل: بما تحبون وما تكرهون, (
فِتْنَةً ) ابتلاء لننظر كيف شكركم فيما تحبون, وصبركم فيما تكرهون, (
وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ )