فَأَنْجَيْنَاهُ وَأَصْحَابَ السَّفِينَةِ وَجَعَلْنَاهَا آيَةً لِلْعَالَمِينَ ( 15 ) وَإِبْرَاهِيمَ إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ ( 16 ) إِنَّمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثَانًا وَتَخْلُقُونَ إِفْكًا إِنَّ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لا يَمْلِكُونَ لَكُمْ رِزْقًا فَابْتَغُوا عِنْدَ اللَّهِ الرِّزْقَ وَاعْبُدُوهُ وَاشْكُرُوا لَهُ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ( 17 )

( فَأَنْجَيْنَاهُ وَأَصْحَابَ السَّفِينَةِ ) يعني من الغرق، ( وَجَعَلْنَاهَا ) يعني السفينة ( آيَةً ) أي: عبرة، ( لِلْعَالَمِينَ ) فإنها كانت باقية على الجودي مدة مديدة. وقيل: جعلنا عقوبتهم للغرق عبرة. وقال ابن عباس رضي الله عنهما: بعث نوح لأربعين سنة، وبقي في قومه يدعوهم ألف سنة إلا خمسين عامًا، وعاش بعد الطوفان ستين سنة حتى كثر الناس وفشوَا، وكان عمره ألفًا وخمسين سنة.

قوله عز وجل: ( وَإِبْرَاهِيم ) أي: وأرسلنا إبراهيم، ( إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ ) أطيعوا الله وخافوه، ( ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ )

( إِنَّمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثَانًا ) أصنامًا، ( وَتَخْلُقُونَ إِفْكًا ) تقولون كذبا، قال مجاهد: تصنعون أصناما بأيدكم فتسمونها آلهة، ( إِنَّ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لا يَمْلِكُونَ لَكُمْ رِزْقًا ) لا يقدرون أن يرزقوكم، ( فَابْتَغُوا ) فاطلبوا، ( عِنْدَ اللَّهِ الرِّزْقَ وَاعْبُدُوهُ وَاشْكُرُوا لَهُ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ )

وَإِنْ تُكَذِّبُوا فَقَدْ كَذَّبَ أُمَمٌ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلا الْبَلاغُ الْمُبِينُ ( 18 ) أَوَلَمْ يَرَوْا كَيْفَ يُبْدِئُ اللَّهُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ ( 19 ) قُلْ سِيرُوا فِي الأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ثُمَّ اللَّهُ يُنْشِئُ النَّشْأَةَ الآخِرَةَ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ( 20 ) يُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَيَرْحَمُ مَنْ يَشَاءُ وَإِلَيْهِ تُقْلَبُونَ ( 21 ) وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ فِي الأَرْضِ وَلا فِي السَّمَاءِ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ ( 22 )

( وَإِنْ تُكَذِّبُوا فَقَدْ كَذَّبَ أُمَمٌ مِنْ قَبْلِكُمْ ) مثل عاد وثمود وغيرهم فأهلكوا، ( وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلا الْبَلاغُ الْمُبِينُ )

( أَوَلَمْ يَرَوْا كَيْفَ يُبْدِئُ اللَّهُ الْخَلْقَ ) كيف يخلقهم ابتداء نطفة ثم علقة ثم مضغة ( ثُمَّ يُعِيدُهُ ) في الآخرة عند البعث ( إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ )

( قُلْ سِيرُوا فِي الأرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ) فانظروا إلى ديارهم وآثارهم كيف بدأ خلقهم، ( ثُمَّ اللَّهُ يُنْشِئُ النَّشْأَةَ الآخِرَةَ ) أي: ثم الله الذي خلقها ينشئها نشأة ثانية بعد الموت، فكما لم يتعذر عليه إحداثها مبدءًا لا يتعذر عليه إنشاؤها معيدًا. قرأ ابن كثير، وأبو عمرو: ( النَّشْأَة ) بفتح الشين ممدودة حيث وقعت، وقرأ الآخرون بسكون الشين مقصورة نظيرها الرّأفة والرآفة. ( إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ )

( يُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَيَرْحَمُ مَنْ يَشَاءُ وَإِلَيْهِ تُقْلَبُونَ ) تردون.

( وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ فِي الأرْضِ وَلا فِي السَّمَاءِ ) فإن قيل: ما وجه قوله: « ولا في السماء » والخطاب مع الآدميينُ وهم ليسوا في السماء؟.

قال الفراء: معناه ولا من في السماء بمعجز، كقول حسان بن ثابت:

فَمَــنْ يَهْجُــو رسـولَ اللـه مِنْكُـمْ وَيَمْــدَحُــهُ وينْـصُــرُهُ سَــوَاءُ

أراد: من يمدحه ومن ينصره، فأضمر « من » ، يريد: لا يعجزه أهل الأرض في الأرض، ولا أهل السماء في السماء. وقال قطرب: معناه وما أنتم بمعجزين في الأرض ولا في السماء لو كنتم فيها، كقول الرجل: ما يفوتني فلان هاهنا ولا بالبصرة، أي: ولا بالبصرة لو كان بها، ( وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ ) أي: من وليٍّ يمنعكم مني ولا نصير ينصركم من عذابي.

وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَلِقَائِهِ أُولَئِكَ يَئِسُوا مِنْ رَحْمَتِي وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ( 23 )

( وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَلِقَائِهِ ) بالقرآن وبالبعث، ( أُولَئِكَ يَئِسُوا مِنْ رَحْمَتِي ) جنتي، ( أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ) فهذه الآيات في تذكير أهل مكة وتحذيرهم، وهي معترضة في قصة إبراهيم، فقال جل ذكره: فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلا أَنْ قَالُوا اقْتُلُوهُ أَوْ حَرِّقُوهُ فَأَنْجَاهُ اللَّهُ مِنَ النَّار