وَمَا كُنْتَ بِجَانِبِ الْغَرْبِيِّ إِذْ قَضَيْنَا إِلَى مُوسَى الأَمْرَ وَمَا كُنْتَ مِنَ الشَّاهِدِينَ ( 44 ) وَلَكِنَّا أَنْشَأْنَا قُرُونًا فَتَطَاوَلَ عَلَيْهِمُ الْعُمُرُ وَمَا كُنْتَ ثَاوِيًا فِي أَهْلِ مَدْيَنَ تَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا وَلَكِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ ( 45 )

( وَمَا كُنْتَ ) يا محمد ، ( بِجَانِبِ الْغَرْبِيِّ ) يعني: بجانب الجبل الغربي، قاله قتادة والسدي، وقال الكلبي: بجانب الوادي الغربي. قال ابن عباس رضي الله عنهما: يريد حيث ناجى موسى ربه، ( إِذْ قَضَيْنَا إِلَى مُوسَى الأمْرَ ) يعني عهدنا إليه وأحكمنا الأمر معه بالرسالة إلى فرعون وقومه، ( وَمَا كُنْتَ مِنَ الشَّاهِدِينَ ) الحاضرين ذلك المقام فتذكره من ذات نفسك.

( وَلَكِنَّا أَنْشَأْنَا قُرُونًا ) خلقنا أمما بعد موسى عليه السلام، ( فَتَطَاوَلَ عَلَيْهِمُ الْعُمُرُ ) أي: طالت عليهم المهلة فنسوا عهد الله وتركوا أمره، وذلك أن الله تعالى قد عهد إلى موسى وقومه عهودا في محمد صلى الله عليه وسلم والإيمان به، فلما طال عليهم العمر وخلفت القرون بعد القرون نسوا تلك العهود وتركوا الوفاء بها. ( وَمَا كُنْتَ ثَاوِيًا ) مقيما، ( فِي أَهْلِ مَدْيَنَ ) كمقام موسى وشعيب فيهم، ( تَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا ) تذكرهم بالوعد والوعيد، قال مقاتل: يقول لم تشهد أهل مدين فتقرأ على أهل مكة خبرهم، ( وَلَكِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ ) أي: أرسلناك رسولا وأنـزلنا عليك كتابا فيه هذه الأخبار، فتتلوها عليهم ولولا ذلك لما علمتها ولم تخبرهم بها.

وَمَا كُنْتَ بِجَانِبِ الطُّورِ إِذْ نَادَيْنَا وَلَكِنْ رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ لِتُنْذِرَ قَوْمًا مَا أَتَاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ ( 46 ) وَلَوْلا أَنْ تُصِيبَهُمْ مُصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَيَقُولُوا رَبَّنَا لَوْلا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولا فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ( 47 )

( وَمَا كُنْتَ بِجَانِبِ الطُّورِ ) بناحية الجبل الذي كلم الله عليه موسى، ( إِذْ نَادَيْنَا ) قيل: إذ نادَيْنَا موسى: خذ الكتابَ بقوّة . وقال وهب: قال موسى: يا رب أرني محمدا، قال: إنك لن تصل إلى ذلك، وإن شئت ناديت أمته وأسمعتك صوتهم، قال: بلى يا رب، قال الله تعالى: يا أمة محمد فأجابوه من أصلاب آبائهم وقال أبو زرعة بن عمرو بن جرير: ونادى يا أمة محمد قد أجبتكم قبل أن تدعوني وأعطيتكم قبل أن تسألوني .

وروي عن ابن عباس رضي الله عنهما - ورفعه بعضهم- ، قال الله: يا أمة محمد، فأجابوه من أصلاب الآباء وأرحام الأمهات: لبيك اللهم لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك. قال الله تعالى: يا أمة محمد إن رحمتي سبقت غضبي وعفوي سبق عقابي، قد أعطيتكم من قبل أن تسألوني وقد أجبتكم من قبل أن تدعوني، وقد غفرت لكم من قبل أن تعصوني، من جاءني يوم القيامة بشهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبدي ورسولي دخل الجنة، وإن كانت ذنوبه أكثر من زبد البحر . قوله تعالى: ( وَلَكِنْ رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ ) أي: ولكن رحمناك رحمة بإرسالك والوحي إليك وإطلاعك على الأخبار الغائبة عنك ، ( لِتُنْذِرَ قَوْمًا مَا أَتَاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ ) يعني: أهل مكة، ( لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ )

( وَلَوْلا أَنْ تُصِيبَهُمْ مُصِيبَةٌ ) عقوبة ونقمة، ( بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ ) الكفر والمعصية، ( فَيَقُولُوا رَبَّنَا لَوْلا ) هلا ( أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولا فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ) وجواب « لولا » محذوف، أي: لعاجلناهم بالعقوبة، يعني: لولا أنهم يحتجون بترك الإرسال إليهم لعاجلناهم بالعقوبة بكفرهم. وقيل: معناه لما بعثناك إليهم رسولا ولكن بعثناك إليهم لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل.

فَلَمَّا جَاءَهُمُ الْحَقُّ مِنْ عِنْدِنَا قَالُوا لَوْلا أُوتِيَ مِثْلَ مَا أُوتِيَ مُوسَى أَوَلَمْ يَكْفُرُوا بِمَا أُوتِيَ مُوسَى مِنْ قَبْلُ قَالُوا سِحْرَانِ تَظَاهَرَا وَقَالُوا إِنَّا بِكُلٍّ كَافِرُونَ ( 48 ) قُلْ فَأْتُوا بِكِتَابٍ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ هُوَ أَهْدَى مِنْهُمَا أَتَّبِعْهُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ( 49 ) فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنَ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ( 50 )

( فَلَمَّا جَاءَهُمُ الْحَقُّ مِنْ عِنْدِنَا ) يعني محمدًا صلى الله عليه وسلم، ( قَالُوا ) يعني: كفار مكة، ( لَوْلا ) هلا ( أُوتِيَ ) محمد، ( مِثْلَ مَا أُوتِيَ مُوسَى ) [ من الآيات كاليد البيضاء والعصاُ وقيل: مثل ما أوتي موسى ] كتابًا جملة واحدة. قال الله تعالى: ( أَوَلَمْ يَكْفُرُوا بِمَا أُوتِيَ مُوسَى مِنْ قَبْلُ ) أي: فقد كفروا بآيات موسى كما كفروا بآيات محمدُ ( قَالُوا سِحْرَانِ تَظَاهَرَا ) قرأ أهل الكوفة: « سحران » ، أي: التوراة والقرآن: « تظاهرا » يعني: كل سحر يقوي الآخر، نسب التظاهر إلى السحرين على الاتساع، قال الكلبي: كانت مقالتهم تلك حين بعثوا إلى رءوس اليهود بالمدينة، فسألوهم عن محمد فأخبروهم أن نعته في كتابهم التوراة، فرجعوا فأخبروهم بقول اليهود، فقالوا: سِحْرَانِ تظاهرا. وقرأ الآخرون: « ساحران » يعنون محمدًا وموسى عليه السلام، لأن معنى التظاهر بالناس وأفعالهم أشبه منه بالكتب، ( وَقَالُوا إِنَّا بِكُلٍّ كَافِرُونَ )

( قُلْ ) يا محمد، ( فَأْتُوا بِكِتَابٍ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ هُوَ أَهْدَى مِنْهُمَا ) يعني: من التوراة والقرآن، ( أَتَّبِعْهُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ )

( فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ ) أي: لم يأتوا بما طلبت، ( فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنَ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ )