قَالَ فَالْحَقُّ وَالْحَقَّ أَقُولُ ( 84 ) لأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكَ وَمِمَّنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ ( 85 ) قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ ( 86 ) إِنْ هُوَ إِلا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ ( 87 ) وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ ( 88 )

قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * إِلا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ * قَالَ فَالْحَقُّ وَالْحَقَّ أَقُولُ قرأ عاصم وحمزة ويعقوب: « فالحق » برفع القاف على الابتداء, وخبره محذوف تقديره: الحق مني, ونصب الثانية أي: وأنا أقول الحق, قاله مجاهد, وقرأ الآخرون بنصبهما, واختلفوا في وجههما, قيل: نصب الأولى على الإغراء كأنه قال: الزم الحق, والثاني بإيقاع القول عليه أي: أقول الحق. وقيل: الأول قسم, أي: فبالحق وهو الله عز وجل, فانتصب بنـزع [ الخافض, وهو ] حرف الصفة, وانتصاب الثاني بإيقاع القول عليه. وقيل: الثاني تكرار القسم, أقسم الله بنفسه.

( لأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكَ وَمِمَّنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ * قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ ) على تبليغ الرسالة ( مِنْ أَجْرٍ ) جُعِلَ, ( وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ ) المتقولين القرآن من تلقاء نفسي, وكل من قال شيئًا من تلقاء نفسه فقد تكلف له.

أخبرنا عبد الواحد المليحي, أخبرنا أحمد بن عبد الله النعيمي, أخبرنا محمد بن يوسف, حدثنا محمد بن إسماعيل, حدثنا جرير, عن الأعمش, عن أبي الضحى, عن مسروق قال: دخلنا على عبد الله بن مسعود فقال: يا أيها الناس من علم شيئًا فليقل به, ومن لم يعلم فليقل الله أعلم, فإن من العلم أن يقول لما لا يعلم: الله أعلم, قال الله تعالى لنبيه: « قل ما أسألكم عليه من أجر وما أنا من المتكلفين » .

قوله ( إِنْ هُوَ ) ما هو, يعني: القرآن ( إِلا ذِكْرٌ ) موعظة, ( لِلْعَالَمِينَ ) للخلق أجمعين.

( وَلَتَعْلَمُنَّ ) أنتم يا كفار مكة, ( نَبَأَه ) خبر صدقه, ( بَعْدَ حِينٍ ) قال ابن عباس وقتادة: بعد الموت. وقال عكرمة: يعني يوم القيامة. وقال الكلبي: من بقي علم ذلك إذا ظهر أمره وعلا ومن مات علمه بعد موته. قال الحسن: ابن آدم عند الموت يأتيك الخبر اليقين .

 

سورة الزمر

 

مكية إلا قوله قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ الآية .

بسم الله الرحمن الرحيم

تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ ( 1 ) إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ ( 2 ) أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ ( 3 )

( تَنـزيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ ) [ أي: هذا تنـزيل الكتاب من الله. وقيل: تنـزيل الكتاب ] مبتدأ وخبره: ( مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ ) أي: تنـزيل الكتاب من الله لا من غيره.

( إِنَّا أَنـزلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ ) قال مقاتل: لم ننـزله باطلا لغير شيء, ( فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ ) الطاعة.

( أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ ) قال قتادة: شهادة أن لا إله إلا الله. وقيل: [ لا يستحق الدين الخالص إلا الله وقيل: الدين الخالص من الشرك هو لله ] .

( وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ ) أي: من دون الله, ( أَوْلِيَاء ) يعني: الأصنام, ( مَا نَعْبُدُهُمْ ) أي قالوا: ما نعبدهم, ( إِلا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى ) وكذلك قرأ ابن مسعود, وابن عباس.

قال قتادة: وذلك أنهم إذا قيل لهم: من ربكم, ومن خلقكم, ومن خلق السموات والأرض؟ قالوا: الله, فيقال لهم: فما معنى عبادتكم الأوثان؟ قالوا: ليقربونا إلى الله زلفى, أي: قربى, وهو اسم أقيم في مقام المصدر: كأنه قال: إلا ليقربونا إلى الله تقريبًا ويشفعوا لنا عند الله, ( إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ ) يوم القيامة ( فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ ) من أمر الدين ( إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ ) لا يرشد لدينه من كذب فقال: إن الآلهة تشفع وكفى باتخاذ الآلهة دونه كذبًا [ وكفرا ]

لَوْ أَرَادَ اللَّهُ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا لاصْطَفَى مِمَّا يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ سُبْحَانَهُ هُوَ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ ( 4 ) خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ بِالْحَقِّ يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهَارِ وَيُكَوِّرُ النَّهَارَ عَلَى اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لأَجَلٍ مُسَمًّى أَلا هُوَ الْعَزِيزُ الْغَفَّارُ ( 5 )

( لَوْ أَرَادَ اللَّهُ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا لاصْطَفَى ) لاختار, ( مِمَّا يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ ) يعني: الملائكة, كما قال: لَوْ أَرَدْنَا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْوًا لاتَّخَذْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا ( الأنبياء - 17 ) ثم نـزه نفسه فقال: ( سُبْحَانَهُ ) تنـزيها له عن ذلك, وعما لا يليق بطهارته, ( هُوَ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ ) .

( خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهَارِ وَيُكَوِّرُ النَّهَارَ عَلَى اللَّيْل ) قال قتادة: يغشي هذا هذا, كما قال: يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ ( الأعراف- 54 ) وقيل: يدخل أحدهما على الآخر كما قال: يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ ( الحج- 61 ) .

وقال الحسن, والكلبي: ينقص من الليل فيزيد في النهار, وينقص من النهار فيزيد في الليل, فما نقص من الليل دخل في النهار, وما نقص من النهار دخل في الليل, ومنتهى النقصان تسع ساعات, ومنتهى الزيادة خمس عشرة ساعة, وأصل التكوير اللف والجمع, ومنه: كور العمامة. ( وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لأجَلٍ مُسَمًّى أَلا هُوَ الْعَزِيزُ الْغَفَّارُ ) .