وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالأُنْثَى ( 45 ) مِنْ نُطْفَةٍ إِذَا تُمْنَى ( 46 ) وَأَنَّ عَلَيْهِ النَّشْأَةَ الأُخْرَى ( 47 )

( وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالأنْثَى ) من كل حيوان.

( مِنْ نُطْفَةٍ إِذَا تُمْنَى ) أي: تصب في الرحم، يقال: منى الرجل وأمنى. قاله الضحاك وعطاء بن أبي رباح. وقال آخرون: تقدر، يقال: منيت الشيء إذا قدرته.

( وَأَنَّ عَلَيْهِ النَّشْأَةَ الأخْرَى ) أي: الخلق الثاني للبعث يوم القيامة.

وَأَنَّهُ هُوَ أَغْنَى وَأَقْنَى ( 48 ) وَأَنَّهُ هُوَ رَبُّ الشِّعْرَى ( 49 ) وَأَنَّهُ أَهْلَكَ عَادًا الأُولَى ( 50 )

( وَأَنَّهُ هُوَ أَغْنَى وَأَقْنَى ) قال أبو صالح: أغنى الناس بالأموال وأقنى أي: أعطى القنية وأصول الأموال وما يدخرونه بعد الكفاية.

قال الضحاك: أغنى بالذهب والفضة وصنوف الأموال، وأقنى بالإبل والبقر والغنم.

وقال قتادة والحسن: « أقنى » : أخدم.

وقال ابن عباس: « أغنى وأقنى » : أعطى فأرضى.

قال مجاهد ومقاتل: « أقنى » : أرضى بما أعطى وقنع.

وقال ابن زيد: « أغنى » : أكثر « وأقنى » : أقل وقرأ: يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ ، ( الإسراء- 30 ) وقال الأخفش: « أقنى » : أفقر. وقال ابن كيسان: أولد .

( وَأَنَّهُ هُوَ رَبُّ الشِّعْرَى ) وهو كوكب خلف الجوزاء وهما شعريان، يقال لإحداهما العبور وللأخرى الغميصاء، سميت بذلك لأنها أخفى من الأخرى، والمجرة بينهما. وأراد هاهنا الشعرى العبور، وكانت خزاعة تعبدها، وأول من سن لهم ذلك رجل من أشرافهم يقال له أبو كبشة عبدها، وقال: لأن النجوم تقطع السماء عرضًا والشعرى طولا فهي مخالفة لها، فعبدتها خزاعة، فلما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم على خلاف العرب في الدين سموه ابن أبي كبشة لخلافه إياهم، كخلاف أبي كبشة في عبادة الشعرى .

( وَأَنَّهُ أَهْلَكَ عَادًا الأولَى ) قرأ أهل المدينة والبصرة بلام مشددة بعد الدال، ويهمز وَاوَه قالون عن نافع، والعرب تفعل ذلك فتقول: قم لان عنا، تريد: قم الآن، ويكون الوقف عند « عادا » ، والابتداء « أولى » ، بهمزة واحدة مفتوحة بعدها لام مضمومة، [ ويجوز الابتداء: لولى ] بحذف الهمزة المفتوحة.

وقرأ الآخرون: « عادًا الأولى » ، وهم قوم هود أهلكوا بريح صرصر، فكان لهم عقب، فكانوا عادًا الأخرى.

وَثَمُودَ فَمَا أَبْقَى ( 51 ) وَقَوْمَ نُوحٍ مِنْ قَبْلُ إِنَّهُمْ كَانُوا هُمْ أَظْلَمَ وَأَطْغَى ( 52 ) وَالْمُؤْتَفِكَةَ أَهْوَى ( 53 ) فَغَشَّاهَا مَا غَشَّى ( 54 ) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكَ تَتَمَارَى ( 55 ) هَذَا نَذِيرٌ مِنَ النُّذُرِ الأُولَى ( 56 ) أَزِفَتِ الآزِفَةُ ( 57 ) لَيْسَ لَهَا مِنْ دُونِ اللَّهِ كَاشِفَةٌ ( 58 ) أَفَمِنْ هَذَا الْحَدِيثِ تَعْجَبُونَ ( 59 ) وَتَضْحَكُونَ وَلا تَبْكُونَ ( 60 )

( وَثَمُودَ ) قوم صالح أهلكهم الله بالصيحة ( فَمَا أَبْقَى ) منهم أحدًا.

( وَقَوْمَ نُوحٍ مِنْ قَبْلُ ) أي: أهلك قوم نوح من قبل عاد وثمود ( إِنَّهُمْ كَانُوا هُمْ أَظْلَمَ وَأَطْغَى ) لطول دعوة نوح إياهم وعتوهم على الله بالمعصية والتكذيب.

( وَالْمُؤْتَفِكَةَ ) قرى قوم لوط ( أَهْوَى ) أسقط أي: أهواها جبريل بعدما رفعها إلى السماء.

( فَغَشَّاهَا ) ألبسها الله ( مَا غَشَّى ) يعني: الحجارة المنضودة المسومة.

( فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكَ ) نعم ربك أيها الإنسان، وقيل: أراد الوليد بن المغيرة ( تَتَمَارَى ) تشك وتجادل، وقال ابن عباس: تكذب.

( هَذَا نَذِيرٌ ) يعني: محمدًا صلى الله عليه وسلم ( مِنَ النُّذُرِ الأولَى ) أي: رسول من الرسل إليكم كما أرسلوا إلى أقوامهم، وقال قتادة: يقول: أنذر محمد كما أنذر الرسل من قبله.

( أَزِفَتِ الآزِفَةُ ) دنت القيامة واقتربت الساعة.

( لَيْسَ لَهَا مِنْ دُونِ اللَّهِ كَاشِفَةٌ ) أي: مظهرة مقيمة كقوله تعالى: لا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلا هُوَ ، ( الأعراف- 187 ) والهاء فيه للمبالغة أو على تقدير: نفس كاشفة. ويجوز أن تكون الكاشفة مصدرًا كالخافية والعافية، والمعنى: ليس لها من دون الله كاشف أي: لا يكشف عنها ولا يظهرها غيره.

وقيل: معناه: ليس لها راد يعني: إذا غشيت الخلق أهوالها وشدائدها لم يكشفها ولم يردها عنهم أحد، وهذا قول عطاء وقتادة والضحاك.

( أَفَمِنْ هَذَا الْحَدِيثِ ) يعني القرآن ( تَعْجَبُونَ وَتَضْحَكُونَ ) يعني: استهزاء ( وَلا تَبْكُونَ ) مما فيه من الوعيد.

وَأَنْتُمْ سَامِدُونَ ( 61 ) فَاسْجُدُوا لِلَّهِ وَاعْبُدُوا ( 62 )

( وَأَنْتُمْ سَامِدُونَ ) لاهون غافلون، و « السمود » : الغفلة عن الشيء واللهو، يقال: دع عنك سمودك أي لهوك، هذا رواية الوالبي والعوفي عن ابن عباس وقال عكرمة عنه: هو الغناء بلغة أهل اليمن، وكانوا إذا سمعوا القرآن تغنوا ولعبوا . وقال الضحاك: أشِرُون بَطِرون. وقال مجاهد: غضاب مبرطمون. فقيل له: ما البرطمة؟ قال: الإعراض .

( فَاسْجُدُوا لِلَّهِ وَاعْبُدُوا ) أي: واعبدوه.

أخبرنا عبد الواحد المليحي، أخبرنا أحمد بن عبد الله النعيمي، أخبرنا محمد بن يوسف، حدثنا محمد بن إسماعيل، حدثنا مسدد، حدثنا عبد الوارث، حدثنا أيوب عن عكرمة عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم: سجد بالنجم وسجد معه المسلمون والمشركون والجن والإنس .

أخبرنا عبد الواحد المليحي، أخبرنا أحمد بن عبد الله النعيمي، أخبرنا محمد بن يوسف، أخبرنا محمد بن إسماعيل، حدثنا نصر بن علي، أخبرني أبو أحمد، حدثنا إسرائيل عن أبي إسحاق عن الأسود بن يزيد عن عبد الله قال: أول سورة أنـزلت فيها سجدة: النجم، قال: فسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم وسجد من خلفه إلا رجلا رأيته أخذ كفًا من تراب فسجد عليه، فرأيته بعد ذلك قتل كافرًا، وهو أمية بن خلف .

وأخبرنا عبد الواحد المليحي، أخبرنا أحمد بن عبد الله النعيمي، أخبرنا محمد بن يوسف، حدثنا محمد بن إسماعيل، أخبرنا آدم بن أبي إياس، أخبرنا ابن أبي ذئب، أخبرنا يزيد بن عبد الله بن قسيط عن عطاء بن يسار عن زيد بن ثابت قال: قرأت على النبي صلى الله عليه وسلم « والنجم » فلم يسجد فيها .

قلت : فهذا دليل على أن سجود التلاوة غير واجب. قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: إن الله لم يكتبها علينا إلا أن نشاء. وهو قول الشافعي وأحمد.

وذهب قوم إلى أن وجوب سجود التلاوة على القارئ والمستمع جميعا، وهو قول سفيان الثوري وأصحاب الرأي.

 

سورة القمر

مكية

بسم الله الرحمن الرحيم

اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ ( 1 )

( اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ ) دنت القيامة ( وَانْشَقَّ الْقَمَرُ ) .

أخبرنا عبد الواحد المليحي، أخبرنا أحمد بن عبد الله النعيمي، أخبرنا محمد بن يوسف، حدثنا محمد بن إسماعيل، حدثنا عبد الله بن عبد الوهاب، أخبرنا بشر بن المفضل، حدثنا سعيد ابن أبي عروبة عن قتادة عن أنس بن مالك أن أهل مكة سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يريهم آية فأراهم القمر شقتين حتى رأوا حراء بينهما .

وقال شيبان عن قتادة: فأراهم انشقاق القمر مرتين .

أخبرنا عبد الواحد المليحي، أخبرنا أحمد بن عبد الله النعيمي، أخبرنا محمد بن يوسف، حدثنا محمد بن إسماعيل، حدثنا مسدد، حدثنا يحيى عن شعبة وسفيان عن الأعمش عن إبراهيم عن أبي معمر عن ابن مسعود قال: انشق القمر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فرقتين، فرقة فوق الجبل وفرقة دونه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « اشهدوا » .

وقال أبو الضحى عن مسروق عن عبد الله قال: انشق القمر بمكة. وقال مقاتل: انشق القمر ثم التأم بعد ذلك .

وروى أبو الضحى عن مسروق عن عبد الله قال: [ انشق القمر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ] فقالت قريش: سحركم ابن أبي كبشة، فاسألوا السُّفّار، فسألوهم فقالوا: نعم قد رأيناه، فأنـزل الله عز وجل: « اقتربت الساعة وانشق القمر » .

وَإِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ ( 2 ) وَكَذَّبُوا وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ وَكُلُّ أَمْرٍ مُسْتَقِرٌّ ( 3 )

( وَإِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ ) أي: ذاهب وسوف يذهب ويبطل من قولهم: مر الشيء واستمر إذا ذهب، مثل قولهم: قر واستقر، قال هذا قول مجاهد وقتادة. وقال أبو العالية [ والضحاك ] : « مستمر » أي: قوي شديد يعلو كل سحر، من قولهم: مر الحبل إذا صَلُبَ واشتدَّ وأمررته إذا أحكمت فَتْله واستمر الشيء إذا قوي واستحكم .

( وَكَذَّبُوا وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ ) أي: كذبوا النبي صلى الله عليه وسلم وما عاينوا من قدرة الله عز وجل واتبعوا ما زين لهم الشيطان من الباطل. ( وَكُلُّ أَمْرٍ مُسْتَقِرٌّ ) قال الكلبي: لكل أمر حقيقة ما كان منه في الدنيا فسيظهر، وما كان منه في الآخرة فسيعرف. وقال قتادة: كل أمر مستقر فالخير مستقر بأهل الخير، [ والشر مستقر بأهل الشر ] .

وقيل: كل أمر من خير أو شر مستقر قراره، فالخير مستقر بأهله في الجنة، والشر مستقر بأهله في النار .

وقيل: يستقر قول المصدقين والمكذبين حتى يعرفوا حقيقته بالثواب والعقاب. وقال مقاتل: لكل حديث منتهى. وقيل: كل ما قدر كائن واقع لا محالة.

وقرأ أبو جعفر « مستقر » بكسر الراء، ولا وجه له .

وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنَ الأَنْبَاءِ مَا فِيهِ مُزْدَجَرٌ ( 4 ) حِكْمَةٌ بَالِغَةٌ فَمَا تُغْنِ النُّذُرُ ( 5 ) فَتَوَلَّ عَنْهُمْ يَوْمَ يَدْعُو الدَّاعِ إِلَى شَيْءٍ نُكُرٍ ( 6 )

( وَلَقَدْ جَاءَهُمْ ) يعني: أهل مكة ( مِنَ الأنْبَاءِ ) أخبار الأمم المكذبة في القرآن ( مَا فِيهِ مُزْدَجَرٌ ) [ متناهي ] ، مصدر بمعنى الازدجار، أي نهي وعظة، يقال: زجرته وازدجرته إذا نهيته عن السوء، وأصله: مزتجر، قلبت التاء دالا.

( حِكْمَةٌ بَالِغَةٌ ) يعني: القرآن حكمة تامة قد بلغت الغاية ( فَمَا تُغْنِ النُّذُرُ ) يجوز أن تكون « ما » نفيًا على معنى: فليست تغني النذر، ويجوز أن يكون استفهامًا والمعنى: فأي شيء تغني النذر إذا خالفوهم وكذبوهم؟ كقوله: وَمَا تُغْنِي الآيَاتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ ( يونس - 101 ) و « النذر » : جمع نذير.

( فَتَوَلَّ عَنْهُمْ ) أعرض عنهم نسختها آية القتال . قيل: ها هنا وقف تام. وقيل: ( فَتَوَلَّ عَنْهُمْ يَوْمَ يَدْعُو الدَّاعِ ) أي: إلى يوم الداعي، قال مقاتل: هو إسرافيل ينفخ قائمًا على صخرة بيت المقدس ( إِلَى شَيْءٍ نُكُرٍ ) [ منكر ] فظيع لم يروا مثله فينكرونه استعظامًا، قرأ ابن كثير: « نكر » بسكون الكاف، والآخرون بضمها.