هُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلائِفَ فِي الأَرْضِ فَمَنْ كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ وَلا يَزِيدُ الْكَافِرِينَ كُفْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ إِلا مَقْتًا وَلا يَزِيدُ الْكَافِرِينَ كُفْرُهُمْ إِلا خَسَارًا ( 39 )

( هُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلائِفَ فِي الأرْضِ ) أي: يخلف بعضكم بعضا, وقيل: جعلكم أمة خلفت من قبلها. ورأت فيمن قبلها, ما ينبغي أن تعتبر به. ( فَمَنْ كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ ) أي: عليه وبال كفره ( وَلا يَزِيدُ الْكَافِرِينَ كُفْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ إِلا مَقْتًا ) غضبا ( وَلا يَزِيدُ الْكَافِرِينَ كُفْرُهُمْ إِلا خَسَارًا )

قُلْ أَرَأَيْتُمْ شُرَكَاءَكُمُ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّمَاوَاتِ أَمْ آتَيْنَاهُمْ كِتَابًا فَهُمْ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْهُ بَلْ إِنْ يَعِدُ الظَّالِمُونَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا إِلا غُرُورًا ( 40 ) إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ أَنْ تَزُولا وَلَئِنْ زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا ( 41 ) وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِنْ جَاءَهُمْ نَذِيرٌ لَيَكُونُنَّ أَهْدَى مِنْ إِحْدَى الأُمَمِ فَلَمَّا جَاءَهُمْ نَذِيرٌ مَا زَادَهُمْ إِلا نُفُورًا ( 42 )

( قُلْ أَرَأَيْتُمْ شُرَكَاءَكُمُ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ ) أي: جعلتموهم شركائي بزعمكم يعني: الأصنام, ( أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الأرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّمَاوَاتِ أَمْ آتَيْنَاهُمْ كِتَابًا ) قال مقاتل: هل أعطينا كفار مكة كتابا, ( فَهُمْ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْهُ ) قرأ ابن كثير, وأبو عمرو, وحمزة, وحفص: « بينة » على التوحيد, وقرأ الآخرون: « بينات » على الجمع, يعني دلائل واضحة منه مما في ذلك الكتاب من ضروب البيان.

( بَلْ إِنْ يَعِدُ ) أي: ما يعد, ( الظَّالِمُونَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا إِلا غُرُورًا ) والغرور ما يغر الإنسان مما لا أصل له, قال مقاتل: يعني ما يعد الشيطان كفار بني آدم من شفاعة الآلهة لهم في الآخرة غرور وباطل. قوله تعالى: ( إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضَ أَنْ تَزُولا ) أي: كيلا تزولا ( وَلَئِنْ زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ ) أي: ما يمسكهما أحد من بعده, أي: أحد سواه, ( إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا ) فإن قيل: فما معنى ذكر الحلم هاهنا؟ قيل: لأن السموات والأرض همت بما همت به من عقوبة الكفار فأمسكهما الله تعالى عن الزوال بحلمه وغفرانه أن يعالجهم بالعقوبة. ( وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ ) يعني: كفار مكة لما بلغهم أن أهل الكتاب كذبوا رسلهم قالوا: لعن الله اليهود والنصارى أتتهم الرسل فكذبوهم, وأقسموا بالله وقالوا لو أتانا رسول لنكونن أهدى دينا منهم, وذلك قبل مبعث النبي صلى الله عليه وسلم, فلما بعث محمد كذبوه, فأنـزل الله عز وجل: ( وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِنْ جَاءَهُمْ نَذِيرٌ ) رسول, ( لَيَكُونُنَّ أَهْدَى مِنْ إِحْدَى الأمَمِ ) يعني: من اليهود والنصارى, ( فَلَمَّا جَاءَهُمْ نَذِيرٌ ) محمد صلى الله عليه وسلم, ( مَا زَادَهُمْ إِلا نُفُورًا ) أي: ما زادهم مجيئه إلا تباعدا عن الهدى.

اسْتِكْبَارًا فِي الأَرْضِ وَمَكْرَ السَّيِّئِ وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلا بِأَهْلِهِ فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلا سُنَّةَ الأَوَّلِينَ فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلا وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَحْوِيلا ( 43 ) أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَكَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ مِنْ شَيْءٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلا فِي الأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ عَلِيمًا قَدِيرًا ( 44 )

( اسْتِكْبَارًا فِي الأرْضِ ) نصب « استكبارا » على البدل من النفور, ( وَمَكْرَ السَّيِّئِ ) يعني: العمل القبيح, أضيف المكر إلى صفته, قال الكلبي: هو اجتماعهم على الشرك وقتل النبي صلى الله عليه وسلم, وقرأ حمزة: « مكر السيئ » ساكنة الهمزة تخفيفا, وهي قراءة الأعمش, ( وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ ) أي: لا يحل ولا يحيط المكر السيئ, ( إِلا بِأَهْلِهِ ) فقتلوا يوم بدر, وقال ابن عباس: عاقبة الشرك لا تحل إلا بمن أشرك. والمعنى: وبال مكرهم راجع إليهم, ( فَهَلْ يَنْظُرُونَ ) ينتظرون, ( إِلا سُنَّةَ الأوَّلِينَ ) إلا أن ينـزل بهم العذاب كما نـزل بمن مضى من الكفار, ( فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلا وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَحْوِيلا ) ( أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَكَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ ) يعني: ليفوت عنه, ( مِنْ شَيْءٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلا فِي الأرْضِ إِنَّهُ كَانَ عَلِيمًا قَدِيرًا )