فَإِذَا اسْتَوَيْتَ أَنْتَ وَمَنْ مَعَكَ عَلَى الْفُلْكِ فَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي نَجَّانَا مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ( 28 ) وَقُلْ رَبِّ أَنْزِلْنِي مُنْزَلا مُبَارَكًا وَأَنْتَ خَيْرُ الْمُنْزِلِينَ ( 29 ) إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ وَإِنْ كُنَّا لَمُبْتَلِينَ ( 30 ) ثُمَّ أَنْشَأْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ قَرْنًا آخَرِينَ ( 31 ) فَأَرْسَلْنَا فِيهِمْ رَسُولا مِنْهُمْ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ أَفَلا تَتَّقُونَ ( 32 )

( فَإِذَا اسْتَوَيْتَ ) اعتدلت ( أَنْتَ وَمَنْ مَعَكَ عَلَى الْفُلْكِ فَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي نَجَّانَا مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ) أي: الكافرين. ( وَقُلْ رَبِّ أَنـزلْنِي مُنـزلا مُبَارَكًا ) قرأ أبو بكر عن عاصم « منـزلا » بفتح الميم وكسر الزاي, أي يريد موضع النـزول, قيل: هو السفينة بعد الركوب, وقيل: هو الأرض بعد النـزول, ويحتمل أنه أراد في السفينة, ويحتمل بعد الخروج, وقرأ الباقون « منـزلا » بضم الميم وفتح الزاي, أي إنـزالا فالبركة في السفينة النجاة, وفي النـزول بعد الخروج كثرة النسل من أولاده الثلاثة, ( وَأَنْتَ خَيْرُ الْمُنـزلِينَ ) ( إِنَّ فِي ذَلِكَ ) أي الذي ذكرت من أمر نوح والسفينة وإهلاك أعداء الله, ( لآيَاتٍ ) لدلالات على قدرته, ( وَإِنْ كُنَّا لَمُبْتَلِينَ ) وقد كنا. وقيل: وما كنا إلا مبتلين أي: مختبرين إياهم بإرسال نوح ووعظه وتذكيره لننظر ما هم عاملون قبل نـزول العذاب بهم. ( ثُمَّ أَنْشَأْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ ) من بعد إهلاكهم, ( قَرْنًا آخَرِينَ ) ( فَأَرْسَلْنَا فِيهِمْ رَسُولا مِنْهُمْ ) يعني: هودا وقومه. وقيل: صالحا وقومه. والأول أظهر, ( أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ أَفَلا تَتَّقُونَ )

وَقَالَ الْمَلأُ مِنْ قَوْمِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِلِقَاءِ الآخِرَةِ وَأَتْرَفْنَاهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا مَا هَذَا إِلا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يَأْكُلُ مِمَّا تَأْكُلُونَ مِنْهُ وَيَشْرَبُ مِمَّا تَشْرَبُونَ ( 33 ) وَلَئِنْ أَطَعْتُمْ بَشَرًا مِثْلَكُمْ إِنَّكُمْ إِذًا لَخَاسِرُونَ ( 34 ) أَيَعِدُكُمْ أَنَّكُمْ إِذَا مِتُّمْ وَكُنْتُمْ تُرَابًا وَعِظَامًا أَنَّكُمْ مُخْرَجُونَ ( 35 ) هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ لِمَا تُوعَدُونَ ( 36 ) إِنْ هِيَ إِلا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ ( 37 ) إِنْ هُوَ إِلا رَجُلٌ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا وَمَا نَحْنُ لَهُ بِمُؤْمِنِينَ ( 38 ) قَالَ رَبِّ انْصُرْنِي بِمَا كَذَّبُونِ ( 39 )

( وَقَالَ الْمَلأ مِنْ قَوْمِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِلِقَاءِ الآخِرَةِ ) أي المصير إلى الآخرة, ( وَأَتْرَفْنَاهُمْ ) نعمناهم ووسعنا عليهم, ( فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا مَا هَذَا إِلا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يَأْكُلُ مِمَّا تَأْكُلُونَ مِنْهُ وَيَشْرَبُ مِمَّا تَشْرَبُونَ ) أي: مما تشربون منه. ( وَلَئِنْ أَطَعْتُمْ بَشَرًا مِثْلَكُمْ إِنَّكُمْ إِذًا لَخَاسِرُونَ ) لمغبونون. ( أَيَعِدُكُمْ أَنَّكُمْ إِذَا مِتُّمْ وَكُنْتُمْ تُرَابًا وَعِظَامًا أَنَّكُمْ مُخْرَجُونَ ) من قبوركم أحياء وأعاد « أنكم » لما طال الكلام, ومعنى الكلام: أيعدكم أنكم إذا متم وكنتم ترابا وعظاما مخرجون؟ وكذلك هو في قراءة عبد الله, نظيره في القرآن: أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّهُ مَنْ يُحَادِدِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَأَنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدًا فِيهَا ( التوبة - 63 ) . ( هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ لِمَا تُوعَدُونَ ) قال ابن عباس: هي كلمة بعد, أي: بعيد ما توعدون, قرأ أبو جعفر « هيهات هيهات » بكسر التاء, وقرأ نصر بن عاصم بالضم, وكلها لغات صحيحة فمن نصب جعله مثل أين وكيف, ومن رفع جعله مثل منذ وقط وحيث, ومن كسر جعله مثل أمس وهؤلاء, ووقف عليها أكثر القراء بالتاء, ويروى عن الكسائي الوقف عليها بالهاء. ( إِنْ هِيَ ) يعنون الدنيا, ( إِلا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا ) قيل فيه تقديم وتأخير, أي: نحيا ونموت لأنهم كانوا ينكرون البعث بعد الموت. وقيل: يموت الآباء ويحيا الأبناء. وقيل: يموت قوم ويحيا قوم. ( وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ ) بمنشرين بعد الموت. ( إِنْ هُوَ ) يعني الرسول, ( إِلا رَجُلٌ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا وَمَا نَحْنُ لَهُ بِمُؤْمِنِينَ ) بمصدقين بالبعث بعد الموت. ( قَالَ رَبِّ انْصُرْنِي بِمَا كَذَّبُونِ ) .

قَالَ عَمَّا قَلِيلٍ لَيُصْبِحُنَّ نَادِمِينَ ( 40 ) فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ بِالْحَقِّ فَجَعَلْنَاهُمْ غُثَاءً فَبُعْدًا لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ( 41 ) ثُمَّ أَنْشَأْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ قُرُونًا آخَرِينَ ( 42 )

( قَالَ عَمَّا قَلِيلٍ ) أي: عن قليل, و « ما » صلة, ( لَيُصْبِحُنَّ ) ليصيرن, ( نَادِمِينَ ) على كفرهم وتكذيبهم. ( فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ ) يعني صيحة العذاب, ( بِالْحَقِّ ) قيل: أراد بالصيحة الهلاك. وقيل: صاح بهم جبريل صيحة فتصدعت قلوبهم, ( فَجَعَلْنَاهُمْ غُثَاءً ) وهو ما يحمله السيل من حشيش وعيدان شجر, معناه: صيرناهم هلكى فيبسوا يبس الغثاء من نبات الأرض, ( فَبُعْدًا لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ) ( ثُمَّ أَنْشَأْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ قُرُونًا آخَرِينَ ) أي: أقواما آخرين.