وَإِذَا رَآكَ الَّذِينَ
كَفَرُوا إِنْ يَتَّخِذُونَكَ إِلا هُزُوًا أَهَذَا الَّذِي يَذْكُرُ آلِهَتَكُمْ
وَهُمْ بِذِكْرِ الرَّحْمَنِ هُمْ كَافِرُونَ ( 36 )
خُلِقَ الإِنْسَانُ مِنْ عَجَلٍ سَأُرِيكُمْ آيَاتِي فَلا تَسْتَعْجِلُونِ ( 37 )
( وَإِذَا رَآكَ الَّذِينَ
كَفَرُوا إِنْ يَتَّخِذُونَكَ ) [ ما
يتخذونك ] ( إِلا هُزُوًا ) [
سخريا ] قال السدي: نـزلت في أبي جهل مر به النبي صلى الله عليه
وسلم فضحك, وقال: هذا نبي بني عبد مناف (
أَهَذَا الَّذِي ) أي يقول بعضهم لبعض أهذا
الذي, ( يَذْكُرُ آلِهَتَكُمْ ) أي
يعيبها, يقال: فلان يذكر فلانا أي يعيبه, وفلان يذكر الله أي يعظمه ويجله, ( وَهُمْ
بِذِكْرِ الرَّحْمَنِ هُمْ كَافِرُونَ ) وذلك
أنهم كانوا يقولون لا نعرف الرحمن إلا مسيلمة, (
وَهُمْ ) الثانية صلة. قوله عز وجل: (
خُلِقَ الإنْسَانُ مِنْ عَجَلٍ ) اختلفوا فيه, فقال قوم: معناه
أن بنيته وخلقته من العجلة وعليها طبع, كما قال: وَكَانَ الإِنْسَانُ عَجُولا (
الإسراء: 11 ) .
قال سعيد بن جبير والسدي: لما
دخلت الروح في رأس آدم وعينه نظر إلى ثمار الجنة فلما دخلت جوفه اشتهى الطعام,
فوثب قبل أن تبلغ الروح إلى رجليه عجلا إلى ثمار الجنة, فوقع فقيل: « خلق
الإنسان من عجل » , والمراد بالإنسان آدم وأورث أولاده
العجلة, والعرب تقول للذي يكثر منه الشيء: خلقت منه, كما تقول العرب: خلقت في لعب,
وخلقت من غضب, يراد المبالغة في وصفه بذلك, يدل على هذا قوله تعالى: وَكَانَ
الإِنْسَانُ عَجُولا .
وقال قوم: معناه خلق الإنسان
يعني آدم من تعجيل في خلق الله إياه, لأن خلقه كان بعد [ خلق
] كل شيء في آخر النهار يوم الجمعة, فأسرع في خلقه قبل مغيب
الشمس.
قال مجاهد: فلما أحيا الروح
رأسه قال يا رب استعجل بخلقي قبل غروب الشمس. وقيل: بسرعة وتعجيل على غير ترتيب
خلق سائر الآدميين من النطفة والعلقة والمضغة وغيرها .
وقال قوم: من عجل, أي: من طين,
قال الشاعر:
والنبـع فـي الصخـرة الصماء
منبتة والنخـل ينبـت بيـن المـاء والعجل
(
سَأُرِيكُمْ آيَاتِي فَلا تَسْتَعْجِلُونِ ) [
نـزل هذا في المشركين ] كانوا يستعجلون العذاب
ويقولون: أمطر علينا حجارة من السماء, وقيل: نـزلت في النضر بن الحارث فقال تعالى:
( سَأُرِيكُمْ آيَاتِي ) أي
مواعيدي فلا تستعجلون, أي فلا تطلبوا العذاب من قبل وقته, فأراهم يوم بدر, وقيل:
كانوا يستعجلون القيامة.
وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا
الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ( 38 ) لَوْ
يَعْلَمُ الَّذِينَ كَفَرُوا حِينَ لا يَكُفُّونَ عَنْ وُجُوهِهِمُ النَّارَ وَلا
عَنْ ظُهُورِهِمْ وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ ( 39 )
(
وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ) فقال
تعالى: ( لَوْ يَعْلَمُ الَّذِينَ كَفَرُوا حِينَ لا يَكُفُّونَ ) لا
يدفعون ( عَنْ وُجُوهِهِمُ النَّارَ وَلا عَنْ ظُهُورِهِمْ ) قيل:
ولا عن ظهورهم السياط, ( وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ ) يمنعون
من العذاب, وجواب لو في قوله: ( لَوْ يَعْلَمُ الَّذِينَ ) محذوف
معناه: ولو علموا لما أقاموا على كفرهم, ولما استعجلوا, ولا قالوا: متى هذا الوعد؟
.
بَلْ تَأْتِيهِمْ بَغْتَةً
فَتَبْهَتُهُمْ فَلا يَسْتَطِيعُونَ رَدَّهَا وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ ( 40 )
وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ فَحَاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُوا
مِنْهُمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ ( 41 ) قُلْ
مَنْ يَكْلَؤُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ مِنَ الرَّحْمَنِ بَلْ هُمْ عَنْ
ذِكْرِ رَبِّهِمْ مُعْرِضُونَ ( 42 ) أَمْ
لَهُمْ آلِهَةٌ تَمْنَعُهُمْ مِنْ دُونِنَا لا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَ أَنْفُسِهِمْ
وَلا هُمْ مِنَّا يُصْحَبُونَ ( 43 ) بَلْ
مَتَّعْنَا هَؤُلاءِ وَآبَاءَهُمْ حَتَّى طَالَ عَلَيْهِمُ الْعُمُرُ أَفَلا
يَرَوْنَ أَنَّا نَأْتِي الأَرْضَ نَنْقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا أَفَهُمُ
الْغَالِبُونَ ( 44 )
( بَلْ تَأْتِيهِمْ ) يعني
الساعة ( بَغْتَةً ) فجأة,
( فَتَبْهَتُهُمْ ) أي
تحيرهم, يقال: فلان مبهوت أي متحير, ( فَلا
يَسْتَطِيعُونَ رَدَّهَا وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ )
يمهلون. ( وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ فَحَاقَ ) نـزل,
( بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُمْ مَا كَانُوا بِهِ
يَسْتَهْزِئُونَ ) أي جزاء استهزائهم. ( قُلْ
مَنْ يَكْلَؤُكُمْ ) يحفظكم, (
بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ مِنَ الرَّحْمَنِ ) إن
أنـزل بكم عذابه, وقال ابن عباس: من يمنعكم من عذاب الرحمن, ( بَلْ
هُمْ عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِمْ ) عن القرآن ومواعظ الله, (
مُعْرِضُونَ ) ( أَمْ لَهُمْ ) أم:
صلة فيه, وفي أمثاله ( آلِهَةٌ تَمْنَعُهُمْ مِنْ
دُونِنَا ) فيه تقديم وتأخير, تقديره: أم لهم آلهة من دوننا تمنعهم, ثم
وصف الآلهة بالضعف, فقال تعالى: ( لا
يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَ أَنْفُسِهِمْ ) منع
أنفسهم, فكيف ينصرون عابديهم, ( وَلا هُمْ مِنَّا
يُصْحَبُونَ ) قال ابن عباس: يمنعون. وقال عطية: عنه يجارون, تقول العرب:
أنا لك جار وصاحب من فلان, أي مجير منه. وقال مجاهد: ينصرون. وقال قتادة: ولا
يصبحون من الله بخير. ( بَلْ مَتَّعْنَا هَؤُلاءِ )
الكفار, ( وَآبَاءَهُمْ ) في
الدنيا أي أمهلناهم. وقيل: أعطيناهم النعمة, (
حَتَّى طَالَ عَلَيْهِمُ الْعُمُرُ ) أي
امتد بهم الزمان فاغتروا.
( أَفَلا يَرَوْنَ أَنَّا
نَأْتِي الأرْضَ نَنْقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا ) يعني
ما ننقص من أطراف المشركين ونـزيد في أطراف المؤمنين, يريد ظهور النبي صلى الله
عليه وسلم وفتحه ديار الشرك أرضا فأرضا, (
أَفَهُمُ الْغَالِبُونَ ) أم نحن.