أَمَّنْ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَمَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ( 64 ) قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ الْغَيْبَ إِلا اللَّهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ ( 65 )

( أَمَّنْ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ ) بعد الموت, ( وَمَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالأرْضِ ) أي: من السماء المطر ومن الأرض النبات. ( أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ ) حجتكم على قولكم أن مع الله إلها آخر. ( إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ) ( قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ الْغَيْبَ إِلا اللَّهُ ) نـزلت في المشركين حيث سألوا النبي صلى الله عليه وسلم عن وقت قيام الساعة ( وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ )

بَلِ ادَّارَكَ عِلْمُهُمْ فِي الآخِرَةِ بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْهَا بَلْ هُمْ مِنْهَا عَمُونَ ( 66 ) وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَئِذَا كُنَّا تُرَابًا وَآبَاؤُنَا أَئِنَّا لَمُخْرَجُونَ ( 67 ) لَقَدْ وُعِدْنَا هَذَا نَحْنُ وَآبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ إِنْ هَذَا إِلا أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ ( 68 )

( بَلِ ادَّارَكَ عِلْمُهُمْ ) قرأ أبو جعفر, وابن كثير, وأبو عمرو: « أدرك » على وزن أفعل أي: بلغ ولحق, كما يقال: أدركه علمي إذا لحقه وبلغه, يريد: ما جهلوا في الدنيا وسقط علمه عنهم علموه في الآخرة. قال مجاهد: يدرك علمهم, ( فِي الآخِرَةِ ) ويعلمونها إذا عاينوها حين لا ينفعهم علمهم. قال مقاتل: بل علموا في الآخرة حين عاينوها ما شكوا وعموا عنه في الدنيا وهو قوله: ( بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْهَا ) يعني: هم اليوم في شك من الساعة, وقرأ الآخرون: « بل أدراك » موصولا مشددا مع ألف بعد الدال المشددة, أي: تدارك وتتابع علمهم في الآخرة وتلاحق. وقيل: معناه اجتمع علمهم في الآخرة أنها كائنة, وهم في شك في وقتهم, فيكون بمعنى الأول. وقيل: هو على طريق الاستفهام, معناه: هل تدارك وتتابع علمهم بذلك في الآخرة؟ أي: لم يتتابع وضل وغاب علمهم به فلم يبلغوه ولم يدركوه, لأن في الاستفهام ضربا من الجحد يدل عليه. قراءة ابن عباس « بلى » بإثبات الياء, « أدارك » بفتح الألف على الاستفهام, أي: لم يدرك, وفي حرف أُبَي « أم تدرك علمهم » , والعرب تضع « بل » موضع « أم » و « أم » موضع « بل » وجملة القول فيه: أن الله أخبر أنهم إذا بعثوا يوم القيامة يستوي علمهم في الآخرة وما وعدوا فيها من الثواب والعقاب, وإن كانت علومهم مختلفة في الدنيا. وذكر علي بن عيسى أن معنى « بل » هاهنا: « لو » ومعناه: لو أدركوا في الدنيا ما أدركوا في الآخرة لم يشكوا.

قوله عز وجل: ( بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْهَا ) بل هم اليوم في الدنيا في شك من الساعة. ( بَلْ هُمْ مِنْهَا عَمُونَ ) جمع عم, وهو الأعمى القلب. قال الكلبي: يقول هم جهلة بها. ( وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا ) يعني مشركي مكة, ( أَئِذَا كُنَّا تُرَابًا وَآبَاؤُنَا أَئِنَّا لَمُخْرَجُونَ ) من قبورنا أحياء, قرأ أهل المدينة: « إذا » غير مستفهم, « أئنا » بالاستفهام, وقرأ ابن عامر, والكسائي: « أإذا » بهمزتين, [ « أإننا » بنونين, وقرأ الآخرون باستفهامها. ( لَقَدْ وُعِدْنَا هَذَا ) أي: هذا البعث, ] ( نَحْنُ وَآبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ ) أي: من قبل محمد, وليس ذلك بشيء ( إِنَّ هَذَا ) ما هذا, ( إِلا أَسَاطِيرُ الأوَّلِينَ ) أحاديثهم وأكاذيبهم التي كتبوها.

قُلْ سِيرُوا فِي الأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ ( 69 ) وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلا تَكُنْ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ ( 70 ) وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ( 71 ) قُلْ عَسَى أَنْ يَكُونَ رَدِفَ لَكُمْ بَعْضُ الَّذِي تَسْتَعْجِلُونَ ( 72 ) وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَشْكُرُونَ ( 73 ) وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَعْلَمُ مَا تُكِنُّ صُدُورُهُمْ وَمَا يُعْلِنُونَ ( 74 ) وَمَا مِنْ غَائِبَةٍ فِي السَّمَاءِ وَالأَرْضِ إِلا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ ( 75 ) إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَقُصُّ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَكْثَرَ الَّذِي هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ ( 76 )

( قُلْ سِيرُوا فِي الأرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ ) ( وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ ) على تكذيبهم إياك وإعراضهم عنك, ( وَلا تَكُنْ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ ) نـزلت في المستهزئين الذين اقتسموا عقاب مكة. ( وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ) ( قُلْ عَسَى أَنْ يَكُونَ رَدِفَ ) أي: دنا وقرب, ( لَكُمْ ) وقيل: تَبِعَكم, والمعنى: ردفكم, أدخل اللام كما أدخل في قوله لربهم يرهبون ( الأعراف- 154 ) , قال الفراء: اللام صلة زائدة, كما تقول: نقدته مائة, ونقدت له ( بَعْضُ الَّذِي تَسْتَعْجِلُونَ ) من العذاب, فحل بهم ذلك يوم بدر. ( وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ ) قال مقاتل: على أهل مكة حيث لم يعجل عليهم العذاب, ( وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَشْكُرُونَ ) ذلك. ( وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَعْلَمُ مَا تُكِنُّ ) ما تخفي ( صُدُورُهُمْ وَمَا يُعْلِنُونَ ) ( وَمَا مِنْ غَائِبَةٍ ) أي: جملة غائبة من مكتوم سر, وخفي أمر, وشيء غائب, ( فِي السَّمَاءِ وَالأرْضِ إِلا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ ) أي: في اللوح المحفوظ. ( إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَقُصُّ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ ) أي: يبين لهم, ( أَكْثَرَ الَّذِي هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ ) من أمر الدين, قال الكلبي: إن أهل الكتاب اختلفوا فيما بينهم فصاروا أحزابا يطعن بعضهم على بعض, فنـزل القرآن ببيان ما اختلفوا فيه.