إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ مِيقَاتُهُمْ أَجْمَعِينَ ( 40 ) يَوْمَ لا يُغْنِي مَوْلًى عَنْ مَوْلًى شَيْئًا وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ ( 41 ) إِلا مَنْ رَحِمَ اللَّهُ إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ ( 42 ) إِنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ ( 43 ) طَعَامُ الأَثِيمِ ( 44 )

( إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ ) يوم يفصل الرحمن بين العباد, ( مِيقَاتُهُمْ أَجْمَعِينَ ) يوافي يوم القيامة الأولون والآخرون.

( يَوْمَ لا يُغْنِي مَوْلًى عَنْ مَوْلًى شَيْئًا ) لا ينفع قريب قريبه ولا يدفع عنه شيئًا, ( وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ ) لا يمنعون من عذاب الله.

( إِلا مَنْ رَحِمَ اللَّهُ ) يريد المؤمنين فإنه يشفع بعضهم لبعض, ( إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ ) في انتقامه من أعدائه, ( الرَّحِيمُ ) بالمؤمنين.

( إِنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ * طَعَامُ الأَثِيمِ ) [ أي ذي الإثم ] وهو أبو جهل.

كَالْمُهْلِ يَغْلِي فِي الْبُطُونِ ( 45 ) كَغَلْيِ الْحَمِيمِ ( 46 ) خُذُوهُ فَاعْتِلُوهُ إِلَى سَوَاءِ الْجَحِيمِ ( 47 ) ثُمَّ صُبُّوا فَوْقَ رَأْسِهِ مِنْ عَذَابِ الْحَمِيمِ ( 48 ) ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ ( 49 ) إِنَّ هَذَا مَا كُنْتُمْ بِهِ تَمْتَرُونَ ( 50 ) إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي مَقَامٍ أَمِينٍ ( 51 )

( كَالْمُهْلِ ) هو دردي الزيت الأسود, ( يَغْلِي فِي الْبُطُونِ ) قرأ ابن كثير وحفص « يغلي » بالياء, جعلوا الفعل للمهل, وقرأ الآخرون بالتاء لتأنيث الشجرة, « في البطون » أي بطون الكفار, ( كَغَلْيِ الْحَمِيمِ ) كالماء الحار إذا اشتد غليانه.

أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي, أخبرنا أبو بكر العبدوسي, أخبرنا أبو بكر محمد بن حمدون بن خالد بن يزيد, حدثنا سليمان بن يوسف, حدثنا وهب بن جرير, حدثنا شعبة عن الأعمش, عن مجاهد, عن عبد الله بن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « أيها الناس اتقوا الله حق تقاته, فلو أن قطرة من الزقوم قطرت على الأرض لأمرَّتْ على أهل الدنيا معيشتهم, فكيف بمن تكون طعامه وليس لهم طعام غيره » .

قوله تعالى: ( خُذُوهُ ) أي يقال للزبانية: خذوه, يعني الأثيم, ( فَاعْتِلُوهُ ) قرأ أهل الكوفة, وأبو جعفر, وأبو عمرو: بكسر التاء, وقرأ الباقون بضمها, وهما لغتان, أي ادفعوه وسوقوه, يقال: عتله يعتله عتلا إذا ساقه بالعنف والدفع والجذب, ( إِلَى سَوَاءِ الْجَحِيمِ ) وسطه.

( ثُمَّ صُبُّوا فَوْقَ رَأْسِهِ مِنْ عَذَابِ الْحَمِيمِ ) قال مقاتل, إن خازن النار يضربه على رأسه فينقب رأسه عن دماغه, ثم يصب فيه ماء حميمًا قد انتهى حره .

ثم يقال له: ( ذُقْ ) هذا العذاب, ( إِنَّكَ ) قرأ الكسائي « أنك » بفتح الألف, أي لأنك كنت تقول: أنا العزيز, وقرأ الآخرون بكسرها على الابتداء, ( إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ ) عند قومك بزعمك, وذلك أن أبا جهل كان يقول: أنا أعز أهل الوادي وأكرمهم, فيقول له هذا خزنة النار, على طريق الاستحقار والتوبيخ.

( إِنَّ هَذَا مَا كُنْتُمْ بِهِ تَمْتَرُونَ ) تشكون فيه ولا تؤمنون به. ثم ذكر مستقر المتقين, فقال:

( إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي مَقَامٍ أَمِينٍ ) قرأ أهل المدينة والشام: « في مقام » بضم الميم على المصدر, أي في إقامة، وقرأ الآخرون بفتح الميم, أي في مجلس أمين, أمنوا فيه من الغير, أي من الموت ومن الخروج منه.

فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ ( 52 ) يَلْبَسُونَ مِنْ سُنْدُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُتَقَابِلِينَ ( 53 ) كَذَلِكَ وَزَوَّجْنَاهُمْ بِحُورٍ عِينٍ ( 54 ) يَدْعُونَ فِيهَا بِكُلِّ فَاكِهَةٍ آمِنِينَ ( 55 ) لا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلا الْمَوْتَةَ الأُولَى وَوَقَاهُمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ ( 56 ) فَضْلا مِنْ رَبِّكَ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ( 57 ) فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ ( 58 ) فَارْتَقِبْ إِنَّهُمْ مُرْتَقِبُونَ ( 59 )

( فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * يَلْبَسُونَ مِنْ سُنْدُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُتَقَابِلِينَ * كَذَلِكَ وَزَوَّجْنَاهُمْ ) أي كما أكرمناهم بما وصفنا من الجنات والعيون واللباس كذلك أكرمناهم بأن زوجناهم, ( بِحُورٍ عِينٍ ) أي قرناهم بهن, ليس من عقد التزويج, لأنه لا يقال: زوجته بامرأة, قال أبو عبيدة: جعلناهم أزواجًا لهن كما يزوج البعل بالبعل, أي جعلناهم اثنين اثنين, و « الحور » : هن النساء النقيات البياض. قال مجاهد: يحار فيهن الطرف من بياضهن وصفاء لونهن. وقال أبو عبيدة: « الحور » : هن شديدات بياض الأعين الشديدات سوادها, واحدها أحور, والمرأة حوراء, و « العين » جمع العيناء, وهي عظيمة العينين.

( يَدْعُونَ فِيهَا بِكُلِّ فَاكِهَةٍ ) اشتهوها, ( آمِنِينَ ) من نفادها ومن مضرتها. وقال قتادة: آمنين من الموت والأوصاب والشياطين.

( لا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلا الْمَوْتَةَ الأولَى ) أي سوى الموتة التي ذاقوها في الدنيا, وبعدها وضع: « إلا » موضع سوى وبعد, وهذا كقوله تعالى: وَلا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ إِلا مَا قَدْ سَلَفَ ( النساء- 22 ) , أي سوى ما قد سلف, وبعد ما قد سلف, وقيل: إنما استثنى الموتة الأولى وهي في الدنيا من موت في الجنة لأن السعداء حين يموتون يصيرون بلطف إلى أسباب الجنة, يلقون الروح والريحان ويرون منازلهم في الجنة, فكان موتهم في الدنيا كأنهم في الجنة لاتصالهم بأسبابها ومشاهدتهم إياها. ( وَوَقَاهُمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ ) .

( فَضْلا مِنْ رَبِّكَ ) أي فعل ذلك بهم فضلا منه, ( ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ) .

( فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ ) سهلنا القرآن, كناية عن غير مذكور, ( بِلِسَانِكَ ) أي على لسانك, ( لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ ) يتعظون.

( فَارْتَقِبْ ) فانتظر النصر من ربك. وقيل: فانتظر لهم العذاب. ( إِنَّهُمْ مُرْتَقِبُونَ ) منتظرون قهرك بزعمهم.

أخبرنا أبو سعيد الشريحي, أخبرنا أبو إسحاق الثعلبي, أخبرني الحسين بن فنجويه, حدثنا يحيى بن محمد بن يحيى, حدثنا أبو عيسى موسى بن علي الختلي, حدثنا أبو هاشم الرفاعي, حدثنا زيد بن الحباب, حدثنا عمر بن عبد الله بن أبي خثعم, عن يحيى بن كثير, عن أبي سلمة, عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « من قرأ حم الدخان في ليلة أصبح يستغفر له سبعون ألف ملك »