وَمَا يَسْتَوِي الأَعْمَى وَالْبَصِيرُ ( 19 ) وَلا الظُّلُمَاتُ وَلا النُّورُ ( 20 ) وَلا الظِّلُّ وَلا الْحَرُورُ ( 21 ) وَمَا يَسْتَوِي الأَحْيَاءُ وَلا الأَمْوَاتُ إِنَّ اللَّهَ يُسْمِعُ مَنْ يَشَاءُ وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ ( 22 ) إِنْ أَنْتَ إِلا نَذِيرٌ ( 23 ) إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلا خَلا فِيهَا نَذِيرٌ ( 24 ) وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ وَبِالزُّبُرِ وَبِالْكِتَابِ الْمُنِيرِ ( 25 ) ثُمَّ أَخَذْتُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ ( 26 )

( وَمَا يَسْتَوِي الأعْمَى وَالْبَصِيرُ ) يعني: الجاهل والعالم. وقيل: الأعمى عن الهدى والبصير بالهدى, أي: المؤمن والمشرك. ( وَلا الظُّلُمَاتُ وَلا النُّورُ ) يعني: الكفر والإيمان. ( وَلا الظِّلُّ وَلا الْحَرُورُ ) يعني: الجنة والنار, قال ابن عباس: « الحرور » : الريح الحارة بالليل, و « السموم » بالنهار. وقيل: « الحرور » يكون بالنهار مع الشمس. ( وَمَا يَسْتَوِي الأحْيَاءُ وَلا الأمْوَاتُ ) يعني: المؤمنين والكفار. وقيل: العلماء والجهال.

( إِنَّ اللَّهَ يُسْمِعُ مَنْ يَشَاءُ ) حتى يتعظ ويجيب, ( وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ ) يعني: الكفار, شبههم بالأموات في القبور حين لم يجيبوا. ( إِنْ أَنْتَ إِلا نَذِيرٌ ) ما أنت إلا منذر تخوفهم بالنار. ( إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ ) ما من أمة فيما مضى ( إِلا خَلا ) سلف ( فِيهَا نَذِيرٌ ) نبي منذر. ( وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ وَبِالزُّبُرِ وَبِالْكِتَابِ الْمُنِيرِ ) الواضح كرر ذلك الكتاب بعد ذكر الزبر على طريق التأكيد. ( ثُمَّ أَخَذْتُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ )

أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ ثَمَرَاتٍ مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهَا وَمِنَ الْجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ ( 27 ) وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالأَنْعَامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ كَذَلِكَ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ ( 28 )

( أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنـزلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ ثَمَرَاتٍ مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهَا وَمِنَ الْجِبَالِ جُدَدٌ ) طرق وخطط, واحدتها جدة, مثل: مدة ومدد, ( بِيضٌ وَحُمْرٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ ) يعني: سود غرابيب على التقديم والتأخير, يقال: أسود غربيب, أي: شديد السواد تشبيها بلون الغراب, أي: طرائق سود. ( وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالأنْعَامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ ) ذكر الكناية لأجل « من » وقيل: رد الكناية إلى ما في الإضمار, مجازه: ومن الناس والدواب والأنعام ما هو مختلف ألوانه, ( كَذَلِكَ ) يعني كما اختلف ألوان الثمار والجبال, وتم الكلام هاهنا ثم ابتدأ فقال: ( إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ ) قال ابن عباس: يريد إنما يخافني من خلقي من علم جبروتي وعزتي وسلطاني.

أخبرنا عبد الواحد المليحي, أخبرنا أحمد بن عبد الله النعيمي, أخبرنا محمد بن يوسف, أخبرنا محمد بن إسماعيل, أخبرنا عمر بن حفص, أخبرنا الأعمش, أخبرنا مسلم, عن مسروق عن عائشة رضي الله عنها: صنع رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا فرخص فيه, فتنـزه عنه قوم, فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فخطب فحمد الله ثم قال: « ما بال أقوام يتنـزهون عن الشيء أصنعه فوالله إني لأعلمهم بالله وأشدهم له خشية » .

وقال النبي صلى الله عليه وسلم: « لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيرًا » .

وقال مسروق: كفى بخشية الله علمًا وكفى بالاغترار بالله جهلا. وقال رجل للشعبي: أفتني أيها العالم, فقال الشعبي: إنما العالم من خشي الله عز وجل.

( إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ ) أي: عزيز في ملكه غفور لذنوب عباده.

إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ ( 29 ) لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ ( 30 )

قوله تعالى: ( إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ ) يعني: قرأوا القرآن, ( وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ ) لن تفسد ولن تهلك, والمراد من التجارة ما وعد الله من الثواب.

قال الفراء: قوله: « يرجون » جواب لقوله: « إن الذين يتلون كتاب الله » . ( لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ ) جزاء أعمالهم بالثواب, ( وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ ) قال ابن عباس: يعني سوى الثواب مما لم تر عين ولم تسمع أذن, ( إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ ) قال ابن عباس: يغفر العظيم من ذنوبهم ويشكر اليسير من أعمالهم.