وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ فَلا تَمْتَرُنَّ بِهَا وَاتَّبِعُونِ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ ( 61 )

( وَإِنَّهُ ) يعني عيسى عليه السلام, ( لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ ) يعني نـزوله من أشراط الساعة يعلم به قربها, وقرأ ابن عباس وأبو هريرة وقتادة: « وإنه لعلم للساعة » بفتح اللام والعين أي أمارة وعلامة.

وروينا عن النبي صلى الله عليه وسلم: « ليوشكن أن ينـزل فيكم ابن مريم حكمًا عادلا يكسر الصليب, ويقتل الخنـزير ويضع الجزية, وتهلك في زمانه الملل كلها إلا الإسلام » .

ويروى: « أنه ينـزل على ثنية بالأرض المقدسة, وعليه ممصرتان ، وشعر رأسه دهين, وبيده حربة وهي التي يقتل بها الدجال, فيأتي بيت المقدس والناس في صلاة العصر, فيتأخر الإمام فيقدمه عيسى ويصلي خلفه على شريعة محمد صلى الله عليه وسلم, ثم يقتل الخنازير ويكسر الصليب, ويخرب البيع والكنائس, ويقتل النصارى إلا من آمن به » .

أخبرنا عبد الواحد المليحي, أخبرنا أحمد بن عبد الله النعيمي, أخبرنا محمد بن يوسف, حدثنا محمد بن إسماعيل, حدثنا ابن بكير, حدثنا الليث, عن يونس, عن ابن شهاب, عن نافع مولى أبي قتادة الأنصاري أن أبا هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « كيف أنتم إذا نـزل ابن مريم فيكم وإمامكم منكم » ؟

وقال الحسن وجماعة: « وإنه » يعني وإن القرآن لعلم للساعة يعلمكم قيامها, ويخبركم بأحوالها وأهوالها, ( فَلا تَمْتَرُنَّ بِهَا ) فلا تشكن فيها, قال ابن عباس: لا تكذبوا بها, ( وَاتَّبِعُونِ ) على التوحيد, ( هَذَا ) الذي أنا عليه, ( صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ ) .

وَلا يَصُدَّنَّكُمُ الشَّيْطَانُ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ ( 62 ) وَلَمَّا جَاءَ عِيسَى بِالْبَيِّنَاتِ قَالَ قَدْ جِئْتُكُمْ بِالْحِكْمَةِ وَلأُبَيِّنَ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي تَخْتَلِفُونَ فِيهِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ ( 63 ) إِنَّ اللَّهَ هُوَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ ( 64 ) فَاخْتَلَفَ الأَحْزَابُ مِنْ بَيْنِهِمْ فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْ عَذَابِ يَوْمٍ أَلِيمٍ ( 65 ) هَلْ يَنْظُرُونَ إِلا السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ ( 66 )

( وَلا يَصُدَّنَّكُمُ ) لا يصرفنكم, ( الشَّيْطَانُ ) عن دين الله, ( إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ ) .

( وَلَمَّا جَاءَ عِيسَى بِالْبَيِّنَاتِ قَالَ قَدْ جِئْتُكُمْ بِالْحِكْمَةِ ) بالنبوة, ( وَلأبَيِّنَ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي تَخْتَلِفُونَ فِيهِ ) من أحكام التوراة, قال قتادة: يعني اختلاف الفرق الذين تحزبوا على أمر عيسى. قال الزجاج: الذي جاء به عيسى في الإنجيل إنما هو بعض الذي اختلفوا فيه, وَبَيَّن لهم في غير الإنجيل ما احتاجوا إليه. ( فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ ) .

( إِنَّ اللَّهَ هُوَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ * فَاخْتَلَفَ الأحْزَابُ مِنْ بَيْنِهِمْ فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْ عَذَابِ يَوْمٍ أَلِيمٍ * هَلْ يَنْظُرُونَ إِلا السَّاعَةَ ) يعني أنها تأتيهم لا محالة فكأنهم ينتظرونها, ( أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً ) فجأة, ( وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ ) .

الأَخِلاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلا الْمُتَّقِينَ ( 67 ) يَا عِبَادِ لا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ وَلا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ ( 68 ) الَّذِينَ آمَنُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا مُسْلِمِينَ ( 69 ) ادْخُلُوا الْجَنَّةَ أَنْتُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ تُحْبَرُونَ ( 70 ) يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِصِحَافٍ مِنْ ذَهَبٍ وَأَكْوَابٍ وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الأَعْيُنُ وَأَنْتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ( 71 )

( الأخِلاءُ ) على المعصية في الدنيا, ( يَوْمَئِذٍ ) يوم القيامة, ( بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلا الْمُتَّقِينَ ) إلا المتحابين في الله عز وجل على طاعة الله عز وجل.

أخبرنا أحمد بن إبراهيم الشريحي, أخبرنا أبو إسحاق أحمد بن محمد بن إبراهيم الثعلبي, أخبرني عقيل بن محمد بن أحمد, أن أبا الفرج البغدادي القاضي أخبرهم عن محمد بن جرير, حدثنا ابن عبد الأعلى, عن قتادة, حدثنا أبو ثور عن معمر عن قتادة عن أبي إسحاق أن عليًا قال في هذه الآية: خليلان مؤمنان وخليلان كافران, فمات أحد المؤمنين فقال: يا رب إن فلانًا كان يأمرني بطاعتك وطاعة رسولك, ويأمرني بالخير وينهاني عن الشر, ويخبرني أني ملاقيك, يا رب فلا تضله بعدي واهده كما هديتني وأكرمه كما أكرمتني, فإذا مات خليله المؤمن جمع بينهما, فيقول: ليثن أحدكما على صاحبه, فيقول: نعم الأخ, ونعم الخليل, ونعم الصاحب, قال: ويموت أحد الكافرين, فيقول: يا رب إن فلانًا كان ينهاني عن طاعتك وطاعة رسولك, ويأمرني بالشر وينهاني عن الخير, ويخبرني أني غير ملاقيك, فيقول بئس الأخ, وبئس الخليل, وبئس الصاحب .

( يَا عِبَادِ ) أي فيقال لهم: يا عبادي, ( لا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ وَلا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ ) وروي عن المعتمر بن سليمان عن أبيه قال: سمعت أن الناس حين يبعثون ليس منهم أحد إلا فزع, فينادي مناد: « يا عباد لا خوف عليكم اليوم ولا أنتم تحزنون » فيرجوها الناس كلهم فيتبعها: ( الَّذِينَ آمَنُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا مُسْلِمِينَ ) فييأس الناس منها غير المسلمين فيقال لهم: ( ادْخُلُوا الْجَنَّةَ أَنْتُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ تُحْبَرُونَ ) تسرون وتنعمون.

( يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِصِحَافٍ ) جمع صحفة وهي القصعة الواسعة, ( مِنْ ذَهَبٍ وَأَكْوَابٍ ) جمع كوب وهو إناء مستدير مدور الرأس لا عرى لها, ( وَفِيهَا ) أي في الجنة, ( مَا تَشْتَهِيهِ الأنْفُسُ ) قرأ أهل المدينة والشام وحفص: ( تشتهيه ) , وكذلك في مصاحفهم, وقرأ الآخرون بحذف الهاء. ( وَتَلَذُّ الأعْيُنُ وَأَنْتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ) .

أخبرنا أبو بكر محمد بن عبد الله بن أبي توبة, أخبرنا أبو طاهر محمد بن أحمد بن الحارث، أخبرنا محمد بن يعقوب الكسائي, أخبرنا عبد الله بن محمود, أخبرنا إبراهيم بن عبد الله الخلال, حدثنا عبد الله بن المبارك, عن سفيان, عن علقمة بن مرثد, عن عبد الرحمن بن سابط قال: قال رجل: يا رسول الله أفي الجنة خيل؟ فإني أحب الخيل, فقال: « إن يدخلك الله الجنة لا تشاء أن تركب فرسًا من ياقوتة حمراء فتطير بك في أي الجنة شئت, إلا فعلت » , فقال أعرابي: يا رسول الله أفي الجنة إبل؟ فقال: « يا أعرابي إن يدخلك الله الجنة أصبت فيها ما اشتهت نفسك ولذت عينك » .

وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ( 72 ) لَكُمْ فِيهَا فَاكِهَةٌ كَثِيرَةٌ مِنْهَا تَأْكُلُونَ ( 73 )

( وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ * لَكُمْ فِيهَا فَاكِهَةٌ كَثِيرَةٌ مِنْهَا تَأْكُلُونَ ) وفي الحديث: « لا ينـزع رجل من الجنة من ثمرة إلا نبت مكانها مثلاها » .