وَاجْعَلْ لِي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الآخِرِينَ ( 84 ) وَاجْعَلْنِي مِنْ وَرَثَةِ جَنَّةِ النَّعِيمِ ( 85 )

( وَاجْعَلْ لِي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الآخِرِينَ ) أي: ثناء حسنًا, وذكرًا جميلا وقبولا عامًا في الأمم التي تجيء بعدي, فأعطاه الله ذلك, فجعل كل أهل الأديان يتولَّونه ويثنون عليه. قال القتيـبـي: وضع اللسان موضع القول على الاستعارة لأن القول يكون به. ( وَاجْعَلْنِي مِنْ وَرَثَةِ جَنَّةِ النَّعِيمِ ) أي: ممن تعطيه جنة النعيم.

وَاغْفِرْ لأَبِي إِنَّهُ كَانَ مِنَ الضَّالِّينَ ( 86 ) وَلا تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ ( 87 ) يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ ( 88 ) إِلا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ ( 89 ) وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ ( 90 ) وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِلْغَاوِينَ ( 91 ) وَقِيلَ لَهُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ ( 92 ) مِنْ دُونِ اللَّهِ هَلْ يَنْصُرُونَكُمْ أَوْ يَنْتَصِرُونَ ( 93 ) فَكُبْكِبُوا فِيهَا هُمْ وَالْغَاوُونَ ( 94 ) وَجُنُودُ إِبْلِيسَ أَجْمَعُونَ ( 95 ) قَالُوا وَهُمْ فِيهَا يَخْتَصِمُونَ ( 96 )

( وَاغْفِرْ لأبِي إِنَّهُ كَانَ مِنَ الضَّالِّينَ ) وقال هذا قبل أن يتبين له أنه عدو الله, كما سبق ذكره في سورة التوبة. ( وَلا تُخْزِنِي ) لا تفضحني, ( يَوْمِ يُبْعَثُونَ ) ( يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ * إِلا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ ) أي: خالص من الشرك والشك فأما الذنوب فليس يسلم منها أحد, هذا قول أكثر المفسرين. قال سعيد بن المسيب: القلب السليم هو الصحيح, وهو قلب المؤمن لأن قلب الكافر والمنافق مريض. قال الله تعالى: فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ ( البقرة- 10 ) , قال ابن عثمان النيسابوري: هو القلب الخالي من البدعة المطمئن على السنة . ( وَأُزْلِفَتِ ) قربت ( الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ ) ( وَبُرِّزَتِ ) أظهرت, ( الْجَحِيمُ لِلْغَاوِينَ ) للكافرين. ( وَقِيلَ لَهُمْ ) يوم القيامة, ( أَيْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ ) ( مِنْ دُونِ اللَّهِ هَلْ يَنْصُرُونَكُمْ ) يمنعونكم من العذاب, ( أَوْ يَنْتَصِرُونَ ) لأنفسهم. ( فَكُبْكِبُوا فِيهَا ) قال ابن عباس: جمعوا. وقال مجاهد: دُهْوِرُوا. وقال مقاتل: قذفوا. وقال الزجاج: طرح بعضهم على بعض. وقال القتيـبـي: ألقوا على رءوسهم. ( هُمْ وَالْغَاوُونَ ) يعني: الشياطين, قال قتادة, ومقاتل. وقال الكلبي: كفرة الجن. ( وَجُنُودُ إِبْلِيسَ أَجْمَعُونَ ) وهم أتباعه ومن أطاعه من الجن والإنس. ويقال: ذريته. ( قَالُوا ) أي: قال الغاوون للشياطين والمعبودين, ( وَهُمْ فِيهَا يَخْتَصِمُونَ ) مع المعبودين ويجادل بعضهم بعضًا.

تَاللَّهِ إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ ( 97 ) إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ ( 98 ) وَمَا أَضَلَّنَا إِلا الْمُجْرِمُونَ ( 99 ) فَمَا لَنَا مِنْ شَافِعِينَ ( 100 ) وَلا صَدِيقٍ حَمِيمٍ ( 101 ) فَلَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ( 102 ) إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ ( 103 ) وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ ( 104 ) كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ الْمُرْسَلِينَ ( 105 )

( تَاللَّهِ إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ ) . ( إِذْ نُسَوِّيكُمْ ) نعدلكم, ( بِرَبِّ الْعَالَمِينَ ) فنعبدكم. ( وَمَا أَضَلَّنَا ) أي: ما دعانا إلى الضلال, ( إِلا الْمُجْرِمُونَ ) قال مقاتل: يعني الشياطين. وقال الكلبي: إلا أوَّلونا الذين اقتدينا بهم. وقال أبو العالية وعكرمة: يعني: إبليس, وابن آدم الأول, وهو قابيل, لأنه أول من سن القتل, وأنواع المعاصي. ( فَمَا لَنَا مِنْ شَافِعِينَ ) أي: من يشفع لنا من الملائكة والنبيين والمؤمنين. ( وَلا صَدِيقٍ حَمِيمٍ ) أي: قريب يشفع لنا, يقوله الكفار حين تشفع الملائكة والنبيون والمؤمنون, والصديق هو الصادق في المودة بشرط الدين. أخبرنا أبو سعيد الشريحي, أخبرنا أبو إسحاق الثعلبي, أخبرني الحسين بن محمد بن فنجويه, حدثنا محمد بن الحسين اليقطيني, أخبرنا أحمد بن عبد الله يزيد العقيلي, حدثنا صفوان بن صالح, حدثنا الوليد بن مسلم, حدثنا من سمع أبا الزبير يقول: أشهد لسمعت جابر بن عبد الله يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: « إن الرجل ليقول في الجنة ما فعل صديقي فلان, وصديقه في الجحيم, فيقول الله تعالى: أخرجوا له صديقه إلى الجنة, فيقول من بقي: فما لنا من شافعين ولا صديقٍ حميم » قال الحسن: استكثروا من الأصدقاء المؤمنين فإن لهم شفاعة يوم القيامة. ( فَلَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً ) أي: رجعة إلى الدنيا, ( فَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ) ( إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ ) ( وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ ) العزيز الذي لا يغالب, فالله عزيز, وهو في وصف عزته رحيم. قوله عز وجل: ( كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ الْمُرْسَلِينَ ) قيل للحسن البصري: يا أبا سعيد أرأيت قوله: ( كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ الْمُرْسَلِينَ ) و كَذَّبَتْ عَادٌ الْمُرْسَلِينَ و كَذَّبَتْ ثَمُودُ الْمُرْسَلِينَ وإنما أرسل إليهم رسول واحد؟ قال: إن الآخر جاء بما جاء الأول, فإذا كذبوا واحدًا فقد كذبوا الرسل أجمعين.

إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ نُوحٌ أَلا تَتَّقُونَ ( 106 ) إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ ( 107 ) فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ ( 108 ) وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ ( 109 ) فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ ( 110 ) قَالُوا أَنُؤْمِنُ لَكَ وَاتَّبَعَكَ الأَرْذَلُونَ ( 111 )

( إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ ) في النسب لا في الدين. ( نُوحٌ أَلا تَتَّقُونَ ) ( إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ ) على الوحي. ( فَاتَّقُوا اللَّهَ ) بطاعته وعبادته, ( وَأَطِيعُونِ ) فيما آمركم به من الإيمان والتوحيد. ( وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ ) ثوابي, ( إِلا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ ) ( فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ ) . ( قَالُوا أَنُؤْمِنُ لَكَ وَاتَّبَعَكَ الأرْذَلُونَ ) قرأ يعقوب: « وأتباعك الأرذلون » السفلة. وعن ابن عباس قال: الصاغة. وقال عكرمة الحاكة والأساكفة.