وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الأُمُورُ ( 4 ) يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ ( 5 )

( وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ ) يعزي نبيه صلى الله عليه وسلم, ( وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الأمُورُ ) ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ ) يعني وعد يوم القيامة, ( فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ ) وهو الشيطان.

إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ ( 6 ) الَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ ( 7 ) أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَنًا فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ ( 8 )

( إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا ) أي: عادوه بطاعة الله ولا تطيعوه, ( إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ ) أي: أشياعه وأولياءه ( لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ ) أي: ليكونوا في السعير, ثم بين حال موافقيه ومخالفيه فقال: ( الَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ ) قوله تعالى: ( أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ ) قال ابن عباس: نـزلت في أبي جهل ومشركي مكة.

وقال سعيد بن جبير: نـزلت في أصحاب الأهواء والبدع.

وقال قتادة: منهم الخوارج الذين يستحلون دماء المسلمين وأموالهم, فأما أهل الكبائر فليسوا منهم, لأنهم لا يستحلون الكبائر.

( أَفَمَنْ زُيِّنَ ) شبه وموه عليه وحسن ( لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ ) أي: قبيح عمله, ( فَرَآهُ حَسَنًا ) زين له الشيطان ذلك بالوسواس.

وفي الآية حذف مجازه: أفمن زين له سوء عمله فرأى الباطل حقا كمن هداه الله فرأى الحق حقًا والباطل باطلا؟ ( فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ )

وقيل: جوابه تحت قوله ( فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ ) فيكون معناه: أفمن زين له سوء عمله فأضله الله ذهبت نفسك عليه حسرة, أي: تتحسر عليه فلا تذهب نفسك عليهم حسرات.

وقال الحسين بن الفضل: فيه تقديم وتأخير مجازه: أفمن زين له سوء عمله فرآه حسنا فلا تذهب نفسك عليهم حسرات, فإن الله يضل من يشاء ويهدي من يشاء, والحسرة شدة الحزن على ما فات من الأمر, ومعنى الآية: لا تغتم بكفرهم وهلاكهم إن لم يؤمنوا.

وقرأ أبو جعفر: « فلا تذهب » بضم التاء وكسر الهاء « نفسك » نصب, ( إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ )

وَاللَّهُ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا فَسُقْنَاهُ إِلَى بَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَحْيَيْنَا بِهِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا كَذَلِكَ النُّشُورُ ( 9 ) مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئَاتِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَكْرُ أُولَئِكَ هُوَ يَبُورُ ( 10 )

( وَاللَّهُ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا فَسُقْنَاهُ إِلَى بَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَحْيَيْنَا بِهِ الأرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا كَذَلِكَ النُّشُورُ ) من القبور. قوله عز وجل: ( مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا ) قال الفراء: معنى الآية من كان يريد أن يعلم لمن العزة فلله العزة جميعا.

وقال قتادة: من كان يريد العزة فليتعزز بطاعة الله معناه الدعاء إلى طاعة من له العزة, أي: فليطلب العزة من عند الله بطاعته, كما يقال: من كان يريد المال فالمال لفلان, أي: فليطلبه من عنده, وذلك أن الكفار عبدوا الأصنام وطلبوا به التعزيز كما قال الله: وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ آلِهَةً لِيَكُونُوا لَهُمْ عِزًّا * كَلا ( مريم- 81 ) , وقال: الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا ( النساء- 139 ) .

( إِلَيْهِ ) أي: إلى الله, ( يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ ) وهو قوله لا إله إلا الله, وقيل: هو قول الرجل: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر.

أخبرنا عبد الواحد المليحي, أخبرنا أبو منصور السمعاني, أخبرنا أبو جعفر الرياني, أخبرنا حميد ابن زنجويه, أخبرنا الحجاج بن نصر, أخبرنا المسعودي عن عبد الله بن المحارق, عن أبيه, عن ابن مسعود قال: إذا حدثتكم حديثا أنبأتكم بمصداقه من كتاب الله عز وجل: ما من عبد مسلم يقول خمس كلمات: سبحان الله, والحمد لله, ولا إله إلا الله, والله أكبر, وتبارك الله, إلا أخذهن ملك فجعلهن تحت جناحه ثم صعد بهن فلا يمر بهن على جمع من الملائكة إلا استغفروا لقائلهن حتى يحيي بها وجه رب العالمين, ومصداقه من كتاب الله عز وجل قوله: ( إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ ) ذكره ابن مسعود.

وقيل: « الكلم الطيب » : ذكر الله. وعن قتادة: « إليه يصعد الكلم الطيب » أي: يقبل الله الكلم الطيب.

قوله عز وجل: ( وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ ) أي: يرفع العمل الصالح الكلم الطيب, فالهاء في قوله يرفعه راجعة إلى الكلم الطيب, وهو قول ابن عباس, وسعيد بن جبير, والحسن, وعكرمة, وأكثر المفسرين.

وقال الحسن وقتادة: الكلم الطيب ذكر الله والعمل الصالح أداء فرائضه, فمن ذكر الله ولم يؤد فرائضه رد كلامه على عمله, وليس الإيمان بالتمني ولا بالتحلي ولكن ما وقر في القلوب وصدقته الأعمال, فمن قال حسنًا وعمل غير صالح رد الله عليه قوله, ومن قال حسنا وعمل صالحًا يرفعه العمل ذلك بأن الله يقول: ( إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ ) وجاء في الحديث: « لا يقبل الله قولا إلا بعمل ولا قولا ولا عملا إلا بنية » .

وقال قوم: الهاء في قوله « يرفعه » راجعة إلى العمل الصالح [ أي: الكلم الطيب يرفع العمل الصالح ] , فلا يقبل عمل إلا أن يكون صادرًا عن التوحيد, وهذا معنى قول الكلبي ومقاتل.

وقيل: الرفع من صفة الله عز وجل معناه: العمل الصالح يرفعه الله عز وجل.

وقال سفيان بن عيينة: العمل الصالح هو الخالص, يعني أن الإخلاص سبب قبول الخيرات من الأقوال والأفعال, دليله قوله عز وجل: فَلْيَعْمَلْ عَمَلا صَالِحًا وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا ( الكهف- 110 ) , فجعل نقيض الصالح الشرك والرياء, ( وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئَاتِ ) قال الكلبي: أي: الذين يعملون السيئات. وقال مقاتل: يعني الشرك. وقال أبو العالية: يعني الذين مكروا برسول الله صلى الله عليه وسلم في دار الندوة, كما قال الله تعالى: وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ ( الأنفال- 30 ) .

وقال مجاهد: وشهر بن حوشب: هم أصحاب الرياء.

( لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَكْرُ أُولَئِكَ هُوَ يَبُورُ ) يبطل ويهلك في الآخرة.

وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ جَعَلَكُمْ أَزْوَاجًا وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنْثَى وَلا تَضَعُ إِلا بِعِلْمِهِ وَمَا يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَلا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلا فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ ( 11 )

قوله عز وجل: ( وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ) أي: آدم, ( ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ) يعني: نسله, ( ثُمَّ جَعَلَكُمْ أَزْوَاجًا ) ذكرانًا وإناثًا, ( وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنْثَى وَلا تَضَعُ إِلا بِعِلْمِهِ وَمَا يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ ) لا يطول عمره, ( وَلا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ ) يعني: من عمر آخر, كما يقال لفلان عندي درهم ونصفه أي: نصف درهم آخر, ( إِلا فِي كِتَابٍ ) وقيل: قوله: « ولا ينقص من عمره » منصرف إلى الأول, قال سعيد بن جبير: مكتوب في أم الكتاب عمر فلان كذا وكذا سنة ثم يكتب أسفل من ذلك ذهب يوم ذهب يومان ذهب ثلاثة أيام حين ينقطع عمره.

وقال كعب الأحبار حين حضر عمر رضي الله عنه الوفاة: والله لو دعا عمر ربه أن يؤخر أجله لأخر, فقيل له إن الله عز وجل يقول: فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ ( الأعراف- 34 ) فقال: هذا إذا حضر الأجل فأما قبل ذلك فيجوز أن يزاد وينقص, وقرأ هذه الآية ( إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ ) أي: كتابة الآجال والأعمال على الله هين.