تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلامٌ وَأَعَدَّ لَهُمْ أَجْرًا كَرِيمًا ( 44 )

( تَحِيَّتُهُمْ ) أي: تحية المؤمنين, ( يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ ) أي: يرون الله, ( سَلامٌ ) أي: يسلم الله عليهم, ويسلمهم من جميع الآفات.

وروي عن البراء بن عازب قال: « تحيتهم يوم يلقونه » , يعني: يلقون ملك الموت, لا يقبض روح مؤمن إلا يسلم عليه .

وعن ابن مسعود قال: إذا جاء ملك الموت ليقبض روح المؤمن قال: ربك يقرئك السلام .

وقيل: تسلم عليهم الملائكة وتبشرهم حين يخرجون من قبورهم ( وَأَعَدَّ لَهُمْ أَجْرًا كَرِيمًا ) يعني: الجنة.

يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا ( 45 ) وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا ( 46 ) وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ فَضْلا كَبِيرًا ( 47 ) وَلا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ وَدَعْ أَذَاهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلا ( 48 ) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا فَمَتِّعُوهُنَّ وَسَرِّحُوهُنَّ سَرَاحًا جَمِيلا ( 49 )

قوله عز وجل: ( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا ) أي: شاهدا للرسل بالتبليغ, ومبشرا لمن آمن بالجنة, ونذيرا لمن كذب بآياتنا بالنار. ( وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ ) إلى توحيده وطاعته, ( بِإِذْنِهِ ) بأمره, ( وَسِرَاجًا مُنِيرًا ) سماه سراجًا لأنه يهتدي به كالسراج يستضاء به في الظلمة. ( وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ فَضْلا كَبِيرًا ) . ( وَلا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ ) ذكرنا تفسيره في أول السورة, ( وَدَعْ أَذَاهُمْ ) قال ابن عباس وقتادة: اصبر على أذاهم. وقال الزجاج: لا تجازهم عليه. وهذا منسوخ بآية القتال .

( وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلا ) حافظًا. قوله عز وجل: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ ) فيه دليل على أن الطلاق قبل النكاح غير واقع لأن الله تعالى رتب الطلاق على النكاح, حتى لو قال لامرأة أجنبية: إذا نكحتك فأنت طالق, وقال: كل امرأة أنكحها فهي طالق, فنكح, لا يقع الطلاق. وهو قول علي, وابن عباس, وجابر, ومعاذ, وعائشة, وبه قال سعيد بن المسيب, وعروة, وشريح وسعيد بن جبير, والقاسم وطاووس, والحسن, وعكرمة, وعطاء, وسليمان بن يسار, ومجاهد, والشعبي, وقتادة, وأكثر أهل العلم رضي الله عنهم, وبه قال الشافعي.

وروي عن ابن مسعود: أنه يقع الطلاق, وهو قول إبراهيم النخعي, وأصحاب الرأي.

وقال ربيعة, ومالك, والأوزاعي: إن عين امرأة يقع, وإن عم فلا يقع.

وروى عكرمة عن ابن عباس أنه قال: كذبوا على ابن مسعود, إن كان قالها فزلة من عالم في الرجل يقول: إن تزوجت فلانة فهي طالق, يقول الله تعالى: « إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن » , ولم يقل إذا طلقتموهن ثم نكحتموهن .

أخبرنا أبو سعيد الشريحي, أخبرنا أبو إسحاق الثعلبي, أخبرنا الحسين بن محمد الديموري, أخبرنا عمر بن أحمد بن القاسم النهاوندي, أخبرنا أبو بكر محمد بن إبراهيم بن المنذر النيسابوري بمكة, أخبرنا الربيع بن سليمان, أخبرنا أيوب بن سويد, أخبرنا ابن أبي ذئب عن عطاء, عن جابر قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « لا طلاق قبل النكاح » .

قوله عز وجل: ( مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ ) تجامعوهن, ( فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا ) تحصونها بالأقراء والأشهر, ( فَمَتِّعُوهُنَّ ) أي: أعطوهن ما يستمتعن به. قال ابن عباس: هذا إذا لم يكن سمى لها صداقًا فلها المتعة, فإن كان قد فرض لها صداقًا فلها نصف الصداق ولا متعة لها.

وقال قتادة: هذه الآية منسوخة بقوله: فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ ( البقرة- 237 ) .

وقيل: هذا أمر ندب, فالمتعة مستحبة لها مع نصف المهر.

وذهب بعضهم إلى إنها تستحق المتعة بكل حال لظاهر الآية.

( وَسَرِّحُوهُنَّ سَرَاحًا جَمِيلا ) خلوا سبيلهن بالمعروف من غير ضرار.

يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ اللاتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ وَمَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْكَ وَبَنَاتِ عَمِّكَ وَبَنَاتِ عَمَّاتِكَ وَبَنَاتِ خَالِكَ وَبَنَاتِ خَالاتِكَ اللاتِي هَاجَرْنَ مَعَكَ وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَهَا خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ قَدْ عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ فِي أَزْوَاجِهِمْ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ لِكَيْلا يَكُونَ عَلَيْكَ حَرَجٌ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا ( 50 )

قوله عز وجل: ( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ اللاتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ ) أي: مهورهن, ( وَمَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْكَ ) رد عليك من الكفار بأن تسبي فتملك مثل صفية وجويرية, وقد كانت مارية مما ملكت يمينه فولدت له إبراهيم , ( وَبَنَاتِ عَمِّكَ وَبَنَاتِ عَمَّاتِكَ ) يعني: نساء قريش, ( وَبَنَاتِ خَالِكَ وَبَنَاتِ خَالاتِكَ ) يعني: نساء بني زهرة, ( اللاتِي هَاجَرْنَ مَعَكَ ) إلى المدينة فمن لم تهاجر منهن معه لم يجز له نكاحها.

وروى أبو صالح عن أم هانئ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما فتح مكة خطبني فأنـزل الله هذه الآية فلم أحل له, لأني لم أكن من المهاجرات وكنت من الطلقاء, ثم نسخ شرط الهجرة في التحليل .

( وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَهَا خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ ) أي. أحللنا لك امرأة مؤمنة وهبت نفسها لك بغير صداق, فأما غير المؤمنة فلا تحل له إذا وهبت نفسها منه.

واختلفوا في أنه هل كان يحل للنبي صلى الله عليه وسلم نكاح اليهودية والنصرانية بالمهر؟

فذهب جماعة إلى أنه كان لا يحل له ذلك, لقوله: « وامرأة مؤمنة » , وأول بعضهم الهجرة في قوله: « اللاتي هاجرن معك » على الإسلام, أي: أسلمن معك. فيدل ذلك على أنه لا يحل له نكاح غير المسلمة, وكان النكاح ينعقد [ في حقه ] بمعنى الهبة من غير ولي ولا شهود ولا مهر, وكان ذلك من خصائصه صلى الله عليه وسلم في النكاح لقوله تعالى: ( خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ ) كالزيادة على الأربع, ووجوب تخيير النساء كان من خصائصه ولا مشاركة لأحد معه فيه.

واختلف أهل العلم في انعقاد النكاح بلفظ الهبة في حق الأمة؟ فذهب أكثرهم إلى أنه لا ينعقد إلا بلفظ الإنكاح والتزويج, وهو قول سعيد بن المسيب, والزهري, ومجاهد, وعطاء, وبه قال ربيعة ومالك والشافعي.

وذهب قوم إلى أنه ينعقد بلفظ الهبة والتمليك, وهو قول إبراهيم النخعي, وأهل الكوفة.

ومن قال لا ينعقد إلا بلفظ الإنكاح أو التزويج اختلفوا في نكاح النبي صلى الله عليه وسلم: فذهب قوم إلى أنه كان ينعقد بلفظ الهبة, لقوله تعالى: « خالصة لك من دون المؤمنين » .

وذهب آخرون إلى أنه لا ينعقد إلا بلفظ الإنكاح أو التزويج كما في حق الأمة لقوله عز وجل: ( إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَهَا ) وكان اختصاصه صلى الله عليه وسلم في ترك المهر لا في لفظ النكاح .

واختلفوا في التي وهبت نفسها لرسول الله صلى الله عليه وسلم وهل كانت عنده امرأة منهن؟.

فقال عبد الله بن عباس, ومجاهد: لم يكن عند النبي صلى الله عليه وسلم امرأة وهبت نفسها منه, ولم يكن عنده امرأة إلا بعقد نكاح أو ملك يمين, [ وقوله: « إن وهبت نفسها » على طريق الشرط والجزاء.

وقال آخرون: بل كانت عنده موهوبة, واختلفوا فيها ] فقال الشعبي: هي زينب بنت خزيمة الهلالية, يقال لها: أم المساكين.

وقال قتادة: هي ميمونة بنت الحارث.

وقال علي بن الحسين, والضحاك ومقاتل: هي أم شريك بنت جابر من بني أسد.

وقال عروة بن الزبير: هي خولة بنت حكيم من بني سليم.

قوله عز وجل: ( قَدْ عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ ) أي: أوجبنا على المؤمنين, ( فِي أَزْوَاجِهِمْ ) من الأحكام أن لا يتزوجوا أكثر من أربع ولا يتزوجوا إلا بولي وشهود ومهر, ( وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ ) أي: ما أوجبنا من الأحكام في ملك اليمين, ( لِكَيْلا يَكُونَ عَلَيْكَ حَرَجٌ ) وهذا يرجع إلى أول الآية أي: أحللنا لك أزواجك وما ملكت يمينك والموهوبة لك لكي لا يكون عليك حرج وضيق. ( وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا )