وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَحْسَنَ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ ( 7 ) وَوَصَّيْنَا الإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا وَإِنْ جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ( 8 )

( وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ ) لنبطلنّها، يعني: حتى تصير بمنـزلة ما لم يُعْمل، والتكفير: إذهاب السيئة بالحسنة، ( وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَحْسَنَ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ ) أي: بأحسن أعمالهم وهو الطاعة، وقيل: نعطيهم أكثر مما عملوا وأحسن، كما قال: مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا ( الأنعام- 160 ) .

قوله عز وجل: ( وَوَصَّيْنَا الإنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا ) أي: برًا بهما وعطفًا عليهما، معناه: ووصَيّنا الإنسان أن يفعل بوالديه ما يحسن. نـزلت هذه الآية، والتي في سورة لقمان ( الآية 15 ) ، والأحقاف ( الآية 15 ) في سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه - وهو سعد بن مالك أبو إسحاق الزهري، وأمه حمنة بنت أبي سفيان بن أمية بن عبد شمس - لما أسلم، وكان من السابقين الأولين، وكان بارًا بأمه، قالت له أمه: ما هذا الدين الذي أحدثت؟ والله لا آكل ولا أشرب حتى ترجع إلى ما كنتَ عليه، أو أموت فتعيّر بذلك أبد الدهر، ويقال: يا قاتل أمه. ثم إنها مكثت يومًا وليلة لم تأكل ولم تشرب [ ولم تستظل ] ، فأصبحت قد جهدت، ثم مكثت يومًا آخر لم تأكل ولم تشرب، فجاء سعد إليها وقال: يا أماه لو كانت لك مائة نفس فخرجت نفسًا نفسًا ما تركت ديني فكلي، وإن شئت فلا تأكلي، فلما أيست منه أكلت وشربت، فأنـزل الله تعالى هذه الآية، وأمره بالبر بوالديه والإحسان إليهما وأن لا يطيعهما في الشرك، فذلك قوله عز وجل: ( وَإِنْ جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا ) . وجاء في الحديث: « لا طاعة لمخلوق في معصية الله » . ثم أوعد بالمصير إليه فقال: ( إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ) أخبركم بصالح أعمالكم وسيئها فأجازيكم عليها.

وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُدْخِلَنَّهُمْ فِي الصَّالِحِينَ ( 9 ) وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ فَإِذَا أُوذِيَ فِي اللَّهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذَابِ اللَّهِ وَلَئِنْ جَاءَ نَصْرٌ مِنْ رَبِّكَ لَيَقُولُنَّ إِنَّا كُنَّا مَعَكُمْ أَوَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِمَا فِي صُدُورِ الْعَالَمِينَ ( 10 )

( وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُدْخِلَنَّهُمْ فِي الصَّالِحِينَ ) في زمرة الصالحينَ وهم الأنبياء والأولياء، وقيل: في مدخل الصالحين، وهو الجنة.

قوله تعالى: ( وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ فَإِذَا أُوذِيَ فِي اللَّهِ ) أصابه بلاء من الناس افتتن، ( جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذَابِ اللَّهِ ) أي: جعل أذى الناس وعذابهم كعذاب الله في الآخرة، أي: جزع من عذاب الناس ولم يصبر عليه، فأطاع الناس كما يطيع الله من يخاف عذابه، هذا قول السدي وابن زيد، قالا هو المنافق إذا أوذي في الله رجع عن الدين وكفر. ( وَلَئِنْ جَاءَ نَصْرٌ مِنْ رَبِّكَ ) أي: فتح ودولة للمؤمنين، ( لَيَقُولُنَّ ) يعني: هؤلاء المنافقين للمؤمنين: ( إِنَّا كُنَّا مَعَكُمْ ) على عدوكم وكنّا مسلمين وإنما أكرهنا حتى قلنا ما قلنا، فكذبهم الله وقال: ( أَوَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِمَا فِي صُدُورِ الْعَالَمِينَ ) من الإيمان والنفاق.

وَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْمُنَافِقِينَ ( 11 ) وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا اتَّبِعُوا سَبِيلَنَا وَلْنَحْمِلْ خَطَايَاكُمْ وَمَا هُمْ بِحَامِلِينَ مِنْ خَطَايَاهُمْ مِنْ شَيْءٍ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ ( 12 )

( وَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا ) صدقوا فثبتوا على الإسلام عند البلاء، ( وَلَيَعْلَمَنَّ الْمُنَافِقِينَ ) بترك الإسلام عند نـزول البلاء. واختلفوا في نـزول هذه الآية، قال مجاهد: نـزلت في أناس كانوا يؤمنون بألسنتهم، فإذا أصابهم بلاءٌ من الناس أو مصيبة في أنفسهم افتتنوا . وقال عكرمة، عن ابن عباس رضي الله عنهما: نـزلت في الذين أخرجهم المشركون إلى بدر ، وهم الذين نـزلت فيهم: إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ ( النساء- 97 ) . وقال قتادة: نـزلت في القوم الذين ردهم المشركون إلى مكة . وقال الشعبي: هذه الآيات العشر من أول السورة إلى هاهنا مدنية، وباقي السور مكية .

( وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا اتَّبِعُوا سَبِيلَنَا ) قال مجاهد: هذا من قول كفار مكة لمن آمن منهم. وقال الكلبي ومقاتل: قاله أبو سفيان لمن آمن من قريش، « اتبعوا سبيلنا » : ديننا وملة آبائنا، ونحن الكفلاء بكل تبعة من الله تصيبكم، فذلك قوله: ( وَلْنَحْمِلْ خَطَايَاكُمْ ) أوزاركم، قال الفرَّاء: لفظه أمر، ومعناه جزاء مجازه: إن اتبعتم سبيلنا حملنا خطاياكم، كقوله: فَلْيُلْقِهِ الْيَمُّ بِالسَّاحِلِ ( طه- 39 ) . وقيل: هو جزم على الأمر، كأنهم أمروا أنفسهم بذلك، فأكذبهم الله عز وجل فقال: ( وَمَا هُمْ بِحَامِلِينَ مِنْ خَطَايَاهُمْ مِنْ شَيْءٍ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ ) فيما قالوا من حمل خطاياهم.

وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالا مَعَ أَثْقَالِهِمْ وَلَيُسْأَلُنَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَمَّا كَانُوا يَفْتَرُونَ ( 13 ) وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلا خَمْسِينَ عَامًا فَأَخَذَهُمُ الطُّوفَانُ وَهُمْ ظَالِمُونَ ( 14 )

( وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ ) أوزار أعمالهم التي عملوها بأنفسهم، ( وَأَثْقَالا مَعَ أَثْقَالِهِمْ ) أي: أوزار من أضلوا وصدوا عن سبيل الله مع أوزارهم. نظيره قوله عز وجل: لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ ( النحل- 25 ) . ( وَلَيُسْأَلُنَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَمَّا كَانُوا يَفْتَرُونَ ) سؤال توبيخ وتقريع.

قوله تعالى: ( وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلا خَمْسِينَ عَامًا فَأَخَذَهُمُ الطُّوفَانُ ) فغرقوا، ( وَهُمْ ظَالِمُونَ ) قال ابن عباس: مشركون.