فَكَذَّبُوهُ فَإِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ ( 127 ) إِلا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ ( 128 )

( فَكَذَّبُوهُ فَإِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ ) في النار.

( إِلا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ ) من قومه فإنهم نجوا من العذاب.

وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الآخِرِينَ ( 129 ) سَلامٌ عَلَى إِلْ يَاسِينَ ( 130 ) إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ ( 131 ) إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ ( 132 ) وَإِنَّ لُوطًا لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ ( 133 ) إِذْ نَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ أَجْمَعِينَ ( 134 ) إِلا عَجُوزًا فِي الْغَابِرِينَ ( 135 ) ثُمَّ دَمَّرْنَا الآخَرِينَ ( 136 ) وَإِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ مُصْبِحِينَ ( 137 ) وَبِاللَّيْلِ أَفَلا تَعْقِلُونَ ( 138 ) وَإِنَّ يُونُسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ ( 139 )

( وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الآخِرِينَ * سَلامٌ عَلَى إِلْ يَاسِينَ ) قرأ نافع وابن عامر: « آل ياسين » بفتح الهمزة مشبعة, وكسر اللام مقطوعة, لأنها في المصحف مفصولة, [ وقرأ الآخرون بكسر الهمزة وسكون اللام موصولة ]

فمن قرأ « آل يس » مقطوعة, قيل: أراد آل محمد صلى الله عليه وسلم. وهذا القول بعيد لأنه لم يسبق له ذكر. وقيل: أراد آل إلياس.

والقراءة المعروفة بالوصل, واختلفوا فيه, فقد قيل: إلياسين لغة في إلياس, مثل: إسماعيل وإسماعين, وميكائيل وميكائين.

وقال الفراء: هو جمع أراد إلياس وأتباعه من المؤمنين, فيكون بمنـزلة الأشعرين والأعجمين بالتخفيف, وفي حرف عبد الله بن مسعود: سلام على إدراسين يعني: إدريس وأتباعه, لأنه يقرأ: وإن إدريس لمن المرسلين .

( إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ * إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ * وَإِنَّ لُوطًا لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ * إِذْ نَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ أَجْمَعِينَ * إِلا عَجُوزًا فِي الْغَابِرِينَ ) أي: الباقين في العذاب.

( ثُمَّ دَمَّرْنَا الآخَرِينَ ) والتدمير: الإهلاك.

( وَإِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ ) على آثارهم ومنازلهم, ( مُصْبِحِينَ ) وقت الصباح.

( وَبِاللَّيْلِ ) يريد: تمرون بالنهار وبالليل عليهم إذا ذهبتم إلى أسفاركم ورجعتم, ( أَفَلا تَعْقِلُونَ ) فتعتبرون بهم.

قوله تعالى: ( وَإِنَّ يُونُسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ ) من جملة رسل الله.

إِذْ أَبَقَ إِلَى الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ ( 140 ) فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ ( 141 ) فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ وَهُوَ مُلِيمٌ ( 142 ) فَلَوْلا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ ( 143 ) لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ ( 144 ) فَنَبَذْنَاهُ بِالْعَرَاءِ وَهُوَ سَقِيمٌ ( 145 )

( إِذْ أَبَقَ إِلَى الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ ) يعني: هرب.

قال ابن عباس رضي الله عنهما, ووهب: كان يونس وعد قومه العذاب, فلما تأخر عنهم العذاب خرج كالمشور منهم, فقصد البحر فركب السفينة, فاحتبست السفينة فقال الملاحون: هاهنا عبد آبق من سيده, فاقترعوا فوقعت القرعة على يونس, فاقترعوا ثلاثًا فوقعت على يونس, فقال يونس: أنا الآبق, وزج نفسه في الماء.

وروي في القصة: أنه لما وصل إلى البحر كانت معه امرأته وابنان له, فجاء مركب فأراد أن يركب معهم فقدم امرأته ليركب بعدها, فحال الموج بينه وبين المركب ومر المركب, ثم جاءت موجة أخرى وأخذت ابنه الأكبر وجاء ذئب فأخذ الابن الأصغر, فبقي فريدًا, فجاء مركب آخر فركبه فقعد ناحية من القوم, فلما مرت السفينة في البحر ركدت, فاقترعوا, وقد ذكرنا القصة في سورة يونس .

فذلك قوله عز وجل: ( فَسَاهَمَ ) فقارع, والمساهمة: إلقاء السهام على جهة القرعة, ( فَكَانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ ) المقروعين.

( فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ ) ابتلعه, ( وَهُوَ مُلِيمٌ ) آت بما يلام عليه.

( فَلَوْلا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ ) من الذاكرين لله قبل ذلك, وكان كثير الذكر, وقال ابن عباس: من المصلين. وقال وهب: من العابدين. وقال الحسن: ما كانت له صلاة في بطن الحوت ولكنه قدم عملا صالحًا. وقال الضحاك: شكر الله تعالى له طاعته القديمة.

وقيل: « فلولا أنه كان من المسبحين » في بطن الحوت. قال سعيد بن جبير: يعني قوله: لا إِلَهَ إِلا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ ( الأنبياء- 87 ) .

( لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ ) لصار بطن الحوت له قبرًا إلى يوم القيامة.

( فَنَبَذْنَاهُ ) طرحناه, ( بِالْعَرَاءِ ) يعني: على وجه الأرض, قال السدي: بالساحل, والعراء: الأرض الخالية عن الشجر والنبات ( وَهُوَ سَقِيمٌ ) عليل كالفرخ الممعط. وقيل: كان قد بلى لحمه ورق عظمه ولم يبق له قوة.

واختلفوا في مدة لبثه في بطن الحوت, فقال مقاتل بن حيان: ثلاثة أيام. وقال عطاء: سبعة أيام. وقال الضحاك: عشرين يومًا. وقال السدي والكلبي ومقاتل بن سليمان: أربعين يومًا. وقال الشعبي: التقمه ضحى ولفظه عشية .

وَأَنْبَتْنَا عَلَيْهِ شَجَرَةً مِنْ يَقْطِينٍ ( 146 ) وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَى مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ ( 147 )

( وَأَنْبَتْنَا عَلَيْهِ ) أي: له, وقيل: عنده ( شَجَرَةً مِنْ يَقْطِينٍ ) يعني: القرع, على قول جميع المفسرين.

وقال الحسن ومقاتل: كل نبت يمتد وينبسط على وجه الأرض ليس له ساق ولا يبقى على الشتاء نحو القرع والقثاء والبطيخ فهو يقطين.

قال مقاتل بن حيان: فكان يونس يستظل بالشجرة, وكانت وعلة تختلف إليه فيشرب من لبنها بكرة وعشية حتى اشتد لحمه ونبت شعره وقوي, فنام نومة فاستيقظ وقد يبست الشجرة فحزن حزنًا شديدًا وأصابه أذى الشمس فجعل يبكي, فبعث الله تعالى إليه جبريل وقال: أتحزن على شجرة ولا تحزن على مائة ألف من أمتك وقد أسلموا وتابوا.

فإن قيل: قال هاهنا: فَنَبَذْنَاهُ بِالْعَرَاءِ وَهُوَ سَقِيمٌ , وقال في موضع آخر: لَوْلا أَنْ تَدَارَكَهُ نِعْمَةٌ مِنْ رَبِّهِ لَنُبِذَ بِالْعَرَاءِ ( القلم - 49 ) فهذا يدل على أنه لم ينبذ؟

قيل: لَوْلا هناك يرجع إلى الذم, معناه: لولا نعمة من ربه لنبذ بالعراء وهو مذموم, ولكن تداركه النعمة فنبذ, وهو غير مذموم.

قوله عز وجل: ( وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَى مِائَةِ أَلْفٍ ) قال قتادة: أرسل إلى أهل نينوى من أرض الموصل قبل أن يصيبه ما أصابه, وقوله: « وأرسلناه » أي: وقد أرسلناه, وقيل: كان إرساله بعد خروجه من بطن الحوت إليهم, وقيل: إلى قوم آخرين. ( أَوْ يَزِيدُونَ ) قال ابن عباس: معناه: ويزيدون « أو » بمعنى الواو, كقوله: عُذْرًا أَوْ نُذْرًا ( المرسلات - 6 ) , وقال مقاتل والكلبي: معناه بل يزيدون.

وقال الزجاج: « أو » هاهنا على أصله, ومعناه: أو يزيدون على تقديركم وظنكم, كالرجل يرى قومًا فيقول: هؤلاء ألف أو يزيدون, فالشك على تقدير المخلوقين, والأكثرون على أن معناه: ويزيدون.

واختلفوا في مبلغ تلك الزيادة فقال ابن عباس, ومقاتل: كانوا عشرين ألفًا, ورواه أبيُّ بن كعب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم .

وقال الحسن: بضعًا وثلاثين ألفًا.

وقال سعيد بن جبير: سبعين ألفًا

فَآمَنُوا فَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ ( 148 ) فَاسْتَفْتِهِمْ أَلِرَبِّكَ الْبَنَاتُ وَلَهُمُ الْبَنُونَ ( 149 ) أَمْ خَلَقْنَا الْمَلائِكَةَ إِنَاثًا وَهُمْ شَاهِدُونَ ( 150 ) أَلا إِنَّهُمْ مِنْ إِفْكِهِمْ لَيَقُولُونَ ( 151 ) وَلَدَ اللَّهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ ( 152 ) أَصْطَفَى الْبَنَاتِ عَلَى الْبَنِينَ ( 153 )

( فَآمَنُوا ) يعني: الذين أرسل إليهم يونس بعد معاينة العذاب, ( فَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ ) إلى انقضاء آجالهم.

قوله تعالى: ( فَاسْتَفْتِهِم ) فاسأل يا محمد أهل مكة وهو سؤال توبيخ, ( أَلِرَبِّكَ الْبَنَاتُ وَلَهُمُ الْبَنُونَ ) وذلك أن جهينة وبني سلمة بن عبد الدار زعموا أن الملائكة بنات الله يقول: جعلوا لله البنات ولأنفسهم البنين.

( أَمْ خَلَقْنَا الْمَلائِكَةَ إِنَاثًا ) معناه: أخلقنا الملائكة إناثًا, ( وَهُمْ شَاهِدُونَ ) حاضرون خلقنا إياهم, نظيره قوله: أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ ( الزخرف - 19 ) .

( أَلا إِنَّهُمْ مِنْ إِفْكِهِمْ ) من كذبهم, ( لَيَقُولُونَ * وَلَدَ اللَّهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ ) .

( أَصْطَفَى ) قرأ أبو جعفر: « لكاذبون * اصطفى » موصولا على الخبر عن قول المشركين, وعند الوقف يبتدئ: « اصطفى » بكسر الألف, وقراءة العامة بقطع الألف, لأنها ألف استفهام دخلت على ألف الوصل, فحذفت ألف الوصل وبقيت ألف الاستفهام مفتوحة مقطوعة, مثل: استكبر ونحوها, ( أَصْطَفَى الْبَنَاتِ عَلَى الْبَنِينَ ) .