وَوَهَبْنَا لَهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنَّا وَذِكْرَى لأُولِي الأَلْبَابِ ( 43 ) وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا فَاضْرِبْ بِهِ وَلا تَحْنَثْ إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ ( 44 )

( وَوَهَبْنَا لَهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنَّا وَذِكْرَى لأُولِي الأَلْبَابِ * وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا ) وهو ملء الكف من الشجر أو الحشيش, ( فَاضْرِبْ بِهِ وَلا تَحْنَثْ ) في يمينك, وكان قد حلف أن يضرب امرأته مائة سوط, فأمره الله أن يأخذ ضغثًا يشتمل على مائة عود صغار, ويضربها به ضربة واحدة, ( إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ ) .

وَاذْكُرْ عِبَادَنَا إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ أُولِي الأَيْدِي وَالأَبْصَارِ ( 45 ) إِنَّا أَخْلَصْنَاهُمْ بِخَالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ ( 46 ) وَإِنَّهُمْ عِنْدَنَا لَمِنَ الْمُصْطَفَيْنَ الأَخْيَارِ ( 47 ) وَاذْكُرْ إِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَذَا الْكِفْلِ وَكُلٌّ مِنَ الأَخْيَارِ ( 48 ) هَذَا ذِكْرٌ وَإِنَّ لِلْمُتَّقِينَ لَحُسْنَ مَآبٍ ( 49 )

( وَاذْكُرْ عِبَادَنَا ) قرأ ابن كثير « عبدنا » على التوحيد, وقرأ الآخرون « عبادنا » بالجمع, ( إبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ أُولِي الأيْدِي ) قال ابن عباس: أولي القوة في طاعة الله تعالى ( وَالأبْصَار ) في المعرفة بالله, أي: البصائر في الدين, قال قتادة ومجاهد: أعطوا قوة في العبادة, وبصرًا في الدين .

( إِنَّا أَخْلَصْنَاهُمْ ) اصطفيناهم ( بِخَالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ ) قرأ أهل المدينة: « بخالصة » مضافًا, وقرأ الآخرون بالتنوين, فمن أضاف فمعناه: أخلصناهم بذكر الدار الآخرة, وأن يعملوا لها, والذكرى: بمعنى الذكر. قال مالك بن دينار: نـزعنا من قلوبهم حب الدنيا وذكرها, وأخلصناهم بحب الآخرة وذكرها.

وقال قتادة: كانوا يدعون إلى الآخرة وإلى الله عز وجل.

وقال السدي: أخلصوا بخوف الآخرة.

وقيل: معناه أخلصناهم بأفضل ما في الآخرة .

قال ابن زيد: ومن قرأ بالتنوين فمعناه: بخلة خالصة, وهي ذكرى الدار, فيكون « ذكرى » الدار بدلا عن الخالصة.

وقيل: « أخلصناهم » : جعلناهم مخلصين, بما أخبرنا عنهم من ذكر الآخرة.

( وَإِنَّهُمْ عِنْدَنَا لَمِنَ الْمُصْطَفَيْنَ الأَخْيَارِ * وَاذْكُرْ إِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَذَا الْكِفْلِ وَكُلٌّ مِنَ الأَخْيَارِ * هَذَا ذِكْرُ ) أي: هذا الذي يتلى عليكم ذكر, أي: شرف, وذكر جميل تذكرون به ( وَإِنَّ لِلْمُتَّقِينَ لَحُسْنَ مَآبٍ ) .

جَنَّاتِ عَدْنٍ مُفَتَّحَةً لَهُمُ الأَبْوَابُ ( 50 ) مُتَّكِئِينَ فِيهَا يَدْعُونَ فِيهَا بِفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ وَشَرَابٍ ( 51 ) وَعِنْدَهُمْ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ أَتْرَابٌ ( 52 ) هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِيَوْمِ الْحِسَابِ ( 53 ) إِنَّ هَذَا لَرِزْقُنَا مَا لَهُ مِنْ نَفَادٍ ( 54 ) هَذَا وَإِنَّ لِلطَّاغِينَ لَشَرَّ مَآبٍ ( 55 ) جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا فَبِئْسَ الْمِهَادُ ( 56 ) هَذَا فَلْيَذُوقُوهُ حَمِيمٌ وَغَسَّاقٌ ( 57 )

( جَنَّاتِ عَدْنٍ مُفَتَّحَةً لَهُمُ الأبْوَابُ ) أي أبوابها [ مفتحة لهم ] .

( مُتَّكِئِينَ فِيهَا يَدْعُونَ فِيهَا بِفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ وَشَرَابٍ * وَعِنْدَهُمْ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ أَتْرَابٌ ) مستويات الأسنان, بنات ثلاثة وثلاثين سنة, واحدها ترب. وعن مجاهد قال: متواخيات لا يتباغضن ولا يتغايرن .

( هَذَا مَا تُوعَدُونَ ) قرأ ابن كثير: « يوعدون » بالياء هاهنا, وفي « ق » أي: ما يوعد المتقون, وافق أبو عمرو هاهنا, وقرأ الباقون بالتاء فيهما, أي: قل للمؤمنين: هذا ما توعدون, ( لِيَوْمِ الْحِسَابِ ) [ أي في يوم الحساب ] .

( إِنَّ هَذَا لَرِزْقُنَا مَا لَهُ مِنْ نَفَادٍ ) فناء وانقطاع.

( هَذَا ) أي الأمر هذا ( وَإِنَّ لِلطَّاغِينَ ) للكافرين ( لَشَرَّ مَآبٍ ) مرجع .

( جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا ) يدخلونها ( فَبِئْسَ الْمِهَادُ ) .

( هَذَا ) أي هذا العذاب, ( فَلْيَذُوقُوهُ حَمِيمٌ وَغَسَّاقٌ ) قال الفراء: أي هذا حميم وغساق فليذوقوه, والحميم: الماء الحار الذي انتهى حره.

« وغساق » : قرأ حمزة, والكسائي وحفص: « وغساق » حيث كان بالتشديد, وخففها الآخرون, فمن شدد جعله اسمًا على فَعَّال, نحو: الخباز والطباخ, ومن خفف جعله اسمًا على فعال نحو العذاب.

واختلفوا في معنى الغساق, قال ابن عباس: هو الزمهرير يحرقهم ببرده, كما تحرقهم النار بحرها.

وقال مقاتل ومجاهد: هو الذي انتهى برده.

وقيل: هو المنتن بلغة الترك.

وقال قتادة: هو ما يغسق أي: ما يسيل من القيح والصديد من جلود أهل النار, ولحومهم, وفروج الزناة, من قوله: غسقت عينه إذا انصبت, والغسقان الانصباب.

وَآخَرُ مِنْ شَكْلِهِ أَزْوَاجٌ ( 58 ) هَذَا فَوْجٌ مُقْتَحِمٌ مَعَكُمْ لا مَرْحَبًا بِهِمْ إِنَّهُمْ صَالُوا النَّارِ ( 59 ) قَالُوا بَلْ أَنْتُمْ لا مَرْحَبًا بِكُمْ أَنْتُمْ قَدَّمْتُمُوهُ لَنَا فَبِئْسَ الْقَرَارُ ( 60 )

( وَآخَرُ ) قرأ أهل البصرة: « وأُخر » بضم الألف على جمع أخرى , مثل: الكبرى والكبر, واختاره أبو عبيدة لأنه نعته بالجمع, فقال: أزواج, وقرأ الآخرون بفتح الهمزة مشبعة على الواحد, ( مِنْ شَكْلِهِ ) مثله أي: مثل الحميم والغساق, ( أَزْوَاجٌ ) أي: أصناف أخر من العذاب.

( هَذَا فَوْجٌ مُقْتَحِمٌ مَعَكُمْ ) قال ابن عباس: « هذا » هو أن القادة إذا دخلوا النار ثم دخل بعدهم الأتباع قالت الخزنة للقادة هذا يعني: الأتباع, فوج: جماعة مقتحم معكم النار, أي: داخلوها كما أنتم دخلتموها: والفوج: القطيع من الناس وجمعه أفواج, والاقتحام الدخول في الشيء رميًا بنفسه فيه، قال الكلبي: إنهم يضربون بالمقامع حتى يوقعوا أنفسهم في النار, خوفًا من تلك المقامع, فقالت القادة: ( لا مَرْحَبًا بِهِمْ ) يعني: بالأتباع, ( إِنَّهُمْ صَالُوا النَّارِ ) أي: داخلوها كما صلينا.

( قَالُوا ) فقال الأتباع للقادة: ( بَلْ أَنْتُمْ لا مَرْحَبًا بِكُمْ ) والمرحب, والرحب: السعة, تقول العرب: مرحبًا وأهلا وسهلا أي: أتيت رحبًا وسعة, وتقول: لا مرحبًا بك, أي: لا رحبت عليك الأرض. ( أَنْتُمْ قَدَّمْتُمُوهُ لَنَا ) يقول الأتباع للقادة: أنتم بدأتم بالكفر قبلنا, وشرعتم وسننتموه لنا. وقيل: أنتم قدمتم هذا العذاب لنا, بدعائكم إيانا إلى الكفر, ( فَبِئْسَ الْقَرَارُ ) أي: فبئس دار القرار جهنم .

قَالُوا رَبَّنَا مَنْ قَدَّمَ لَنَا هَذَا فَزِدْهُ عَذَابًا ضِعْفًا فِي النَّارِ ( 61 )

( قَالُوا ) يعني: الأتباع ( رَبَّنَا مَنْ قَدَّمَ لَنَا هَذَا ) أي: شرعه وَسَنَّه لنا, ( فَزِدْهُ عَذَابًا ضِعْفًا فِي النَّارِ ) أي: ضعف عليه العذاب في النار. قال ابن مسعود: يعني حيات وأفاعي.