وَلَوْ رَحِمْنَاهُمْ وَكَشَفْنَا مَا بِهِمْ مِنْ ضُرٍّ لَلَجُّوا فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ ( 75 ) وَلَقَدْ أَخَذْنَاهُمْ بِالْعَذَابِ فَمَا اسْتَكَانُوا لِرَبِّهِمْ وَمَا يَتَضَرَّعُونَ ( 76 ) حَتَّى إِذَا فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَابًا ذَا عَذَابٍ شَدِيدٍ إِذَا هُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ ( 77 ) وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ قَلِيلا مَا تَشْكُرُونَ ( 78 ) وَهُوَ الَّذِي ذَرَأَكُمْ فِي الأَرْضِ وَإِلَيْهِ تُحْشَرُونَ ( 79 ) وَهُوَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ وَلَهُ اخْتِلافُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ أَفَلا تَعْقِلُونَ ( 80 )

( وَلَوْ رَحِمْنَاهُمْ وَكَشَفْنَا مَا بِهِمْ مِنْ ضُرٍّ ) قحط وجدوبة ( لَلَجُّوا ) تمادوا, ( فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ ) ولم ينـزعوا عنه. ( وَلَقَدْ أَخَذْنَاهُمْ بِالْعَذَابِ ) وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم دعا على قريش أن يجعل عليهم سنين كسني يوسف, فأصابهم القحط, فجاء أبو سفيان إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقال أنشدك الله والرحم, ألست تزعم أنك بعثت رحمة للعالمين؟ فقال: بلى, فقال: قد قتلت الآباء بالسيف والأبناء بالجوع, فادع الله أن يكشف عنا هذا القحط, فدعا فكشف عنهم, فأنـزل الله هذه الآية ( فَمَا اسْتَكَانُوا لِرَبِّهِمْ ) أي: ما خضعوا وما ذلوا لربهم, وأصله طلب السكون, ( وَمَا يَتَضَرَّعُونَ ) أي: لم يتضرعوا إلى ربهم بل مضوا على تمردهم. ( حَتَّى إِذَا فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَابًا ذَا عَذَابٍ شَدِيدٍ ) قال ابن عباس: يعني القتل يوم بدر. وهو قول مجاهد, وقيل: هو الموت. وقيل: هو قيام الساعة, ( إِذَا هُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ ) آيسون من كل خير. ( وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ لَكُمُ السَّمْعَ ) أي: أنشأ لكم الأسماع ( وَالأبْصَارَ وَالأفْئِدَةَ ) لتسمعوا وتبصروا وتعقلوا, ( قَلِيلا مَا تَشْكُرُونَ ) أي: لم تشكروا هذه النعم. ( وَهُوَ الَّذِي ذَرَأَكُمْ ) خلقكم, ( فِي الأرْضِ وَإِلَيْهِ تُحْشَرُونَ ) تبعثون. ( وَهُوَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ وَلَهُ اخْتِلافُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ ) أي: تدبير الليل والنهار في الزيادة والنقصان, قال الفراء: جعلهما مختلفين, يتعاقبان ويختلفان في السواد والبياض, ( أَفَلا تَعْقِلُونَ ) ما ترون من صنعة فتعتبرون.

بَلْ قَالُوا مِثْلَ مَا قَالَ الأَوَّلُونَ ( 81 ) قَالُوا أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ ( 82 ) لَقَدْ وُعِدْنَا نَحْنُ وَآبَاؤُنَا هَذَا مِنْ قَبْلُ إِنْ هَذَا إِلا أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ ( 83 ) قُلْ لِمَنِ الأَرْضُ وَمَنْ فِيهَا إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ ( 84 ) سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلا تَذَكَّرُونَ ( 85 ) قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ ( 86 ) سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلا تَتَّقُونَ ( 87 ) قُلْ مَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلا يُجَارُ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ ( 88 )

( بَلْ قَالُوا مِثْلَ مَا قَالَ الأوَّلُونَ ) أي: كذبوا كما كذب الأولون. ( قَالُوا أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ ) لمحشورون, قالوا ذلك على طريق الإنكار والتعجب. ( لَقَدْ وُعِدْنَا نَحْنُ وَآبَاؤُنَا هَذَا ) الوعد, ( مِنْ قَبْلُ ) أي: وعد آباءنا قوم ذكروا أنهم رسل الله فلم نر له حقيقة, ( إِنْ هَذَا إِلا أَسَاطِيرُ الأوَّلِينَ ) أكاذيب الأولين. ( قُلْ ) يا محمد مجيبا لهم, يعني أهل مكة, ( لِمَنِ الأرْضُ وَمَنْ فِيهَا ) من الخلق, ( إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ ) خالقها ومالكها. ( سَيَقُولُونَ لِلَّهِ ) ولا بد لهم من ذلك لأنهم يقرون أنها مخلوقة. ( قُلْ ) لهم إذا أقروا بذلك: ( أَفَلا تَذَكَّرُونَ ) فتعلمون أن من قدر على خلق الأرض ومن فيها ابتداء يقدر على إحيائهم بعد الموت. ( قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ ) . ( سَيَقُولُونَ لِلَّهِ ) قرأ العامة « لله » ومثله ما بعده, فجعلوا الجواب على المعنى, كقول القائل للرجل: من مولاك؟ فيقول: لفلان, أي أنا لفلان وهو مولاي. وقرأ أهل البصرة فيهما « الله » وكذلك هو في مصحف أهل البصرة, وفي سائر المصاحف, مكتوب بالألف كالأول, ( قُلْ أَفَلا تَتَّقُونَ ) تحذرون. ( قُلْ مَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ ) الملكوت الملك, والتاء فيه للمبالغة, ( وَهُوَ يُجِيرُ ) أي: يُؤَمِّن من يشاء ( وَلا يُجَارُ عَلَيْهِ ) أي: لا يُؤَمَّن من أخافه الله, أو يَمنع هو من السوء من يشاء, ولا يُمنع منه من أراده بسوء, ( إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ ) قيل: معناه أجيبوا إن كنتم تعلمون.

سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ فَأَنَّى تُسْحَرُونَ ( 89 )

( سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ فَأَنَّى تُسْحَرُونَ ) أي: تخدعون وتصرفون عن توحيده وطاعته, والمعنى: كيف يخيل لكم الحق باطلا؟