قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ ( 11 ) وَأُمِرْتُ لأَنْ أَكُونَ أَوَّلَ الْمُسْلِمِينَ ( 12 ) قُلْ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ ( 13 ) قُلِ اللَّهَ أَعْبُدُ مُخْلِصًا لَهُ دِينِي ( 14 ) فَاعْبُدُوا مَا شِئْتُمْ مِنْ دُونِهِ قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلا ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ ( 15 ) لَهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِنَ النَّارِ وَمِنْ تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ ذَلِكَ يُخَوِّفُ اللَّهُ بِهِ عِبَادَهُ يَا عِبَادِ فَاتَّقُونِ ( 16 ) وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَنْ يَعْبُدُوهَا وَأَنَابُوا إِلَى اللَّهِ لَهُمُ الْبُشْرَى فَبَشِّرْ عِبَادِ ( 17 )

( قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ ) مخلصًا له التوحيد لا أشرك به شيئًا.

( وَأُمِرْتُ لأنْ أَكُونَ أَوَّلَ الْمُسْلِمِينَ ) من هذه الأمة.

( قُلْ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي ) وعبدت غيره, ( عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ ) وهذا حين دعي إلى دين آبائه.

( قُلِ اللَّهَ أَعْبُدُ مُخْلِصًا لَهُ دِينِي فَاعْبُدُوا مَا شِئْتُمْ مِنْ دُونِهِ ) أمر توبيخ وتهديد, كقوله: اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ ( فصلت- 40 ) ( قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ ) أزواجهم وخدمهم, ( يَوْمَ الْقِيَامَةِ ) قال ابن عباس: وذلك أن الله جعل لكل إنسان منـزلا في الجنة وأهلا فمن عمل بطاعة الله كان ذلك المنـزل والأهل له, ومن عمل بمعصية الله دخل النار, وكان ذلك المنـزل والأهل لغيره ممن عمل بطاعة الله . وقيل: خسران النفس بدخول النار, وخسران الأهل بأن يفرق بينه وبين أهله, ( أَلا ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ ) .

( لَهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِنَ النَّارِ ) أطباق سرادقات من النار ودخانها, ( وَمِنْ تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ ) فراش ومهاد من نار إلى أن ينتهي إلى القعر, وسمي الأسفل ظللا لأنها ظلل لمن تحتهم نظيرها قوله عز وجل: لَهُمْ مِنْ جَهَنَّمَ مِهَادٌ وَمِنْ فَوْقِهِمْ غَوَاشٍ ( الأعراف- 41 ) .

( ذَلِكَ يُخَوِّفُ اللَّهُ بِهِ عِبَادَهُ يَا عِبَادِ فَاتَّقُونِ ) .

( وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ ) الأوثان ( أَنْ يَعْبُدُوهَا وَأَنَابُوا إِلَى اللَّهِ ) رجعوا إلى عبادة الله, ( لَهُمُ الْبُشْرَى ) في الدنيا والجنة في العقبى ( فَبَشِّرْ عِبَادِ ) .

الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الأَلْبَابِ ( 18 ) أَفَمَنْ حَقَّ عَلَيْهِ كَلِمَةُ الْعَذَابِ أَفَأَنْتَ تُنْقِذُ مَنْ فِي النَّارِ ( 19 ) لَكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ غُرَفٌ مِنْ فَوْقِهَا غُرَفٌ مَبْنِيَّةٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ وَعْدَ اللَّهِ لا يُخْلِفُ اللَّهُ الْمِيعَادَ ( 20 )

( الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْل ) القرآن, ( فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ ) قال السدي: أحسن ما يؤمرون فيعملون به. وقيل: هو أن الله تعالى ذكر في القرآن الانتصار من الظالم وذكر العفو, والعفو أحسن الأمرين. وقيل: ذكر العزائم والرخص فيتبعون الأحسن وهو العزائم. وقيل: يستمعون القرآن وغير القرآن فيتبعون القرآن.

وقال عطاء عن ابن عباس: آمن أبو بكر بالنبي صلى الله عليه وسلم فجاءه عثمان, وعبد الرحمن بن عوف, وطلحة, والزبير, وسعد بن أبي وقاص, وسعيد بن زيد, فسألوه فأخبرهم بإيمانه فآمنوا, فنـزلت فيهم : « فبشر عباد الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه » وكله حسن. ( أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الألْبَابِ ) .

وقال ابن زيد: نـزلت « والذين اجتنبوا الطاغوت » الآيتان, في ثلاثة نفر كانوا في الجاهلية يقولون: لا إله إلا الله: زيد بن عمرو بن نفيل, وأبو ذر الغفاري, وسلمان الفارسي . والأحسن: قول لا إله إلا الله.

( أَفَمَنْ حَقَّ عَلَيْهِ كَلِمَةُ الْعَذَابِ ) قال ابن عباس رضي الله عنهما: من سبق في علم الله أنه من أهل النار. وقيل: كلمة العذاب [ قوله: لأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ , وقيل: ] قوله: « هؤلاء في النار ولا أبالي » . ( أَفَأَنْتَ تُنْقِذُ مَنْ فِي النَّارِ ) أي: لا تقدر عليه. قال ابن عباس: يريد أبا لهب وولده.

( لَكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ غُرَفٌ مِنْ فَوْقِهَا غُرَفٌ مَبْنِيَّةٌ أي: منازل في الجنة رفيعة, وفوقها منازل أرفع منها, ( تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأنْهَارُ وَعْدَ اللَّهِ لا يُخْلِفُ اللَّهُ الْمِيعَادَ ) أي: وعدهم الله تلك الغرف والمنازل وعدًا لا يخلفه.

أخبرنا عبد الواحد المليحي, أخبرنا أحمد بن عبد الله النعيمي, أخبرنا محمد بن يوسف, حدثنا محمد بن إسماعيل, حدثني عبد العزيز بن عبد الله, حدثني مالك عن صفوان بن سليم, عن عطاء بن يسار, عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: « إن أهل الجنة يتراءون أهل الغرف من فوقهم كما تتراءون الكوكب الدري الغابر في الأفق من المشرق والمغرب لتفاضل ما بينهم » , قالوا: يا رسول الله تلك منازل الأنبياء لا يبلغها غيرهم, قال: « بلى, والذي نفسي بيده, رجال آمنوا بالله وصدقوا المرسلين » .

أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَلَكَهُ يَنَابِيعَ فِي الأَرْضِ ثُمَّ يُخْرِجُ بِهِ زَرْعًا مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَجْعَلُهُ حُطَامًا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لأُولِي الأَلْبَابِ ( 21 )

قوله عز وجل: ( أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنـزلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَلَكَهُ ) أدخل ذلك الماء, ( يَنَابِيعَ ) عيونًا وركايا ( فِي الأرْضِ ) قال الشعبي: كل ماء في الأرض فمن السماء نـزل, ( ثُمَّ يُخْرِجُ بِهِ ) أي: بالماء ( زَرْعًا مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهُ ) أحمر وأصفر وأخضر, ( ثُمَّ يَهِيجُ ) ييبس ( فَتَرَاه ) بعد خضرته ونضرته, ( مُصْفَرًّا ثُمَّ يَجْعَلُهُ حُطَامًا ) فتاتًا متكسرًا, ( إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لأولِي الألْبَابِ ) .