وَلا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ ( 46 )

قوله تعالى: ( وَلا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ ) لا تخاصموهم، ( إِلا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ) أي: بالقرآن والدعاء إلى الله بآياته والتنبيه على حججهُ وأرادَ مَنْ قَبَلَ الجزية منهم، ( إِلا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ ) أي: أبوا أن يعطوا الجزية ونصبوا الحرب، فجادلوهم بالسيف حتى يسلموا أو يعطوا الجزية، ومجاز الآية: إلا الذين ظلموكم، لأن جميعهم ظالم بالكفر. وقال سعيد بن جبير: هم أهل الحرب ومن لا عهد له. قال قتادة ومقاتل: صارت منسوخة بقوله: قَاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ ( التوبة- 29 ) . ( وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنـزلَ إِلَيْنَا وَأُنـزلَ إِلَيْكُمْ ) يريد إذا أخبركم واحد منهم من قبل الجزية بشيء مما في كتبهم فلا تجادلوهم عليه، ولا تصدقوهم ولا تكذبوهم، وقولوا: آمنا بالذي أنـزل إلينا وأنـزل إليكم.

( وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ ) أخبرنا عبد الواحد المليحي، أخبرنا محمد بن عبد الله النعيمي، أخبرنا محمد بن يوسف، أخبرنا محمد بن إسماعيل، أخبرنا محمد بن بشار، أخبرنا عثمان بن عمر، أخبرنا علي بن المبارك، عن يحيى بن أبي كثير، عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال: كان أهل الكتاب يقرءون التوراة بالعبرانية ويفسرونها بالعربية لأهل الإسلام، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « لا تصدقوا أهل الكتاب ولا تكذبوهم، وقولوا: آمنا بالله وما أنـزل إلينا وما أنـزل إليكم » . أخبرنا أبو سعيد عبد الله بن أحمد الطاهري، أخبرنا عبد الصمد بن عبد الرحمن البزاز، أخبرنا محمد بن زكريا العذافري، أخبرنا إسحاق بن إبراهيم الدبري، أخبرنا عبد الرازق، أخبرنا معمر عن الزهري، أخبرنا ابن أبي نملة الأنصاري أن أباه أبا نملة الأنصاري أخبره: أنه بينا هو جالس عند رسول الله صلى الله عليه وسلم جاءه رجل من اليهود ومرّ بجنازة، فقال: يا محمد هل تتكلم هذه الجنازة؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « الله أعلم » ، فقال اليهودي: إنها تتكلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « ما حدثكم أهل الكتاب فلا تصدقوهم ولا تكذبوهم، وقولوا آمنا بالله وكتبه ورسله، فإن كان باطلا لم تصدقوه وإن كان حقًا لم تكذبوه » .

وَكَذَلِكَ أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ فَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمِنْ هَؤُلاءِ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلا الْكَافِرُونَ ( 47 ) وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ ( 48 )

قوله تعالى: ( وَكَذَلِك ) أي: كما أنـزلنا إليهم الكتب، ( أَنـزلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ فَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يُؤْمِنُونَ بِهِ ) يعني: مؤمني أهل الكتاب، عبدَ الله بن سلام وأصحابه، ( وَمِنْ هَؤُلاءِ ) يعني: أهل مكة، ( مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ ) وهم مؤمنو أهل مكةُ ( وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلا الْكَافِرُونَ ) ، وذلك أن اليهود عرفوا أن محمدًا نبيٌ، والقرآن حقّ، فجحدوا. قال قتادة: الجحود إنما يكون بعد المعرفة.

( وَمَا كُنْتَ تَتْلُو ) يا محمد، ( مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ ) قبل ما أنـزل إليك الكتاب، ( وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ ) ولا تكتبه، أي: لم تكن تقرأ ولا تكتب قبل الوحي، ( إِذًا لارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ ) يعني لو كنت تكتب أو تقرأ الكتب قبل الوحي لشك المبطلون المشركون من أهل مكة، وقالوا: إنه يقرؤه من كتب الأولين وينسخه منها، قاله قتادة. وقال مقاتل: « المبطلون » هم اليهود، ومعناه: إذًا لشكوا فيك واتهموك، وقالوا إن الذي نجد نعته في التوراة أمي لا يقرأ ولا يكتب وليس هذا على ذلك النعت .

بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلا الظَّالِمُونَ ( 49 ) وَقَالُوا لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَاتٌ مِنْ رَبِّهِ قُلْ إِنَّمَا الآيَاتُ عِنْدَ اللَّهِ وَإِنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ ( 50 ) أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ( 51 ) قُلْ كَفَى بِاللَّهِ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ شَهِيدًا يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَالَّذِينَ آمَنُوا بِالْبَاطِلِ وَكَفَرُوا بِاللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ ( 52 )

( بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ ) قال الحسن: يعني القرآن آيات بينات، ( فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ ) يعني المؤمنين الذين حملوا القرآن. وقال ابن عباس رضي الله عنهما، وقتادة: بل هو - يعني محمدا صلى الله عليه وسلم- ذو آيات بينات في صدور الذين أوتوا العلم من أهل الكتاب، لأنهم يجدونه بنعته وصفته في كتبهم ، ( وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلا الظَّالِمُونَ )

( وَقَالُوا لَوْلا أُنـزلَ عَلَيْهِ آيَاتٌ مِنْ رَبِّهِ ) كما أنـزل على الأنبياء من قبل، قرأ ابن كثير، وحمزة، والكسائي، وأبو بكر: « آية » على التوحيد، وقرأ الآخرون: « آيات من ربه » لقوله عز وجل: ( قُلْ إِنَّمَا الآيَاتُ عِنْدَ اللَّهِ ) القادر على إرسالها إذا شاء أرسلها، ( وَإِنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ ) أنذر أهل المعصية بالنار، وليس إنـزال الآيات بيدي.

( أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ ) هذا الجواب لقوله: « لولا أنـزل عليه آيات من ربه » قال: ( أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنـزلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ ) [ يعني: أولم يكفهم من الآيات القرآن يتلى عليهم ] ، ( إِنَّ فِي ذَلِكَ ) في إنـزال القرآن، ( لَرَحْمَةً وَذِكْرَى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ) أي: تذكيرا وعظة لمن آمن وعمل به.

( قُلْ كَفَى بِاللَّهِ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ شَهِيدًا ) أني رسوله وهذا القرآن كتابه، ( يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَالَّذِينَ آمَنُوا بِالْبَاطِلِ ) قال ابن عباس: بغير الله. وقال مقاتل: بعبادة الشيطان، ( وَكَفَرُوا بِاللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ )