وَاتَّقُوا الَّذِي
خَلَقَكُمْ وَالْجِبِلَّةَ الأَوَّلِينَ ( 184
)
وَزِنُوا بِالْقِسْطَاسِ
الْمُسْتَقِيمِ * وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلا تَعْثَوْا فِي
الأَرْضِ مُفْسِدِينَ * وَاتَّقُوا الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالْجِبِلَّةَ الخليقة, (
الأوَّلِينَ ) يعني: الأمم المتقدمين, والجبلة: الخَلْق, يقال: جُبل أي:
خُلق.
قَالُوا إِنَّمَا أَنْتَ مِنَ
الْمُسَحَّرِينَ ( 185 )
وَمَا أَنْتَ إِلا بَشَرٌ مِثْلُنَا وَإِنْ نَظُنُّكَ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ ( 186
) فَأَسْقِطْ عَلَيْنَا كِسَفًا مِنَ السَّمَاءِ إِنْ
كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ ( 187 )
قَالَ رَبِّي أَعْلَمُ بِمَا تَعْمَلُونَ ( 188
) فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمْ عَذَابُ يَوْمِ الظُّلَّةِ
إِنَّهُ كَانَ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ ( 189
) إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ
( 190 )
وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ ( 191
) وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ ( 192
) نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأَمِينُ ( 193
) عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ ( 194
) بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ ( 195
)
( قَالُوا
إِنَّمَا أَنْتَ مِنَ الْمُسَحَّرِينَ * وَمَا أَنْتَ إِلا بَشَرٌ مِثْلُنَا
وَإِنْ نَظُنُّكَ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ * فَأَسْقِطْ عَلَيْنَا كِسَفًا مِنَ
السَّمَاءِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ * قَالَ رَبِّي أَعْلَمُ بِمَا
تَعْمَلُونَ ) أي: من نقصان الكيل والوزن, وهو مجازيكم بأعمالكم, وليس
العذاب إليَّ وما عليّ إلا الدعوة. (
فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمْ عَذَابُ يَوْمِ الظُّلَّةِ ) وذلك
أنه أخذهم حرّ شديد, فكانوا يدخلون الأسراب فإذا دخلوها وجدوها أشد حرًا فخرجوا,
فأظلَّتهم سحابة, وهي الظلة, فاجتمعوا تحتها, فأمطرت عليهم نارًا فاحترقوا, ذكرناه
في سورة هود. ( إِنَّهُ كَانَ عَذَابَ
يَوْمٍ عَظِيمٍ ) ( إِنَّ
فِي ذَلِكَ لآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ ) (
وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ ) قوله
عز وجل: ( وَإِنَّهُ ) يعني
القرآن. ( لَتَنـزيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ ) ( نـزلَ
بِهِ الرُّوحُ الأمِينُ ) قرأ أهل الحجاز, وأبو عمرو,
وحفص: « نـزل » خفيف, « الروحُ
الأمينُ » برفع الحاء والنون, أي « نـزل
جبريل بالقرآن. وقرأ الآخرون بتشديد الزاي وفتح الحاء والنون أي: نـزل الله به
جبريل, لقوله عز وجل: » وإنه لتنـزيل رب العالمين « . ( عَلَى
قَلْبِكَ ) يا محمد حتى وعيته, (
لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ ) المخوفين. (
بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ ) [ قال
ابن عباس: بلسان قريش ليفهموا ما فيه ] . »
وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ
الأَوَّلِينَ ( 196 ) أَوَلَمْ
يَكُنْ لَهُمْ آيَةً أَنْ يَعْلَمَهُ عُلَمَاءُ بَنِي إِسْرَائِيلَ ( 197
) وَلَوْ نَزَّلْنَاهُ عَلَى بَعْضِ الأَعْجَمِينَ ( 198
) فَقَرَأَهُ عَلَيْهِمْ مَا كَانُوا بِهِ مُؤْمِنِينَ ( 199
) كَذَلِكَ سَلَكْنَاهُ فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ ( 200
)
( وَإِنَّهُ
) أي: ذِكْرُ إنـزال القرآن, قاله أكثر المفسرين. وقال مقاتل:
ذِكْرُ محمد صلى الله عليه وسلم ونعته, ( لَفِي
زُبُرِ الأوَّلِينَ ) (
أَوَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ آيَةً ) [ قرأ
ابن عامر: « تكن » بالتاء « آية »
بالرفع, جعل الآية اسمًا وخبره: ( أَنْ
يَعْلَمَهُ ) وقرأ الآخرون بالياء, « آية » ] نصب ,
جعلوا الآية خبر يكن, معناه: أو لم يكن لهؤلاء المنكرين علم بني إسرائيل آية, أي:
علامة ودلالة على نبوة محمد صلى الله عليه وسلم, لأن العلماء الذين كانوا من بني
إسرائيل, كانوا يخبرون بوجود ذكره في كتبهم, وهم: عبد الله بن سلام وأصحابه . قال
ابن عباس: بعث أهل مكة إلى اليهود وهم بالمدينة فسألوهم عن محمد صلى الله عليه
وسلم, فقالوا: إن هذا لزمانه, وإنا نجد في التوراة نعتَه وصفته, فكان ذلك آية على
صدقه .
قوله تعالى: ( أَنْ
يَعْلَمَهُ ) يعني: يعلم محمد صلى الله عليه وسلم, ( عُلَمَاءُ
بَنِي إِسْرَائِيلَ ) قال عطية: كانوا خمسة عبد
الله بن سلام, وابن يامين, وثعلبة, وأسد, وأسيد . (
وَلَوْ نـزلْنَاهُ ) يعني القرآن, ( عَلَى
بَعْضِ الأعْجَمِينَ ) جمع الأعجمي, وهو الذي لا
يفصح ولا يحسن العربية وإن كان عربيا في النسب, والعجمي: منسوب إلى العجم, وإن كان
فصيحا. ومعنى الآية: ولو نـزلناه على رجل ليس بعربي اللسان. (
فَقَرَأَهُ عَلَيْهِمْ ) بغير لغة العرب, ( مَا
كَانُوا بِهِ مُؤْمِنِينَ ) وقالوا: ما نفقه قولك, نظيره
قوله عز وجل: وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا أَعْجَمِيًّا لَقَالُوا لَوْلا
فُصِّلَتْ آيَاتُهُ ( فصلت- 44 ) ,
وقيل: معناه ولو نـزلناه على رجل ليس من العرب لما آمنوا به أنفةً من اتّباعه. (
كَذَلِكَ سَلَكْنَاهُ ) قال ابن عباس, والحسن,
ومجاهد: أدخلنا الشرك والتكذيب ( فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ )
لا يُؤْمِنُونَ بِهِ حَتَّى
يَرَوُا الْعَذَابَ الأَلِيمَ ( 201 )
فَيَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ ( 202
) فَيَقُولُوا هَلْ نَحْنُ مُنْظَرُونَ ( 203
) أَفَبِعَذَابِنَا يَسْتَعْجِلُونَ ( 204
) أَفَرَأَيْتَ إِنْ مَتَّعْنَاهُمْ سِنِينَ ( 205
) ثُمَّ جَاءَهُمْ مَا كَانُوا يُوعَدُونَ ( 206
)
( لا يُؤْمِنُونَ بِهِ ) أي:
بالقرآن, ( حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الألِيمَ ) يعني:
عند الموت. ( فَيَأْتِيَهُمْ ) يعني:
العذاب, ( بَغْتَةً ) فجأة,
( وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ ) به في
الدنيا. ( فَيَقُولُوا هَلْ نَحْنُ مُنْظَرُونَ ) أي:
لنؤمن ونصدق, يتمنون الرجعة والنَّظِرَة. قال مقاتل: لما أوعدهم النبي صلى الله
عليه وسلم بالعذاب, قالوا: إلى متى توعدنا بالعذاب؟ متى هذا العذاب؟ قال الله
تعالى: ( أَفَبِعَذَابِنَا يَسْتَعْجِلُونَ * أَفَرَأَيْتَ إِنْ
مَتَّعْنَاهُمْ سِنِينَ ) كثيرة في الدنيا, يعني: كفار
مكة, ولم نهلكهم. ( ثُمَّ جَاءَهُمْ مَا كَانُوا
يُوعَدُونَ ) يعني: بالعذاب.