وَعْدَ اللَّهِ لا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ ( 6 ) يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ ( 7 ) أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ مَا خَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلا بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُسَمًّى وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ لَكَافِرُونَ ( 8 ) أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَأَثَارُوا الأَرْضَ وَعَمَرُوهَا أَكْثَرَ مِمَّا عَمَرُوهَا وَجَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ ( 9 )

( وَعْدَ اللَّهُ ) نصب على المصدر، أي: وعد الله وعدًا بظهور الروم على فارس، ( لا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ ) ( يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ) يعني: أمر معاشهم، كيف يكتسبون ويتجرون، ومتى يغرسون ويزرعون ويحصدون، وكيف يبنون ويعيشون، قال الحسن: إن أحدهم لينقر الدرهم بطرف ظفره فيذكر وزنه ولا يخطئ وهو لا يحسن يصلي ( وَهُمْ عَنِ الآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ ) ساهون عنها جاهلون بها، لا يتفكرون فيها ولا يعملون لها. ( أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ مَا خَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلا بِالْحَقِّ ) أي: للحق، وقيل: لإقامة الحق، ( وَأَجَلٍ مُسَمًّى ) أي: لوقت معلوم إذ انتهت إليه فنيت، وهو القيامة، ( وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ لَكَافِرُونَ ) ( أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ ) أولم يسافروا في الأرض فينظروا إلى مصارع الأمم قبلهم فيعتبرواُ ( كَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَأَثَارُوا الأرْضَ ) حرثوها وقلبوها للزراعة، ( وَعَمَرُوهَا أَكْثَرَ مِمَّا عَمَرُوهَا ) [ أي: أكثر مما عمرها ] أهل مكة، قيل: قال ذلك لأنه لم يكن لأهل مكة حرث، ( وَجَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ ) فلم يؤمنوا فأهلكهم الله، ( فَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ ) بنقص حقوقهم، ( وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ ) ببخس حقوقهم.

ثُمَّ كَانَ عَاقِبَةَ الَّذِينَ أَسَاءُوا السُّوءَى أَنْ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَكَانُوا بِهَا يَسْتَهْزِئُونَ ( 10 ) اللَّهُ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ( 11 ) وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُبْلِسُ الْمُجْرِمُونَ ( 12 ) وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ مِنْ شُرَكَائِهِمْ شُفَعَاءُ وَكَانُوا بِشُرَكَائِهِمْ كَافِرِينَ ( 13 ) وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَتَفَرَّقُونَ ( 14 )

( ثُمَّ كَانَ عَاقِبَةَ الَّذِينَ أَسَاءُوا ) أي: أساءوا العمل، ( السُّوءَى ) يعني: الخلة التي تسوؤهم وهي النار، وقيل: « السوءى » اسم لجهنم، كما أن « الحسنى » اسم للجنة ، ( أَنْ كَذَّبُوا ) أي: لأن كذبوا. وقيل تفسير « السوءى » ما بعده، وهو قوله: « أن كذبوا » يعني: ثم كان عاقبة المسيئين التكذيب حملهم تلك السيئات على أن كذبوا، ( أَنْ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَكَانُوا بِهَا يَسْتَهْزِئُونَ ) قرأ أهل الحجاز والبصرة: « عاقبةُ » بالرفع، أي: ثم كان آخر أمرهم السوء، وقرأ الآخرون بالنصب على خبر كان، تقديره: ثم كان السوءى عاقبة الذين أساءوا. قوله تعالى: ( اللَّهُ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ ) أي: يخلقهم ابتداء ثم يعيدهم بعد الموت أحياءٌ، ولم يقل: يعيدهم، رده إلى الخلق، ( ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ) فيجزيهم بأعمالهم. قرأ أبو عمرو، وأبو بكر: « يرجعون » بالياء، والآخرون بالتاء. ( وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُبْلِسُ الْمُجْرِمُونَ ) قال قتادة، والكلبي: ييأس المشركون من كل خير. وقال الفراء: ينقطع كلامهم وحجتهم . وقال مجاهد: يفتضحون. ( وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ مِنْ شُرَكَائِهِمْ شُفَعَاءُ وَكَانُوا بِشُرَكَائِهِمْ كَافِرِينَ ) جاحدين متبرئين يتبرءون منها وتتبرأ منهم. ( وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَتَفَرَّقُونَ ) أي: يتميز أهل الجنة من أهل النار. وقال مقاتل: يتفرقون بعد الحساب إلى الجنة والنار فلا يجتمعون أبدًا.

فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَهُمْ فِي رَوْضَةٍ يُحْبَرُونَ ( 15 )

( فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَهُمْ فِي رَوْضَةٍ ) وهي البستان الذي في غاية النضارة، ( يُحْبَرُون ) قال ابن عباس: يكرمون. وقال مجاهد وقتادة: ينعمون. وقال أبو عبيدة: يسرون. و « الحَبْرة » : السرور. وقيل: « الحبرة » في اللغة: كل نعمة حسنة، والتحبير التحسين. وقال الأوزاعي عن يحيى بن أبي كثير: « تحبرون » هو السماع في الجنة . وقال الأوزاعي: إذا أخذ في السماع لم يبق في الجنة شجرة إلا وردت، وقال: ليس أحد من خلق الله أحسن صوتًا من إسرافيل، فإذا أخذ في السماع قطع على أهل سبع سماوات صلاتهم وتسبيحهم.