قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِضِيَاءٍ أَفَلا تَسْمَعُونَ ( 71 ) قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ النَّهَارَ سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ أَفَلا تُبْصِرُونَ ( 72 ) وَمِنْ رَحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ( 73 ) وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكَائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ ( 74 ) وَنَزَعْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا فَقُلْنَا هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ فَعَلِمُوا أَنَّ الْحَقَّ لِلَّهِ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ ( 75 )

قوله عز وجل: ( قُلْ أَرَأَيْتُمْ ) أخبروني يا أهل مكةُ ( إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَدًا ) دائما، ( إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ) لا نهار معه، ( مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِضِيَاءٍ ) بنهار تطلبون فيه المعيشة، ( أَفَلا تَسْمَعُونَ ) سماع فهم وقبول.

( قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّه عَلَيْكُمُ النَّهَارَ سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ) لا دليل فيه، ( مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ أَفَلا تُبْصِرُونَ ) ما أنتم عليه من الخطأ.

( وَمِنْ رَحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ ) أي: في الليل، ( وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ ) بالنهار، ( وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ) نعم الله عز وجل.

( وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكَائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ ) كرر ذكر النداء للمشركين لزيادة التقريع والتوبيخ.

( وَنـزعْنَا ) أخرجنا، ( مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا ) يعني: رسولهم الذي أرسل إليهم، كما قال: فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ ( النساء- 41 ) ، ( فَقُلْنَا هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ ) حجتكم بأن معي شريكا. ( فَعَلِمُوا أَنَّ الْحَقَّ ) التوحيد، ( لِلَّهِ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ ) في الدنيا.

إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِنْ قَوْمِ مُوسَى فَبَغَى عَلَيْهِمْ وَآتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ ( 76 )

قوله عز وجل: ( إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِنْ قَوْمِ مُوسَى ) كان ابن عمه؛ لأنه قارون بن يصهر بن قاهث بن لاوي بن يعقوب عليه السلامُ وموسى بن عمران بن قاهث، وقال ابن إسحاق: كان قارون عم موسى، كان أخا عمران، وهما ابنا يصهر، ولم يكن في بني إسرائيل أقرأ للتوراة من قارون، ولكنه نافق كما نافق السامري، ( فَبَغَى عَلَيْهِمْ ) قيل: كان عاملا لفرعون على بني إسرائيل، فكان يبغي عليهم ويظلمهم، وقال قتادة: بغى عليهم بكثرة المال. وقال الضحاك: بغى عليهم بالشرك. وقال شهر بن حوشب: زاد في طول ثيابه شبرا، وروينا عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: « لا ينظر الله يوم القيامة إلى من جر ثوبه خيلاء » وقيل: بغى عليهم بالكبر والعلو. ( وَآتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ ) هي جمع مفتح وهو الذي يفتح به الباب، هذا قول قتادة ومجاهد وجماعة، وقيل: مفاتحه: خزائنه، كما قال: وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ ( الأنعام- 59 ) ، أي: خزائنه، ( لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ ) أي: لَتُثْقِلُهم، وتميل بهم إذا حملوها لثقلها، قال أبو عبيدة: هذا من المقلوب، تقديره: ما إن العصبة لتنوء بها، يقال: ناء فلان بكذا إذا نهض به مثقلا.

واختلفوا في عدد العصبة، قال مجاهد: ما بين العشرة إلى خمسة عشر، وقال الضحاك عن ابن عباس رضي الله عنهما: ما بين الثلاثة إلى العشرة. وقال قتادة: ما بين العشرة إلى الأربعين. وقيل: أربعون رجلا. وقيل: سبعون. وروي عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كان يحمل مفاتحه أربعون رجلا أقوى ما يكون من الرجال. وقال جرير عن منصور عن خيثمة، قال: وجدت في الإنجيل أن مفاتيح خزائن قارون وقر ستين بغلا ما يزيد منها مفتاح على أصبع لكل مفتاح كنـز .

ويقال: كان قارون أينما ذهب يحمل معه مفاتيح كنوزه، وكانت من حديد، فلما ثقلت عليه جعلها من خشب، فثقلت فجعلها من جلود البقر على طول الأصابع، وكانت تحمل معه إذا ركب على أربعين بغلا . ( إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ ) قال لقارون قومه من بني إسرائيل: ( لا تَفْرَحْ ) لا تبطر ولا تأشر ولا تمرح، ( إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبّ الْفَرِحِينَ ) الأشِرين البطرين الذين لا يشكرون الله على ما أعطاهم.

وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الآخِرَةَ وَلا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ ( 77 )

( وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الآخِرَةَ ) اطلب فيما أعطاك الله من الأموال والنعمة والجنة وهو أن تقوم بشكر الله فيما أنعم عليك وتنفقه في رضا الله تعالى، ( وَلا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا ) قال مجاهد، وابن زيد: لا تترك أن تعمل في الدنيا للآخرة حتى تنجو من العذاب، لأن حقيقة نصيب الإنسان من الدنيا أن يعمل للآخرة. وقال السدي: بالصدقة وصلة الرحم. وقال علي: لا تنس صحتك وقوتك وشبابك وغناك أن تطلب بها الآخرة. أخبرنا عبد الواحد المليحي، أخبرنا أبو الحسن أحمد بن محمد بن شاذان، أخبرنا أبو يزيد حاتم بن محبوب الشامي، أخبرنا حسين المروزي، أخبرنا عبد الله بن المبارك، أخبرنا جعفر بن برقان، عن زياد بن الجراح، عن عمرو بن ميمون الأودي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لرجل: وهو يعظه: « اغتنم خمسًا قبل خمس: شبابك قبل هرمك، وصحتك قبل سقمك، وغناك قبل فقرك، وفراغك قبل شغلك، وحياتك قبل موتك » الحديث مرسل . قال الحسن: أمر أن يقدم الفضل ويمسك ما يغنيه، قال منصور بن زاذان في قوله: « ولا تنسَ نصيبك من الدنيا » ، قال: قوتك وقوت أهلك.

( وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ ) [ أي: أحسن بطاعة الله ] كما أحسن الله إليك بنعمته. وقيل: أحسن إلى الناس كما أحسن الله إليك، ( وَلا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الأرْضِ ) من عصى الله فقد طلب الفساد في الأرض، ( إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ )