وَلَئِنْ أَرْسَلْنَا رِيحًا
فَرَأَوْهُ مُصْفَرًّا لَظَلُّوا مِنْ بَعْدِهِ يَكْفُرُونَ ( 51 )
فَإِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتَى وَلا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ إِذَا وَلَّوْا
مُدْبِرِينَ ( 52 )
وَمَا أَنْتَ بِهَادِ الْعُمْيِ عَنْ ضَلالَتِهِمْ إِنْ تُسْمِعُ إِلا مَنْ
يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا فَهُمْ مُسْلِمُونَ ( 53 )
اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً
ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَهُوَ
الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ ( 54 )
( وَلَئِنْ أَرْسَلْنَا رِيحًا
) باردة مضرة فأفسدت الزرع، (
فَرَأَوْهُ مُصْفَرًّا ) أي: رأوا النبت والزرع
مصفَرًّا بعد الخضرة، ( لَظَلُّوا )
لصاروا، ( مِنْ بَعْدِهِ ) أي: من
بعد اصفرار الزرع، ( يَكْفُرُون ) يجحدون
ما سلف من النعمة، يعني: أنهم يفرحون عند الخصب، ولو أرسلت عذابًا على زرعهم جحدوا
سالف نعمتي. ( فَإِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتَى وَلا تُسْمِعُ الصُّمَّ
الدُّعَاءَ إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ * وَمَا أَنْتَ بِهَادِ الْعُمْيِ عَنْ
ضَلالَتِهِمْ إِنْ تُسْمِعُ إِلا مَنْ يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا فَهُمْ مُسْلِمُونَ ) . (
اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ) قرئ
بضم الضاد وفتحها، فالضم لغة قريش، والفتح لغة تميم، ومعنى « من ضعف
» ، أي: من نطفة، يريد من ذي ضعف، أي: من ماء ذي ضعف كما قال
تعالى: أَلَمْ نَخْلُقْكُمْ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ (
المرسلات- 20 ) ، ( ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ
ضَعْفٍ قُوَّةً ) بعد ضعف الطفولية شبابًا، وهو
وقت القوة، ( ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا ) هرمًا،
( وَشَيْبَةً يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ ) الضعف
والقوة والشباب والشيبة، ( وَهُوَ الْعَلِيمُ ) بتدبير
خلقه، ( الْقَدِيرُ ) على ما
يشاء.
وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ
يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ مَا لَبِثُوا غَيْرَ سَاعَةٍ كَذَلِكَ كَانُوا
يُؤْفَكُونَ ( 55 )
وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَالإِيمَانَ لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتَابِ
اللَّهِ إِلَى يَوْمِ الْبَعْثِ فَهَذَا يَوْمُ الْبَعْثِ وَلَكِنَّكُمْ كُنْتُمْ
لا تَعْلَمُونَ ( 56 )
(
وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ ) يحلف
المشركون، ( مَا لَبِثُوا ) في
الدنيا، ( غَيْرَ سَاعَةٍ ) إلا
ساعة، استقلُّوا أجل الدنيا لمَّا عاينوا الآخرة. وقال مقاتل والكلبي: ما لبثوا في
قبورهم غير ساعة كما قال: كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ مَا يُوعَدُونَ لَمْ
يَلْبَثُوا إِلا سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ (
الأحقاف- 35 ) . ( كَذَلِكَ كَانُوا
يُؤْفَكُونَ ) يصرفون عن الحق في الدنيا، قال الكلبي ومقاتل: كذبوا في
قولهم غير ساعة كما كذبوا في الدنيا أن لا بعث. والمعنى أن الله أراد أن يفضحهم
فحلفوا على شيء تبين لأهل الجمع أنهم كاذبون فيه ، وكان ذلك بقضاء الله وبقدره
بدليل قوله: « يُؤْفَكُونَ » ، أي:
يصرفون عن الحق. ثم ذكر إنكار المؤمنين عليهم كذبهم فقال: (
وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَالإيمَانَ لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتَابِ
اللَّهِ ) ( وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا
الْعِلْمَ وَالإيمَانَ لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتَابِ اللَّهِ ) أي:
فيما كتب الله لكم في سابق علمه من اللبث في القبور . وقيل: « في
كتاب الله » أي: في حكم الله ، وقال قتادة ومقاتل: فيه تقديم وتأخير
معناه. وقال الذين أوتوا العلم في كتاب الله والإيمان: لقد لبثتم إلى يوم البعث،
يعني الذين يعلمون كتاب الله ، وقرأوا قوله تعالى: وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ
إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ ( المؤمنون- 100 ) ، أي:
قالوا للمنكرين: لقد لبثتم، ( إِلَى يَوْمِ الْبَعْثِ
فَهَذَا يَوْمُ الْبَعْثِ ) الذي كنتم تنكرونه في الدنيا،
( وَلَكِنَّكُمْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ ) وقوعه
في الدنيا فلا ينفعكم العلم به الآن بدليل قوله تعالى: فَيَوْمَئِذٍ لا يَنْفَعُ
الَّذِينَ ظَلَمُوا مَعْذِرَتُهُمْ
فَيَوْمَئِذٍ لا يَنْفَعُ
الَّذِينَ ظَلَمُوا مَعْذِرَتُهُمْ وَلا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ ( 57 )
وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ وَلَئِنْ
جِئْتَهُمْ بِآيَةٍ لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ أَنْتُمْ إِلا
مُبْطِلُونَ ( 58 )
كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ ( 59 )
فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لا
يُوقِنُونَ ( 60 )
( فَيَوْمَئِذٍ لا يَنْفَعُ
الَّذِينَ ظَلَمُوا مَعْذِرَتُهُمْ ) يعني
عذرهم، ( وَلا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ ) لا
يطلب منهم العتبى والرجوع في الآخرة، قرأ أهل الكوفة: ( لا
يَنْفَعُ ) بالياء هاهنا وفي « حم » المؤمن
[ ووافق نافع في « حم »
المؤمن ] ، وقرأ الباقون بالتاء فيهما. (
وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ وَلَئِنْ
جِئْتَهُمْ بِآيَةٍ لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ أَنْتُمْ إِلا
مُبْطِلُونَ ) ما أنتم إلا على باطل. (
كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ ) توحيد
الله. ( فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ ) في
نصرتك وإظهارك على عدوك ( وَلا يَسْتَخِفَّنَّكَ ) لا
يستجهلنك، معناه: لا يحملنك الذين لا يوقنون على الجهل واتباعهم في الغي. وقيل: لا
يستخفن رأيك وحلمك، ( الَّذِينَ لا يُوقِنُونَ ) بالبعث
والحساب.