سورة ق

مكية

بسم الله الرحمن الرحيم

ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ ( 1 )

( ق ) [ قال ابن عباس: هو قسم, وقيل: ] هو اسم للسورة, وقيل هو اسم من أسماء القرآن.

وقال القرظي : هو مفتاح اسمه « القدير » , و « القادر » و « القاهر » و « القريب » و « القابض » .

وقال عكرمة والضحاك: هو جبل محيط بالأرض من زمردة خضراء, منه خضرة السماء والسماء مقبية عليه, وعليه كتفاها ، ويقال هو وراء الحجاب الذي تغيب الشمس من ورائه بمسيرة سنة .

وقيل: معناه قضي الأمر, أو قضي ما هو كائن, كما قالوا في حم .

( وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ ) الشريف الكريم على الله, الكثير الخير.

واختلفوا في جواب القسم, فقال أهل الكوفة: جوابه: بَلْ عَجِبُوا , وقيل: جوابه محذوف, مجازه: والقرآن المجيد لتبعثن. وقيل: جوابه قوله: مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ . وقيل: قَدْ عَلِمْنَا وجوابات القسم سبعة: « إنَّ » الشديدة كقوله: وَالْفَجْرِ - إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ ( الفجر- 1- 14 ) , و « ما » النفي كقوله: وَالضُّحَى - مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ ( الضحى- 1- 3 ) , و « اللام » المفتوحة كقوله: فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ ( الحجر- 92 ) و « إنْ » الخفيفة كقوله تعالى: إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ ( الشعراء - 97 ) و « لا » كقوله تعالى: وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لا يَبْعَثُ اللَّهُ مَنْ يَمُوتُ ( النحل- 38 ) , و « قد » كقوله تعالى: وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا - قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا ( الشمس- 1- 9 ) .

بَلْ عَجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ فَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا شَيْءٌ عَجِيبٌ ( 2 ) أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا ذَلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ ( 3 ) قَدْ عَلِمْنَا مَا تَنْقُصُ الأَرْضُ مِنْهُمْ وَعِنْدَنَا كِتَابٌ حَفِيظٌ ( 4 ) بَلْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ فَهُمْ فِي أَمْرٍ مَرِيجٍ ( 5 )

و « بل » كقوله: وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ - بَلْ عَجِبُوا .

( أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ ) مخوّف, ( مِنْهُمْ ) يعرفون نسبه وصدقه وأمانته, ( فَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا شَيْءٌ عَجِيبٌ ) غريب.

( أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا ) نبعث, ترك ذكر البعث لدلالة الكلام عليه, ( ذَلِكَ رَجْعٌ ) أي رد إلى الحياة ( بَعِيدٌ ) وغير كائن, أي: يبعد أن نبعث بعد الموت.

قال الله عز وجل: ( قَدْ عَلِمْنَا مَا تَنْقُصُ الأرْضُ مِنْهُمْ ) أي تأكل من لحومهم ودمائهم وعظامهم لا يعزب عن علمه شيء. قال السدي: هو الموت, يقول: قد علمنا من يموت منهم ومن يبقى, ( وَعِنْدَنَا كِتَابٌ حَفِيظٌ ) [ محفوظ من الشياطين ومن أن يدرس ويتغير وهو اللوح المحفوظ, وقيل: حفيظ ] أي: حافظ لعدتهم وأسمائهم.

( بَلْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ ) بالقرآن, ( لَمَّا جَاءَهُمْ فَهُمْ فِي أَمْرٍ مَرِيجٍ ) مختلط, قال سعيد بن جبير ومجاهد: ملتبس. قال قتادة في هذه الآية: مَنْ تَرَكَ الحقَّ مرج عليه أمره والتبسَ عليه دينُهُ. وقال الحسن: ما ترك قوم الحق إلا مرج أمرُهُم. وذكر الزجَّاج معنى اختلاط أمرهم, فقال: هو أنهم يقولون للنبي صلى الله عليه وسلم, مرة شاعر, ومرة ساحر, ومرة مُعَلَّم, ويقولون للقرآن مرة سحر, ومرة رَجَز, ومرة مفترى, فكان أمرهم مختلطًا ملتبسًا عليهم.

أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِنْ فُرُوجٍ ( 6 ) وَالأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ ( 7 ) تَبْصِرَةً وَذِكْرَى لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ ( 8 ) وَنَزَّلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً مُبَارَكًا فَأَنْبَتْنَا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ ( 9 ) وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ لَهَا طَلْعٌ نَضِيدٌ ( 10 ) رِزْقًا لِلْعِبَادِ وَأَحْيَيْنَا بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا كَذَلِكَ الْخُرُوجُ ( 11 )

ثم دلهم على قدرته, فقال: ( أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا ) بغير عمد , ( وَزَيَّنَّاهَا ) بالكواكب, ( وَمَا لَهَا مِنْ فُرُوجٍ ) شقوق وفتوق وصدوع, واحدها فرج.

( وَالأرْضَ مَدَدْنَاهَا ) بسطناها على وجه الماء, ( وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ ) جبالا ثوابت, ( وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ ) حسن كريم يُبهَجُ به, أي: يسر.

( تَبْصِرَةً ) [ أي جعلنا ذلك تبصرة ] ( وَذِكْرَى ) أي تبصيرًا وتذكيرًا, ( لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ ) أي: ليبصر به ويتذكر به.

( وَنـزلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً مُبَارَكًا ) كثير الخير وفيه حياة كل شيء, وهو المطر, ( فَأَنْبَتْنَا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ ) يعني البر والشعير وسائر الحبوب التي تحصد, فأضاف الحب إلى الحصيد, وهما واحد لاختلاف اللفظين, كما يقال: مسجد الجامع وربيع الأول. وقيل: « وحب الحصيد » أي: وحب النبت [ الحصيد ] .

( وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ ) قال مجاهد وعكرمة وقتادة: طوالا يقال: بسقت [ النخلة ] بُسوقًا إذا طالت. وقال سعيد بن جبير: مستويات. ( لَهَا طَلْعٌ ) ثمر وحمل, سمي بذلك لأنه يطلع, والطلع أول ما يظهر قبل أن ينشق ( نَضِيدٌ ) متراكب متراكم منضود بعضه على بعض في أكمامه, فإذا خرج من أكمامه فليس بنضيد.

( رِزْقًا لِلْعِبَادِ ) أي جعلناها رزقًا للعباد, ( وَأَحْيَيْنَا بِهِ ) أي بالمطر, ( بَلْدَةً مَيْتًا ) أنبتنا فيها الكلأ ( كَذَلِكَ الْخُرُوجُ ) من القبور.

كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَأَصْحَابُ الرَّسِّ وَثَمُودُ ( 12 ) وَعَادٌ وَفِرْعَوْنُ وَإِخْوَانُ لُوطٍ ( 13 ) وَأَصْحَابُ الأَيْكَةِ وَقَوْمُ تُبَّعٍ كُلٌّ كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ وَعِيدِ ( 14 ) أَفَعَيِينَا بِالْخَلْقِ الأَوَّلِ بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ مِنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ ( 15 )

قوله عز وجل: ( كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَأَصْحَابُ الرَّسِّ وَثَمُودُ * وَعَادٌ وَفِرْعَوْنُ وَإِخْوَانُ لُوطٍ * وَأَصْحَابُ الأَيْكَةِ وَقَوْمُ تُبَّعٍ ) وهو تبع الحميري, واسمه أسعد أبو كرب, قال قتادة: ذم الله تعالى قوم تبع ولم يذمه, ذكرنا قصته في سورة الدخان .

( كُلٌّ كَذَّبَ الرُّسُلَ ) أي: كل من هؤلاء المذكورين كذب الرسل, ( فَحَقَّ وَعِيدِ ) وجب لهم عذابي. ثم أنـزل جوابًا لقولهم ذَلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ :

( أَفَعَيِينَا بِالْخَلْقِ الأوَّلِ ) يعني: أعجزنا حين خلقناهم أولا [ فنعيا ] بالإعادة. وهذا تقرير لهم لأنهم اعترفوا بالخلق الأول وأنكروا البعث, ويقال لكل من عجز عن شيء: عيي به. ( بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ ) أي: في شك, ( مِنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ ) وهو البعث.