وَاذْكُرْ أَخَا عَادٍ إِذْ أَنْذَرَ قَوْمَهُ بِالأَحْقَافِ وَقَدْ خَلَتِ النُّذُرُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ أَلا تَعْبُدُوا إِلا اللَّهَ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ ( 21 ) قَالُوا أَجِئْتَنَا لِتَأْفِكَنَا عَنْ آلِهَتِنَا فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ ( 22 )

قوله عز وجل: ( وَاذْكُرْ أَخَا عَادٍ ) يعني هودًا عليه السلام, ( إِذْ أَنْذَرَ قَوْمَهُ بِالأحْقَافِ ) قال ابن عباس: « الأحقاف » : واد بين عمان ومهرة.

وقال مقاتل: كانت منازل عاد باليمن في حضرموت بموضع يقال له: « مهرة » وإليها تنسب الإبل المهرية, وكانوا أهل عمد سيارة في الربيع فإذا هاج العود رجعوا إلى منازلهم, وكانوا من قبيلة إرم.

قال قتادة: ذكر لنا أن عادًا كانوا أحياء باليمن, وكانوا أهل رمل مشرفين على البحر بأرض يقال لها: « الشحر » . و « الأحقاف » جمع حقف, وهي المستطيل المعوج من الرمال. قال ابن زيد: هي ما استطال من الرمل كهيئة الجبل ولم يبلغ أن يكون جبلا قال الكسائي: هي ما استدار من الرمل.

( وَقَدْ خَلَتِ النُّذُرُ ) مضت الرسل, ( مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ ) أي من قبل هود, ( وَمِنْ خَلْفِهِ ) إلى قومهم, ( أَلا تَعْبُدُوا إِلا اللَّهَ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ ) .

( قَالُوا أَجِئْتَنَا لِتَأْفِكَنَا ) [ لتصرفنا ] ( عَنْ آلِهَتِنَا ) أي عن عبادتها, ( فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا ) [ من العذاب ] ( إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ ) أن العذاب نازل بنا.

قَالَ إِنَّمَا الْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ وَأُبَلِّغُكُمْ مَا أُرْسِلْتُ بِهِ وَلَكِنِّي أَرَاكُمْ قَوْمًا تَجْهَلُونَ ( 23 ) فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضًا مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قَالُوا هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ ( 24 ) تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا فَأَصْبَحُوا لا يُرَى إِلا مَسَاكِنُهُمْ كَذَلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ ( 25 )

( قَالَ ) هود, ( إِنَّمَا الْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ ) وهو يعلم متى يأتيكم العذاب ( وَأُبَلِّغُكُمْ مَا أُرْسِلْتُ بِهِ ) من الوحي, ( وَلَكِنِّي أَرَاكُمْ قَوْمًا تَجْهَلُونَ ) .

( فَلَمَّا رَأَوْهُ ) يعني ما يوعدون به من العذاب, ( عَارِضًا ) سحابًا يعرض أي يبدو في ناحية من السماء ثم يطبق السماء, ( مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ ) فخرجت عليهم سحابة سوداء من واد لهم يقال له: « المغيث » وكانوا قد حبس عنهم المطر, فلما رأوها استبشروا, ( قَالُوا هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا ) يقول الله تعالى: ( بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ ) فجعلت الريح تحمل الفسطاط وتحمل الظعينة حتى ترى كأنها جرادة.

( تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ ) مرت به من رجال عاد وأموالها, [ ( بِأَمْرِ رَبِّهَا ) ] فأول ما عرفوا أنها عذاب رأوا ما كان خارجًا من ديارهم من الرجال والمواشي تطير بهم الريح بين السماء والأرض, فدخلوا بيوتهم وأغلقوا أبوابهم فجاءت الريح فقلعت أبوابهم وصرعتهم, وأمر الله الريح فأمالت عليهم الرمال, فكانوا تحت الرمل سبع ليال وثمانية أيام, لهم أنين, ثم أمر الله الريح فكشفت عنهم الرمال فاحتملتهم فرمت بهم في البحر.

أخبرنا الإمام أبو علي الحسين بن محمد القاضي, أخبرنا أبو نعيم عبد الملك بن الحسن الإسفراييني, أخبرنا أبو عوانة يعقوب بن إسحاق الحافظ, أخبرنا يونس, أخبرنا ابن وهب, أخبرنا عمرو بن الحارث, أخبرنا النضر. حدثه عن سليمان بن يسار, عن عائشة أنها قالت: ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم مستجمعًا ضاحكًا حتى أرى منه بياض لهواته, وكان إذا رأى غيمًا أو ريحًا عُرف ذلك في وجهه, فقلت: يا رسول الله إن الناس إذا رأوا الغيم فرحوا, رجاء أن يكون فيه المطر, وإذا رأيته عرف في وجهك الكراهية, فقال: « يا عائشة ما يؤمنني أن يكون فيه عذاب, قد عذب قوم بالريح, وقد رأى قوم العذاب فقالوا: » هذا عارض ممطرنا « , الآية . »

( فَأَصْبَحُوا لا يُرَى إِلا مَسَاكِنُهُمْ ) قرأ عاصم, وحمزة, ويعقوب: « يرى » بضم الياء « مساكنهم » برفع النون يعني: لا يرى شيء إلا مساكنهم, وقرأ الآخرون بالتاء وفتحها, « مساكنهم » نصب يعني لا ترى أنت يا محمد إلا مساكنهم لأن السكان والأنعام بادت بالريح, فلم يبق إلا هود ومن آمن معه. ( كَذَلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ ) .

وَلَقَدْ مَكَّنَّاهُمْ فِيمَا إِنْ مَكَّنَّاكُمْ فِيهِ وَجَعَلْنَا لَهُمْ سَمْعًا وَأَبْصَارًا وَأَفْئِدَةً فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ سَمْعُهُمْ وَلا أَبْصَارُهُمْ وَلا أَفْئِدَتُهُمْ مِنْ شَيْءٍ إِذْ كَانُوا يَجْحَدُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ ( 26 ) وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا مَا حَوْلَكُمْ مِنَ الْقُرَى وَصَرَّفْنَا الآيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ( 27 ) فَلَوْلا نَصَرَهُمُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ قُرْبَانًا آلِهَةً بَلْ ضَلُّوا عَنْهُمْ وَذَلِكَ إِفْكُهُمْ وَمَا كَانُوا يَفْتَرُونَ ( 28 )

( وَلَقَدْ مَكَّنَّاهُمْ فِيمَا إِنْ مَكَّنَّاكُمْ فِيهِ ) يعني فيما لم نمكنكم فيه من قوة الأبدان وطول العمر وكثرة المال.

قال المبرد: « ما » في قوله « فيما » بمنـزلة الذي, و « إن » بمنـزلة ما, وتقديره: ولقد مكناهم في الذي ما مكناكم فيه. ( وَجَعَلْنَا لَهُمْ سَمْعًا وَأَبْصَارًا وَأَفْئِدَةً فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ سَمْعُهُمْ وَلا أَبْصَارُهُمْ وَلا أَفْئِدَتُهُمْ مِنْ شَيْءٍ إِذْ كَانُوا يَجْحَدُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ ) .

( وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا مَا حَوْلَكُمْ ) يا أهل مكة, ( مِنَ الْقُرَى ) كحجر ثمود وأرض سدوم ونحوهما, ( وَصَرَّفْنَا الآيَاتِ ) الحجج والبينات, ( لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ) عن كفرهم فلم يرجعوا, فأهلكناهم, يخوف مشركي مكة.

( فَلَوْلا ) فهلا ( نَصَرَهُمُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ قُرْبَانًا آلِهَةً ) يعني الأوثان, اتخذوها آلهة يتقربون بها إلى الله عز وجل, « القربان » : كل ما يتقرب به إلى الله عز وجل, وجمعه: « قرابين » , كالرهبان والرهابين.

( بَلْ ضَلُّوا عَنْهُمْ ) قال مقاتل: بل ضلت الآلهة عنهم فلم تنفعهم عند نـزول العذاب بهم, ( وَذَلِكَ إِفْكُهُمْ ) أي كذبهم الذي كانوا يقولون إنها تقربهم إلى الله عز وجل وتشفع لهم, ( وَمَا كَانُوا يَفْتَرُونَ ) يكذبون أنها آلهة.