وَلا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ إِلا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُوا الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ ( 23 )

( وَلا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ إِلا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ ) الله في الشفاعة, قاله تكذيبًا لهم حيث قالوا: هؤلاء شفعاؤنا عند الله, ويجوز أن يكون المعنى إلا لمن أذن الله في أن يشفع له, وقرأ أبو عمرو وحمزة والكسائي: ( أذن ) بضم الهمزة.

( حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ ) قرأ ابن عامر, ويعقوب بفتح الفاء والزاي, وقرأ الآخرون بضم الفاء وكسر الزاي أي: كشف الفزع وأخرج عن قلوبهم, فالتفريغ إزالة الفزع كالتمريض والتفريد.

واختلفوا في الموصوفين بهذه الصفة, فقال قوم: هم الملائكة, ثم اختلفوا في ذلك السبب فقال بعضهم: إنما يفزع عن قلوبهم من غشية تصيبهم عند سماع كلام الله عز وجل. وروينا عن أبي هريرة أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال: « إذا قضى الله الأمر في السماء ضربت الملائكة بأجنحتها خضعانًا لقوله كأنه سلسلة على صفوان فإذا فزع عن قلوبهم ( قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُوا الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ ) »

أخبرنا أبو سعيد الشريحي, أخبرنا أبو إسحاق الثعلبي, قال: أنبأني محمد بن الفضل بن محمد, أخبرنا أبو بكر محمد بن إسحاق بن خزيمة, أخبرنا زكريا بن يحيى بن أبان المصري, أخبرنا نعيم بن حماد, أخبرنا أبو الوليد بن مسلم, عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر, عن أبي زكريا, عن رجاء بن حيوة, عن النواس بن سمعان قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « إذا أراد الله أن يوحي بالأمر تكلم بالوحي أخذت السموات منه رجفة أو قال: رعدة شديدة خوفًا من الله تعالى, فإذا سمع بذلك أهل السموات صعقوا وخروا لله سجدًا, فيكون أول من يرفع رأسه جبريل, فيكلمه الله من وحيه بما أراد, ثم يمر جبريل على الملائكة كلما مر بسماء سأله ملائكتها ماذا قال ربنا يا جبريل؟ فيقول جبريل: قال الحق وهو العلي الكبير, قال فيقولون كلهم مثل ما قال جبريل, فينتهي جبريل بالوحي حيث أمره الله » .

وقال بعضهم إنما يفزعون حذرًا من قيام الساعة.

قال مقاتل والكلبي والسدي: كانت الفترة بين عيسى ومحمد عليهما السلام, خمسمائة وخمسين سنة, وقيل ستمائة سنة لم تسمع الملائكة فيها وحيًا, فلما بعث الله محمدًا صلى الله عليه وسلم بالرسالة فلما سمعت الملائكة ظنوا أنها الساعة, لأن محمدًا صلى الله عليه وسلم عند أهل السموات من أشراط الساعة, فصعقوا مما سمعوا خوفًا من قيام الساعة, فلما انحدر جبريل جعل يمر بأهل كل سماء فيكشف عنهم فيرفعون رؤوسهم ويقول بعضهم لبعض: ماذا قال ربكم؟ قالوا: قال الحق, يعني الوحي, وهو العلي الكبير.

وقال جماعة: الموصوفون بذلك المشركون.

قال الحسن وابن زيد: حتى إذا كشف الفزع عن قلوب المشركين عند نـزول الموت بهم إقامة للحجة عليهم قالت لهم الملائكة ماذا قال ربكم في الدنيا؟ قالوا: الحق, فأقروا به حين لا ينفعهم الإقرار.

قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ قُلِ اللَّهُ وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ ( 24 ) قُلْ لا تُسْأَلُونَ عَمَّا أَجْرَمْنَا وَلا نُسْأَلُ عَمَّا تَعْمَلُونَ ( 25 ) قُلْ يَجْمَعُ بَيْنَنَا رَبُّنَا ثُمَّ يَفْتَحُ بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَهُوَ الْفَتَّاحُ الْعَلِيمُ ( 26 ) قُلْ أَرُونِيَ الَّذِينَ أَلْحَقْتُمْ بِهِ شُرَكَاءَ كَلا بَلْ هُوَ اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ( 27 ) وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ ( 28 )

قوله تعالى: ( قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ ) فالرزق من السموات: المطر, ومن الأرض: النبات, ( قُلِ اللَّهُ ) أي: إن لم يقولوا رازقنا الله فقل أنت إن رازقكم هو الله, ( وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ ) ليس هذا على طريق الشك ولكن على جهة الإنصاف في الحجاج, كما يقول القائل للآخر: أحدنا كاذب, وهو يعلم أنه صادق وصاحبه كاذب.

والمعنى: ما نحن وأنتم على أمر واحد بل أحد الفريقين مهتد والآخر ضال, فالنبي صلى الله عليه وسلم ومن اتبعه على الهدى, ومن خالفه في ضلال, فكذبهم من غير أن يصرح بالتكذيب.

وقال بعضهم: « أو » بمعنى الواو, والألف فيه صلة, كأنه قال: وإنا وإياكم لعلى هدى أو في ضلال مبين, يعني: نحن على الهدى وأنتم في الضلال. ( قُلْ لا تُسْأَلُونَ عَمَّا أَجْرَمْنَا وَلا نُسْأَلُ عَمَّا تَعْمَلُونَ ) ( قُلْ يَجْمَعُ بَيْنَنَا رَبُّنَا ) يعني: يوم القيامة, ( ثُمَّ يَفْتَحُ ) يقضي, ( بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَهُوَ الْفَتَّاحُ الْعَلِيمُ ) ( قُلْ أَرُونِيَ الَّذِينَ أَلْحَقْتُمْ بِهِ شُرَكَاءَ ) أي: أعلموني الذين ألحقتموهم به, أي: بالله, شركاء في العبادة معه هل يخلقون وهل يرزقون, ( كَلا ) لا يخلقون ولا يرزقون, ( بَلْ هُوَ اللَّهُ الْعَزِيزُ ) الغالب على أمره, ( الْحَكِيمُ ) في تدبيره لخلقه فأنى يكون له شريك في ملكه. قوله عز وجل: ( وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا كَافَّةً لِلنَّاسِ ) يعني: للناس عامة أحمرهم وأسودهم, ( بَشِيرًا وَنَذِيرًا ) أي: مبشرًا ومنذرًا, ( وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ ) وروينا عن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: « كان النبي يبعث إلى قومه خاصة وبعثت إلى الناس عامة » .

وقيل: كافة أي: كافًا يكفهم عما هم عليه من الكفر, والهاء للمبالغة.

وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ( 29 ) قُلْ لَكُمْ مِيعَادُ يَوْمٍ لا تَسْتَأْخِرُونَ عَنْهُ سَاعَةً وَلا تَسْتَقْدِمُونَ ( 30 ) وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ نُؤْمِنَ بِهَذَا الْقُرْآنِ وَلا بِالَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ مَوْقُوفُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ يَرْجِعُ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ الْقَوْلَ يَقُولُ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لَوْلا أَنْتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ ( 31 )

( وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ) يعني القيامة. ( قُلْ لَكُمْ مِيعَادُ يَوْمٍ لا تَسْتَأْخِرُونَ عَنْهُ سَاعَةً وَلا تَسْتَقْدِمُونَ ) أي: لا تتقدمون عليه يعني يوم القيامة, وقال الضحاك: يوم الموت لا تتأخرون عنه ولا تتقدمون بأن يزاد في أجلكم أو ينقص منه. ( وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ نُؤْمِنَ بِهَذَا الْقُرْآنِ وَلا بِالَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ ) يعني: التوراة والإنجيل, ( وَلَوْ تَرَى ) يا محمد, ( إِذِ الظَّالِمُونَ مَوْقُوفُونَ ) محبوسون, ( عِنْدَ رَبِّهِمْ يَرْجِعُ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ الْقَوْلَ ) يرد بعضهم إلى بعض القول في الجدال, ( يَقُولُ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا ) استحقروا وهم الأتباع, ( لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا ) وهم القادة والأشراف, ( لَوْلا أَنْتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ ) أي: أنتم منعتمونا عن الإيمان بالله ورسوله.