مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ ( 154 ) أَفَلا تَذَكَّرُونَ ( 155 ) أَمْ لَكُمْ سُلْطَانٌ مُبِينٌ ( 156 )

( مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ ) لله بالبنات ولكم بالبنين.

( أَفَلا تَذَكَّرُونَ ) أفلا تتعظون.

( أَمْ لَكُمْ سُلْطَانٌ مُبِينٌ ) برهان بين على أن لله ولدًا.

فَأْتُوا بِكِتَابِكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ( 157 ) وَجَعَلُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَبًا وَلَقَدْ عَلِمَتِ الْجِنَّةُ إِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ ( 158 ) سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ ( 159 ) إِلا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ ( 160 ) فَإِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ ( 161 ) مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ بِفَاتِنِينَ ( 162 ) إِلا مَنْ هُوَ صَالِ الْجَحِيمِ ( 163 ) وَمَا مِنَّا إِلا لَهُ مَقَامٌ مَعْلُومٌ ( 164 )

( فَأْتُوا بِكِتَابِكُمْ ) الذي لكم فيه حجة ( إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ) في قولكم.

( وَجَعَلُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَبًا ) قال مجاهد وقتادة: أراد بالجنة: الملائكة, سموا جنة لاجتنانهم عن الأبصار.

وقال ابن عباس: حي من الملائكة يقال لهم الجن, ومنهم إبليس, قالوا: هم بنات الله.

وقال الكلبي: قالوا - لعنهم الله - بل تزوج من الجن فخرج منها الملائكة تعالى الله عن ذلك, وقد كان زعم بعض قريش أن الملائكة بنات الله تعالى الله, فقال أبو بكر الصديق: فمن أمهاتهم, قالوا: سروات الجن .

وقال الحسن: معنى النسب أنهم أشركوا الشياطين في عبادة الله, ( وَلَقَدْ عَلِمَتِ الْجِنَّةُ إِنَّهُم ) يعني قائلي هذا القول ( لَمُحْضَرُونَ ) في النار, ثم نـزه نفسه عما قالوا فقال:

( سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ ) ( إِلا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ ) هذا استثناء من المحضرين, أي: أنهم لا يحضرون.

قوله عز وجل: ( فَإِنَّكُمْ ) يقول لأهل مكة: ( وَمَا تَعْبُدُونَ ) من الأصنام.

( مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ ) على ما تعبدون, ( بِفَاتِنِينَ ) بمضلين أحدًا.

( إِلا مَنْ هُوَ صَالِ الْجَحِيمِ ) إلا من قدر الله أنه سيدخل النار, أي: سبق له في علم الله الشقاوة.

قوله عز وجل: ( وَمَا مِنَّا إِلا لَهُ مَقَامٌ مَعْلُومٌ ) يقول جبرائيل للنبي صلى الله عليه وسلم وما منا معشر الملائكة إلا له مقام معلوم, أي: ما منا ملك إلا له مقام معلوم في السموات يعبد الله فيه.

قال ابن عباس: ما في السموات موضع شبر إلا وعليه ملك يصلي أو يسبح.

وروينا عن أبي ذر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: « أطت السماء, وحق لها أن تئط, والذي نفسي بيده ما فيها موضع أربعة أصابع إلا وملك واضع جبهته ساجدًا لله »

قال السدي: إلا له مقام معلوم في القربة والمشاهدة.

وقال أبو بكر الوراق: إلا له مقام معلوم يعبد الله عليه, كالخوف والرجاء والمحبة والرضا.

وَإِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ ( 165 ) وَإِنَّا لَنَحْنُ الْمُسَبِّحُونَ ( 166 ) وَإِنْ كَانُوا لَيَقُولُونَ ( 167 ) لَوْ أَنَّ عِنْدَنَا ذِكْرًا مِنَ الأَوَّلِينَ ( 168 ) لَكُنَّا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ ( 169 ) فَكَفَرُوا بِهِ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ ( 170 ) وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ ( 171 ) إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ ( 172 ) وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ ( 173 )

( وَإِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ ) قال قتادة: هم الملائكة صفوا أقدامهم. وقال الكلبي: صفوف الملائكة في السماء للعبادة كصفوف الناس في الأرض.

( وَإِنَّا لَنَحْنُ الْمُسَبِّحُونَ ) أي: المصلون المنـزهون الله عن السوء, يخبر جبريل عليه السلام [ النبي صلى الله عليه وسلم ] أنهم يعبدون الله بالصلاة والتسبيح, وأنهم ليسوا بمعبودين, كما زعمت الكفار, ثم أعاد الكلام إلى الإخبار عن المشركين فقال:

( وَإِنْ كَانُوا ) وقد كانوا يعني: أهل مكة, ( لَيَقُولُونَ ) لام التأكيد.

( لَوْ أَنَّ عِنْدَنَا ذِكْرًا مِنَ الأوَّلِينَ ) أي: كتابًا مثل كتاب الأولين.

( لَكُنَّا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ * فَكَفَرُوا بِهِ ) أي: فلما أتاهم ذلك الكتاب كفروا به, ( فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ ) هذا تهديد لهم.

( وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ ) وهي قوله: كَتَبَ اللَّهُ لأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي ( المجادلة - 21 ) .

( إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ * وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ ) أي: حزب الله لهم الغلبة بالحجة والنصرة في العاقبة.

فَتَوَلَّ عَنْهُمْ حَتَّى حِينٍ ( 174 ) وَأَبْصِرْهُمْ فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ ( 175 ) أَفَبِعَذَابِنَا يَسْتَعْجِلُونَ ( 176 ) فَإِذَا نَزَلَ بِسَاحَتِهِمْ فَسَاءَ صَبَاحُ الْمُنْذَرِينَ ( 177 ) وَتَوَلَّ عَنْهُمْ حَتَّى حِينٍ ( 178 ) وَأَبْصِرْ فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ ( 179 ) سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ ( 180 ) وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ ( 181 ) وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ( 182 )

( فَتَوَلّ ) أعرض ( عَنْهُمْ حَتَّى حِينٍ ) قال ابن عباس: يعني الموت. وقال مجاهد: يوم بدر. وقال السدي: حتى نأمرك بالقتال. وقيل: إلى أن يأتيهم عذاب الله, قال مقاتل بن حيان: نسختها آية القتال .

( وَأَبْصِرْهُمْ ) إذا نـزل بهم العذاب ( فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ ) ذلك فقالوا: متى هذا العذاب؟

قال الله عز وجل: ( أَفَبِعَذَابِنَا يَسْتَعْجِلُونَ * فَإِذَا نـزلَ ) يعني: العذاب ( بِسَاحَتِهِمْ ) قال مقاتل: بحضرتهم. وقيل: بفنائهم. قال الفراء : العرب تكتفي بذكر الساحة عن القوم, ( فَسَاءَ صَبَاحُ الْمُنْذَرِينَ ) فبئس صباح الكافرين الذين أنذروا بالعذاب.

أخبرنا أبو الحسن السرخسي, أخبرنا زاهر بن أحمد, أخبرنا أبو إسحاق الهاشمي, أخبرنا أبو مصعب, أخبرنا مالك, عن حميد الطويل, عن أنس بن مالك: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين خرج إلى خيبر, أتاها ليلا وكان إذا جاء قومًا بليل لم يغز حتى يصبح, قال: فلما أصبح خرجت يهود خيبر بمساحيها ومكاتلها, فلما رأوا النبي صلى الله عليه وسلم قالوا: محمد, والله, محمد والخميس, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « الله أكبر خربت خيبر, إنا إذا نـزلنا بساحة قوم فساء صباح المنذرين » .

ثم كرر ما ذكرنا تأكيدًا لوعيد العذاب فقال:

( وَتَوَلَّ عَنْهُمْ حَتَّى حِينٍ * وَأَبْصِرْ ) العذاب إذا نـزل بهم, ( فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ ) . ثم نـزه نفسه فقال:

( سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّة ) الغلبة والقوة, ( عَمَّا يَصِفُونَ ) من اتخاذ الصاحبة والأولاد.

( وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ ) الذين بلغوا عن الله التوحيد والشرائع.

( وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ) على هلاك الأعداء ونصرة الأنبياء عليهم السلام.

أخبرنا أبو سعيد أحمد بن إبراهيم الشريحي, أخبرنا أبو إسحاق الثعلبي, أخبرني ابن فنجويه, أخبرنا أحمد بن جعفر بن حمدان، حدثنا إبراهيم بن سهلويه, حدثنا علي بن محمد الطنافسي, حدثنا وكيع, عن ثابت بن أبي صفية, عن أصبغ بن نباتة, عن علي قال: « من أحب أن يكتال بالمكيال الأوفى من الأجر يوم القيامة, فليكن آخر كلامه من مجلسه: سبحان ربك رب العزة عما يصفون, وسلام على المرسلين, والحمد لله رب العالمين »