وَإِنَّهُ لَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ ( 77 ) إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ بِحُكْمِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ ( 78 ) فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّكَ عَلَى الْحَقِّ الْمُبِينِ ( 79 ) إِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتَى وَلا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ ( 80 ) وَمَا أَنْتَ بِهَادِ الْعُمْيِ عَنْ ضَلالَتِهِمْ إِنْ تُسْمِعُ إِلا مَنْ يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا فَهُمْ مُسْلِمُونَ ( 81 )

( وَإِنَّهُ ) يعني القرآن, ( لَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ ) ( إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي ) يفصل ( بَيْنَهُمْ ) أي: بين المختلفين في الدين يوم القيامة, ( بِحُكْمِهِ ) الحق, ( وَهُوَ الْعَزِيزُ ) المنيع فلا يرد له أمر, ( الْعَلِيمُ ) بأحوالهم فلا يخفى عليه شيء. ( فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّكَ عَلَى الْحَقِّ الْمُبِينِ ) البين. ( إِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتَى ) يعني الكفار, ( وَلا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ ) قرأ ابن كثير: « لا يَسْمَع » بالياء وفتحها وفتح الميم « الصُّمُّ » رفع, وكذلك في سورة الروم, وقرأ الباقون بالتاء وضمها وكسر الميم, « الصُّمَّ » نصب. ( إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ ) معرضين. فإن قيل ما معنى قوله: ( وَلَّوْا مُدْبِرِينَ ) وإذا كانوا صما لا يسمعون سواء ولوا أو لم يولوا؟. قيل ذكره: عل سبيل التأكيد والمبالغة. وقيل: الأصم إذا كان حاضرا فقد يسمع برفع الصوت ويفهم بالإشارة, فإذا ولى لم يسمع ولم يفهم. قال قتادة: الأصم إذا ولى مدبرا ثم ناديته لم يسمع, كذلك الكافر لا يسمع ما يدعى إليه من الإيمان. ومعنى الآية: أنهم لفرط إعراضهم عما يدعون إليه كالميت الذي لا سبيل إلى إسماعه, والأصم الذي لا يسمع. ( وَمَا أَنْتَ بِهَادِ الْعُمْيِ ) قرأ الأعمش, وحمزة: « تهدي » بالتاء وفتحها على الفعل « العمي » بنصب الياء هاهنا وفي الروم. وقرأ الآخرون بهادي بالباء على الاسم, « العمي » بكسر الياء, ( عَنْ ضَلالَتِهِمْ ) أي: ما أنت بمرشد من أعماه الله عن الهدى وأعمى قلب عن الإيمان, ( إِنْ تُسْمِعُ ) ما تسمع, ( إِلا مَنْ يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا ) إلا من يصدق بالقرآن أنه من الله, ( فَهُمْ مُسْلِمُونَ ) مخلصون.

وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النَّاسَ كَانُوا بِآيَاتِنَا لا يُوقِنُونَ ( 82 )

قوله تعالى: ( وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ ) وجب العذاب عليهم, وقال قتادة: إذا غضب الله عليهم, ( أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الأرْضِ تُكَلِّمُهُمْ ) واختلفوا في كلامها, فقال السدي: تكلمهم ببطلان الأديان سوى دين الإسلام. وقال بعضهم: كلامها أن تقول لواحد: هذا مؤمن, وتقول لآخر: هذا كافر . وقيل كلامها ما قال الله تعالى: ( أَنَّ النَّاسَ كَانُوا بِآيَاتِنَا لا يُوقِنُونَ ) قال مقاتل تكلمهم بالعربية, فتقول: إن الناس كانوا بآياتنا لا يوقنون, تخبر الناس أن أهل مكة لم يؤمنوا بالقرآن والبعث.

قرأ أهل الكوفة: « أن الناس » بفتح الألف, أي: بأن الناس, وقرأ الباقون بالكسر على الاستئناف, أي: إن الناس كانوا بآياتنا لا يوقنون قبل خروجها. قال ابن عمر: وذلك حين لا يؤمر بمعروف ولا ينهى عن منكر . وقرأ سعيد بن جبير, وعاصم الجحدري, وأبو رجاء العطاردي: « تكلمهم » بفتح التاء وتخفيف اللام من « الكلم » وهو الجرح. قال أبو الجوزاء: سألت ابن عباس رضي الله عنهما عن هذه الآية: « تُكَلِّمُهم أو تَكْلِمُهم » ؟ قال: كل ذلك تفعل, تُكَلِّم المؤمن, وتَكْلِمُ الكافر . أخبرنا أبو عبد الله محمد بن الفضل الخرقي, أخبرنا أبو الحسن الطيسفوني, أخبرنا عبد الله بن عمر الجوهري, أخبرنا أحمد بن علي الكشميهني, أخبرنا علي بن حجر, أخبرنا إسماعيل بن جعفر, أخبرنا العلاء بن عبد الرحمن, عن أبيه, عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: « بادروا بالأعمال ستًا: طلوع الشمس من مغربها, والدخان, والدجال, ودابة الأرض, وخاصة أحدكم, وأمر العامة » . أخبرنا إسماعيل بن عبد الله, أخبرنا عبد الغافر بن محمد الفارسي, أخبرنا محمد بن عيسى الجلودي, أخبرنا إبراهيم بن محمد بن سفيان, أخبرنا مسلم بن الحجاج, أخبرنا أبو بكر بن أبي شيبة, أخبرنا محمد بن بشر, عن أبي حيان, عن أبي زرعة, عن عبد الله بن عمرو قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم: « إن أول الآيات خروجا طلوع الشمس من مغربها, وخروج الدابة على الناس ضحى وأيهما كانت قبل صاحبتها فالأخرى على أثرها قريبا » .

وأخبرنا أبو سعيد الشريحي, أخبرنا أبو إسحاق الثعلبي, أخبرنا أبو عبد الله الحسين بن أحمد بن فنجويه, أخبرنا أبو بكر بن خرجة, أخبرنا محمد بن عبد الله بن سليمان الحضرمي, أخبرنا هشيم بن حماد, أخبرنا عمرو بن محمد العبقري, عن طلحة عن عمرو, عن عبد الله بن عمير الليثي, عن أبي سريحة الأنصاري عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: « يكون للدابة ثلاث خرجات من الدهر, فتخرج خروجا بأقصى اليمن فيفشو ذكرها بالبادية ولا يدخل ذكرها القرية » , يعني مكة, « ثم تمكث زمانا طويلا ثم تخرج خرجة أخرى قريبا من مكة, فيفشو ذكرها بالبادية, ويدخل ذكرها القرية - يعني مكة- فبينما الناس يوما في أعظم المساجد على الله حرمة وأكرمها على الله عز وجل - يعني المسجد الحرام- لم يرعهم إلا وهي في ناحية المسجد تدنو وتدنو » كذا قال ابن عمر, وما بين الركن الأسود إلى باب بني مخزوم عن يمين الخارج في وسط من ذلك فارفض الناس عنها وثبتت لها عصابة عرفوا أنهم لم يعجزوا الله, فخرجت عليهم تنفض رأسها من التراب فمرت بهم فجلت عن وجوههم حتى تركتها كأنها الكوكب الدرية, ثم ولت في الأرض لا يدركها طالب ولا يعجزها هارب, حتى أن الرجل ليقوم فيتعوذ منها بالصلاة فتأتيه من خلفه فتقول: يا فلان الآن تصلي؟ فيقبل عليها بوجهه فتسمه في وجهه, فيتجاور الناس في ديارهم, ويصطحبون في أسفارهم, ويشتركون في الأموال, يعرف الكافر من المؤمن, فيقال للمؤمن: يا مؤمن, ويقال للكافر: يا كافر « »

أخبرنا أبو سعيد الشريحي, أخبرنا أبو إسحاق الثعلبي, أخبرني الحسن بن محمد, أخبرنا أبو بكر بن مالك القطيعي, أخبرنا عبد الله بن أحمد بن حنبل, أخبرنا أبي, حدثنا بهز, حدثنا حماد, هو بن أبي سلمة, أخبرنا علي بن زيد, عن أوس بن خالد, عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: « تخرج الدابة ومعها عصا موسى وخاتم سليمان, فتجلو وجه المؤمن بالعصا وتحطم أنف الكافر بالخاتم, حتى أن أهل الخوان ليجتمعون فيقول هذا يا مؤمن ويقول هذا يا كافر » . وروي عن علي قال: ليست بدابة لها ذنب, ولكن لها لحية, كأنه يشير إلى أنه رجل والأكثرون على أنها دابة. وروى ابن جريج عن أبي الزبير أنه وصف الدابة فقال: رأسها رأس الثور وعينها عين الخنـزير, وأذنها أذن فيل, وقرنها قرن أيل, وصدرها صدر أسد, ولونها لون نمر, وخاصرتها خاصرة هر وذنبها ذنب كبش, وقوائمها قوائم بعير, بين كل مفصلين اثنا عشر ذراعا, ومعها عصا موسى, وخاتم سليمان, فلا يبقى مؤمن إلا نكتته في مسجده بعصا موسى نكتة بيضاء يضيء بها وجهه, ولا يبقى كافر إلا نكتت وجهه بخاتم سليمان فيسود بها وجهه, حتى إن الناس يتبايعون في الأسواق: بكم يا مؤمن؟ بكم يا كافر؟ ثم تقول لهم الدابة: يا فلان أنت من أهل الجنة, ويا فلان أنت من أهل النار, فذلك قوله عز وجل: ( وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الأرْضِ ) الآية .

أخبرنا أبو سعيد الشريحي, أخبرنا أبو إسحاق الثعلبي, أخبرني عقيل بن محمد الجرجاني الفقيه, أخبرنا أبو الفرج المعافى بن زكريا البغدادي, أخبرنا أبو جعفر محمد بن جرير الطبري, أخبرنا أبو كريب, أخبرنا الأشجعي, عن فضيل بن مرزوق, عن عطية, عن ابن عمر قال: تخرج الدابة من صدع في الصفا كجري الفرس ثلاثة أيام وما خرج ثلثها . وبه عن محمد بن جرير الطبري قال: حدثني [ عصام بن داود ] بن الجراح, حدثنا أبي, حدثنا سفيان بن سعيد, أخبرنا منصور بن المعتمر عن ربعي بن حراش عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه قال: ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم الدابة, قلت: يا رسول الله من أين تخرج؟ قال: « من أعظم المساجد حرمة على الله, بينما عيسى يطوف بالبيت ومعه المسلمون إذ تضرب الأرض تحتهم, وتنشق الصفا مما يلي المشعر, وتخرج الدابة من الصفا أول ما يبدر منها رأسها ملمعة ذات وبر وريش, لن يدركها طالب ولن يفوتها هارب, تسمي الناس مؤمنا وكافرا, أما المؤمن فتترك وجهه كأنه كوكب دري وتكتب بين عينيه مؤمن, وأما الكافر فتنكت بين عينيه نكتة سوداء, وتكتب بين عينيه كافرا » . وروي عن ابن عباس: أنه قرع الصفا بعصاه وهو محرم, وقال: إن الدابة لتسمع قرع عصاي هذه. وعن عبد الله بن عمر, قال: تخرج الدابة من شعب فيمس رأسها في السحاب ورجلاها في الأرض ما خرجتا, فتمر بالإنسان يصلي فتقول: ما الصلاة من حاجتك, فتخطمه .

وعن ابن عمر قال: تخرج الدابة ليلة جمع, والناس يسيرون إلى منى. وعن سهيل بن صالح عن أبيه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: « بئس الشعب شعب أجياد » , مرتين أو ثلاثا, قيل: ولم ذلك يا رسول الله؟ قال: « تخرج منه الدابة فتصرخ ثلاث صرخات يسمعها من بين الخافقين » وقال وهب: وجهها وجه رجل وسائر خلقها كخلق الطير, فتخبر من رآها أن أهل مكة كانوا بمحمد والقرآن لا يوقنون « . »

وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجًا مِمَّنْ يُكَذِّبُ بِآيَاتِنَا فَهُمْ يُوزَعُونَ ( 83 ) حَتَّى إِذَا جَاءُوا قَالَ أَكَذَّبْتُمْ بِآيَاتِي وَلَمْ تُحِيطُوا بِهَا عِلْمًا أَمْ مَاذَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ( 84 )

قوله تعالى: ( وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجًا ) أي: من كل قرن جماعة, ( مِمَّنْ يُكَذِّبُ بِآيَاتِنَا ) وليس « من » هاهنا للتبعيض, لأن جميع المكذبين يحشرون, ( فَهُمْ يُوزَعُونَ ) يحبس أولهم على آخرهم حتى يجتمعوا ثم يساقون إلى النار. ( حَتَّى إِذَا جَاءُوا ) يوم القيامة, ( قَالَ ) الله لهم: ( أَكَذَّبْتُمْ بِآيَاتِي وَلَمْ تُحِيطُوا بِهَا عِلْمًا ) ولم تعرفوها حق معرفتها, ( أَمْ مَاذَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ) حين لم تفكروا فيها. ومعنى الآية: أكذبتم بآياتي غير عالمين بها, ولم تفكروا في صحتها بل كذبتم بها جاهلين؟

وَوَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ بِمَا ظَلَمُوا فَهُمْ لا يَنْطِقُونَ ( 85 ) أَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا اللَّيْلَ لِيَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهَارَ مُبْصِرًا إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ( 86 ) وَيَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ إِلا مَنْ شَاءَ اللَّهُ وَكُلٌّ أَتَوْهُ دَاخِرِينَ ( 87 )

( وَوَقَعَ الْقَوْلُ ) وجب العذاب, ( عَلَيْهِمْ بِمَا ظَلَمُوا ) بما أشركوا, ( فَهُمْ لا يَنْطِقُونَ ) قال قتادة: كيف ينطقون ولا حجة لهم, نظيره قوله تعالى: هَذَا يَوْمُ لا يَنْطِقُونَ * وَلا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ ( المرسلات 35- 36 ) , وقيل: لا ينطقون لأن أفواههم مختومة. قوله عز وجل: ( أَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا ) خلقنا ( اللَّيْلَ لِيَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهَارَ مُبْصِرًا ) مضيا يبصر فيه, ( إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ) يصدقون فيعتبرون. قوله تعالى: ( وَيَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الأرْضِ ) والصور قرن ينفخ فيه إسرافيل, وقال الحسن: الصور هي القرن, وأول بعضهم كلامه أن الأرواح تجمع في القرن ثم ينفخ فيه فتذهب الأرواح إلى الأجساد فتحيا الأجساد. وقوله: ( فَفَزِعَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الأرْضِ ) أي: فصعق, كما قال في آية أخرى: فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ ( الزمر- 68 ) , أي: ماتوا, والمعنى أنهم يلقى عليهم الفزع إلى أن يموتوا. وقيل: ينفخ إسرافيل [ في الصور ] . ثلاث نفخات: نفخة الفزع, ونفخة الصعق, ونفخة القيام لرب العالمين . قوله: ( إِلا مَنْ شَاءَ اللَّهُ ) اختلفوا في هذا الاستثناء, روي عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم سأل جبريل عن قوله: ( إِلا مَنْ شَاءَ اللَّهُ ) قال: هم الشهداء متقلدون أسيافهم حول العرش .

وروى سعيد بن جبير, وعطاء عن ابن عباس: هم الشهداء لأنهم أحياء عند ربهم لا يصل الفزع إليهم . وفي بعض الآثار: « الشهداء ثنية الله عزَّ وجلّ » أي: الذين استثناهم الله تعالى. وقال الكلبي, ومقاتل: يعني جبريل, وميكائيل, وإسرافيل, وملك الموت, فلا يبقى بعد النفخة إلا هؤلاء الأربعة, ثم يقبض الله روح ميكائيل, ثم روح إسرافيل, ثم روح ملك الموت, ثم روح جبريل فيكون آخرهم موتَا جبريل عليه السلام. .

ويُروى أن الله تعالى يقول لملك الموت: خذ نفس إسرافيل, ثم يقول: من بقي يا ملك الموت؟ فيقول: سبحانك ربي تباركتَ وتعاليتَ يا ذا الجلال والإكرام, بقي جبريل وميكائيل وملك الموت, فيقول: خذ نفس ميكائيل, فيأخذ نفسه, فيقع كالطود العظيم, فيقول: من بقي؟ فيقول: سبحانك ربي تباركتَ وتعاليتَ, بقي جبريل وملك الموت, فيقول: مت يا ملك الموت, فيموت, فيقول: يا جبريل من بقي؟ فيقول: تباركت وتعاليت يا ذا الجلال والإكرام وجهك الباقي الدائم وجبريل الميت الفاني, قال: فيقول يا جبريل لا بد من موتك, فيقع ساجدًا يخفق بجناحيه فيروى أن فضلِ خلقه على فضل ميكائيل كالطود العظيم على ظرب من الظراب . ويروى أنه يبقى مع هؤلاء الأربعة حملة العرش فيقبض روح جبريل وميكائيل, ثم أرواح حملة العرش, ثم روح إسرافيل, ثم روح ملك الموت.

أخبرنا أبو عبد الله محمد بن الفضل الخرقي, أخبرنا أبو الحسن علي بن عبد الله الطيسفوني, أخبرنا عبد الله بن علي الجوهري, أخبرنا أحمد بن علي الكشميهني, أخبرنا علي بن حجر, أخبرنا إسماعيل بن جعفر, أخبرنا محمد بن عمرو بن علقمة, عن أبي سلمة, عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: « ينفخ في الصور فيصعق من في السماوات ومن في الأرض إلا من شاء الله, ثم ينفخ فيه أخرى فأكون أول من يرفع رأسه, فإذا موسى آخذ بقائمة من قوائم العرش, فلا أدري أكان من استثنى الله عز وجل أم رفع رأسه قبلي؟ ومن قال أنا خير من يونس بن مَتّى فقد كذب »

قال الضحاك: هم رضوان, والحور, ومالك, والزبانية. وقيل: عقارب النار وحياتها . قوله عز وجل: ( وَكُلٌّ ) أي: الذين أحيوا بعد الموت, ( أَتَوْهُ ) قرأ الأعمش, وحمزة, وحفص: « أتوه » مقصورًا بفتح التاء على الفعل, أي: جاءوه, وقرأ الآخرون بالمد وضم التاء كقوله تعالى: وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا ( مريم- 95 ) , ( دَاخِرِينَ ) صاغرين.

وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ ( 88 )

قوله عز وجل: ( وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً ) قائمة واقفة, ( وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ ) أي: تسير سير السحاب حتى تقع على الأرض. فتستوي بها وذلك أن كل شيء عظيم وكل جمع كثير يقصر عنه البصر لكثرته وبعد ما بين أطرافه فهو في حسبان الناظر واقف وهو سائر, كذلك سير الجبال لا يرى يوم القيامة لعظمتها, كما أن سير السحاب لا يرى لعظمه وهو سائر, ( صُنْعَ اللَّهِ ) نصب على المصدر, ( الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ ) أي: أحكم, ( إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ ) قرأ ابن كثير, وأهل البصرة: بالياء والباقون بالتاء.