وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى ثَمُودَ
أَخَاهُمْ صَالِحًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ فَإِذَا هُمْ فَرِيقَانِ يَخْتَصِمُونَ
( 45 )
قَالَ يَا قَوْمِ لِمَ تَسْتَعْجِلُونَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ لَوْلا
تَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ( 46 ) قَالُوا
اطَّيَّرْنَا بِكَ وَبِمَنْ مَعَكَ قَالَ طَائِرُكُمْ عِنْدَ اللَّهِ بَلْ
أَنْتُمْ قَوْمٌ تُفْتَنُونَ ( 47 )
قوله عز وجل: (
وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا أَنِ ) [ أي:
أن ] ( اعْبُدُوا اللَّهَ ) وحده,
( فَإِذَا هُمْ فَرِيقَانِ ) [
مؤمن وكافر ] ( يَخْتَصِمُونَ ) في
الدين, قال مقاتل: واختصامهم ما ذكر في سورة الأعراف: قَالَ الْمَلأُ الَّذِينَ
اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِمَنْ آمَنَ مِنْهُمْ ,
إلى قوله: يَا صَالِحُ ائْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ
( الأعراف- 75- 77 ) . فـ ( قَالَ
) لهم صالح, ( يَا
قَوْمِ لِمَ تَسْتَعْجِلُونَ بِالسَّيِّئَةِ )
بالبلاء والعقوبة, ( قَبْلَ الْحَسَنَةِ )
العافية والرحمة, ( لَوْلا ) هلا (
تَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ ) بالتوبة من كفركم, (
لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ) (
قَالُوا اطَّيَّرْنَا ) أي: تشاءمنا, وأصله: تطيرنا,
( بِكَ وَبِمَنْ مَعَكَ ) قيل:
إنما قالوا ذلك لتفرق كلمتهم. وقيل: لأنه أمسك عنهم المطر في ذلك الوقت وقحطوا,
فقالوا: أصابنا هذا الضر والشدة من شؤمك وشؤم أصحابك. ( قَالَ
طَائِرُكُمْ عِنْدَ اللَّهِ ) أي: ما يصيبكم من الخير والشر
عند الله بأمره, وهو مكتوب عليكم, سمي طائرا لسرعة نـزوله بالإنسان, فإنه لا شيء
أسرع من قضاء محتوم. قال ابن عباس: الشؤم أتاكم من عند الله لكفركم. وقيل: طائركم
أي: عملكم عند الله, سمي طائرا لسرعة صعوده إلى السماء. ( بَلْ
أَنْتُمْ قَوْمٌ تُفْتَنُونَ ) قال ابن عباس: تختبرون بالخير
والشر, نظيره قوله تعالى: وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً (
الأنبياء- 35 ) , وقال محمد بن كعب القرظي: تعذبون.
وَكَانَ فِي الْمَدِينَةِ
تِسْعَةُ رَهْطٍ يُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ وَلا يُصْلِحُونَ ( 48 )
قَالُوا تَقَاسَمُوا بِاللَّهِ لَنُبَيِّتَنَّهُ وَأَهْلَهُ ثُمَّ لَنَقُولَنَّ
لِوَلِيِّهِ مَا شَهِدْنَا مَهْلِكَ أَهْلِهِ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ ( 49 )
وَمَكَرُوا مَكْرًا وَمَكَرْنَا مَكْرًا وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ ( 50 )
فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ مَكْرِهِمْ أَنَّا دَمَّرْنَاهُمْ وَقَوْمَهُمْ
أَجْمَعِينَ ( 51 )
قوله تعالى: (
وَكَانَ فِي الْمَدِينَةِ ) يعني: مدينة ثمود, وهي الحجر,
( تِسْعَةُ رَهْطٍ ) من
أبناء أشرافهم, ( يُفْسِدُونَ فِي الأرْضِ
وَلا يُصْلِحُونَ ) وهم الذين اتفقوا على عقر الناقة,
وهم غواة قوم صالح, ورأسهم قدار بن سالف, وهو الذي تولى عقرها, كانوا يعملون
بالمعاصي. قالوا ( تَقَاسَمُوا بِاللَّهِ )
تحالفوا, يقول بعضهم لبعض: أي: احلفوا بالله أيها القوم. وموضع «
تقاسموا » جزم على الأمر, وقال قوم: محله نصب على الفعل الماضي, يعني:
أنهم تحالفوا وتواثقوا, تقديره: قالوا متقاسمين بالله, (
لَنُبَيِّتَنَّهُ ) أي: لنقتلنه بياتا أي: ليلا (
وَأَهْلَهُ ) أي: وقومه الذين أسلموا معه, وقرأ الأعمش وحمزة والكسائي «
لتبيتنه » و « لتقولن » بالتاء
فيهما وضم لام الفعل على الخطاب, وقرأ الآخرون بالنون فيهما وفتح لام الفعل, ( ثُمَّ
لَنَقُولَنَّ لِوَلِيِّهِ ) أي: لولي دمه, ( مَا
شَهِدْنَا ) ما حضرنا, (
مَهْلِكَ أَهْلِهِ ) أي: إهلاكهم, ولا ندري من
قتله, ومن فتح الميم فمعناه هلاك أهله, (
وَإِنَّا لَصَادِقُونَ ) في قولنا ما شهدنا ذلك. (
وَمَكَرُوا مَكْرًا ) غدروا غدرا حين قصدوا تبييت
صالح والفتك به, ( وَمَكَرْنَا مَكْرًا )
جزيناهم على مكرهم بتعجيل عقوبتهم, (
وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ ) (
فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ مَكْرِهِمْ أَنَّا ) قرأ
أهل الكوفة « أنا » بفتح الألف ردا على العاقبة,
أي: كانت العاقبة أنا دمرناهم, وقرأ الآخرون: « إنا » بالكسر
على الاسئناف, ( دَمَّرْنَاهُمْ ) أي:
أهلكناهم التسعة. واختلفوا في كيفية هلاكهم, قال ابن عباس رضي الله عنهما: أرسل
الله الملائكة تلك الليلة إلى دار صالح يحرسونه, فأتى التسعة دار صالح شاهرين
سيوفهم, فرمتهم الملائكة بالحجارة من حيث يرون الحجارة ولا يرون الملائكة, فقتلهم.
قال مقاتل: نـزلوا في سفح جبل ينظر بعضهم بعضا ليأتوا دار صالح, فجثم عليهم الجبل
فأهلكهم. ( وَقَوْمَهُمْ أَجْمَعِينَ ) أهلكهم
الله بالصيحة.
فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ
خَاوِيَةً بِمَا ظَلَمُوا إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ ( 52 )
وَأَنْجَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ ( 53 )
وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ
( 54 )
أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّسَاءِ بَلْ أَنْتُمْ
قَوْمٌ تَجْهَلُونَ ( 55 )
( فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ
خَاوِيَةً ) نصب على الحال أي: خالية, ( بِمَا
ظَلَمُوا ) أي: بظلمهم وكفرهم, ( إِنَّ
فِي ذَلِكَ لآيَةً ) لعبرة, (
لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ ) قدرتنا. (
وَأَنْجَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ ) يقال: كان
الناجون منهم أربعة آلاف. قوله تعالى: (
وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ ) وهي
الفعلة القبيحة, ( وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ ) أي:
تعلمون أنها فاحشة. وقيل: معناه يرى بعضكم بعضا وكانوا لا يستترون عُتُوًّا منهم.
( أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ
النِّسَاءِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ )