وَنَبِّئْهُمْ أَنَّ الْمَاءَ قِسْمَةٌ بَيْنَهُمْ كُلُّ شِرْبٍ مُحْتَضَرٌ ( 28 ) فَنَادَوْا صَاحِبَهُمْ فَتَعَاطَى فَعَقَرَ ( 29 ) فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ ( 30 ) إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ صَيْحَةً وَاحِدَةً فَكَانُوا كَهَشِيمِ الْمُحْتَظِرِ ( 31 )

( وَنَبِّئْهُمْ أَنَّ الْمَاءَ قِسْمَةٌ بَيْنَهُمْ ) وبين الناقة يوم لها ويوم لهم، وإنما قال بينهم لأن العرب إذا أخبرت عن بني آدم وعن البهائم غَلَّبت بني آدم على البهائم ( كُلُّ شِرْبٍ ) نصيب من الماء ( مُحْتَضَرٌ ) يحضره من كانت نوبته، فإذا كان يومها حضرت شربها، وإذا كان يومهم حضروا شربهم، وحضر واحتضر بمعنى واحد، قال مجاهد: يعني يحضرون الماء إذا غابت الناقة، فإذا جاءت الناقة حضروا اللبن.

( فَنَادَوْا صَاحِبَهُمْ ) وهو قدار بن سالف ( فَتَعَاطَى ) فتناول الناقة بسيفه ( فَعَقَرَ ) أي: فعقرها.

( فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ ) ثم بين عذابهم فقال:

( إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ صَيْحَةً وَاحِدَةً ) قال عطاء: يريد صيحة جبريل عليه السلام ( فَكَانُوا كَهَشِيمِ الْمُحْتَظِرِ ) قال ابن عباس: هو الرجل يجعل لغنمه حظيرة من الشجرة والشوك دون السباع، فما سقط من ذلك فداسته الغنم فهو الهشيم .

وقال ابن زيد: هو الشجر البالي الذي تهشم حتى ذرته الريح . والمعنى: أنهم صاروا كيبس الشجر إذا تحطم، والعرب تسمي كل شيء كان رطبًا فيبس: هشيمًا.

وقال قتادة: كالعظام النخرة المحترقة . وقال سعيد بن جبير: هو التراب الذي يتناثر من الحائط .

وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ ( 32 ) كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ بِالنُّذُرِ ( 33 ) إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ حَاصِبًا إِلا آلَ لُوطٍ نَجَّيْنَاهُمْ بِسَحَرٍ ( 34 ) نِعْمَةً مِنْ عِنْدِنَا كَذَلِكَ نَجْزِي مَنْ شَكَرَ ( 35 ) وَلَقَدْ أَنْذَرَهُمْ بَطْشَتَنَا فَتَمَارَوْا بِالنُّذُرِ ( 36 ) وَلَقَدْ رَاوَدُوهُ عَنْ ضَيْفِهِ فَطَمَسْنَا أَعْيُنَهُمْ فَذُوقُوا عَذَابِي وَنُذُرِ ( 37 )

( وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ بِالنُّذُرِ إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ حَاصِبًا ) ريحًا ترميهم بالحصباء، وهي الحصى وقال الضحاك: يعني صغار الحصى. وقيل: « الحصباء » هي الحجر الذي دون ملء الكف، وقد يكون الحاصب الرامي فيكون المعنى على هذا: أرسلنا عليهم عذابًا يحصبهم أي: يرميهم بالحجارة، ثم استثنى فقال: ( إِلا آلَ لُوطٍ ) يعني لوطًا وابنتيه ( نَجَّيْنَاهُمْ ) من العذاب ( بِسَحَرٍ ) .

( نِعْمَةً مِنْ عِنْدِنَا ) أي: جعلناه نعمة منا عليهم حيث أنجيناهم ( كَذَلِك ) كما أنعمنا على آل لوط ( نَجْزِي مَنْ شَكَرَ ) قال مقاتل: من وَحَّدَ الله لم يعذبه مع المشركين.

( وَلَقَدْ أَنْذَرَهُمْ ) لوط ( بَطْشَتَنَا ) أخذنا إياهم بالعقوبة ( فَتَمَارَوْا بِالنُّذُرِ ) شكوا بالإنذار وكذبوا ولم يصدقوا.

( وَلَقَدْ رَاوَدُوهُ عَنْ ضَيْفِهِ ) طلبوا أن يسلم إليهم أضيافه ( فَطَمَسْنَا أَعْيُنَهُمْ ) وذلك أنهم لما قصدوا دار لوط وعالجوا الباب ليدخلوا، قالت الرسل [ للوط ] : خَلِّ بينهم وبين الدخول فإنا رسل ربك لن يصلوا إليك، فدخلوا الدار فصفقهم جبريل بجناحه بإذن الله فتركهم عميًا يترددون متحيرين لا يهتدون إلى الباب، فأخرجهم لوط عميًا لا يبصرون. قوله: « فطمسنا أعينهم » أي: صيرناها كسائر الوجه لا يُرى لها شق، هذا قول أكثر المفسرين. وقال الضحاك: طمس الله أبصارهم فلم يروا الرسل، فقالوا: قد رأيناهم حين دخلوا البيت فأين ذهبوا، فلم يروهم فرجعوا. ( فَذُوقُوا عَذَابِي وَنُذُرِ ) أي: [ ما أنذركم ] به لوط من العذاب.

وَلَقَدْ صَبَّحَهُمْ بُكْرَةً عَذَابٌ مُسْتَقِرٌّ ( 38 ) فَذُوقُوا عَذَابِي وَنُذُرِ ( 39 ) وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ ( 40 ) وَلَقَدْ جَاءَ آلَ فِرْعَوْنَ النُّذُرُ ( 41 ) كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا كُلِّهَا فَأَخَذْنَاهُمْ أَخْذَ عَزِيزٍ مُقْتَدِرٍ ( 42 ) أَكُفَّارُكُمْ خَيْرٌ مِنْ أُولَئِكُمْ أَمْ لَكُمْ بَرَاءَةٌ فِي الزُّبُرِ ( 43 ) أَمْ يَقُولُونَ نَحْنُ جَمِيعٌ مُنْتَصِرٌ ( 44 ) سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ ( 45 )

( وَلَقَدْ صَبَّحَهُمْ بُكْرَةً ) جاءهم وقت الصبح ( عَذَابٌ مُسْتَقِرٌّ ) دائم استقر فيهم حتى أفضى بهم إلى عذاب الآخرة، وقيل: عذاب حق.

( فَذُوقُوا عَذَابِي وَنُذُرِ وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ وَلَقَدْ جَاءَ آلَ فِرْعَوْنَ النُّذُرُ ) يعني: موسى وهارون عليهما السلام، وقيل: هي الآيات التي أنذرهم بها موسى.

( كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا كُلِّهَا ) وهي الآيات التسع ( فَأَخَذْنَاهُمْ ) بالعذاب ( أَخْذَ عَزِيزٍ ) غالب في انتقامه ( مُقْتَدِر ) قادر على إهلاكهم، لا يعجزه ما أراد، ثم خَوَّف أهل مكة فقال:

( أَكُفَّارُكُمْ خَيْرٌ مِنْ أُولَئِكُمْ ) أشد وأقوى من الذين أحللت بهم نقمتي من قوم نوح وعاد وثمود وقوم لوط وآل فرعون؟ وهذا استفهام بمعنى الإنكار أي: ليسوا بأقوى منهم ( أَمْ لَكُمْ بَرَاءَةٌ ) العذاب ( فِي الزُّبُرِ ) في الكتب، أنه لن يصيبكم ما أصاب الأمم الخالية.

( أَمْ يَقُولُونَ ) يعني: كفار مكة ( نَحْنُ جَمِيعٌ مُنْتَصِرٌ ) قال الكلبي: نحن جميع أمرنا [ منتصر ] من أعدائنا المعنى: نحن يد واحدة على من خالفنا منتصر ممن عادانا، ولم يقل منتصرون لموافقة رؤوس الآي.

قال الله تعالى: ( سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ ) قرأ يعقوب: « سنهزم » بالنون « الجمع » نصبٌ وقرأ الآخرون بالياء وضمها، « الجمع » رفع على غير تسمية الفاعل، يعني: كفار مكة ( وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ ) يعني: الأدبار فَوَحَّد لأجل رؤوس الآي، كما يقال: ضربنا منهم الرؤوس وضربنا منهم الرأس إذا كان الواحد يؤدي معنى الجمع، أخبر الله أنهم يولون أدبارهم منهزمين فصدق الله وعده وهزمهم يوم بدر.

أخبرنا عبد الواحد المليحي، أخبرنا أحمد بن عبد الله النعيمي، أخبرنا محمد بن يوسف، حدثنا محمد بن إسماعيل، حدثنا محمد بن المثنى، حدثنا عبد الوهاب، حدثنا خالد عن عكرمة عن ابن عباس قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم وهو في قبته يوم بدر: « اللهم إني أنشدك عهدك ووعدك، اللهم إن شئت لم تعبد بعد اليوم » ، فأخذ أبو بكر بيده، فقال: حسبك يا رسول الله فقد ألححت على ربك - وهو في الدرع - فخرج وهو يقول: « سيهزم الجمع ويولون الدبر » .

بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ ( 46 ) إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي ضَلالٍ وَسُعُرٍ ( 47 ) يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ ( 48 )

( بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ ) قال سعيد بن المسيب: سمعت عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول: لما نـزلت: سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ كنت لا أدري أي جمع يهزم، فلما كان يوم بدر رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يثب في درعه ويقول: سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ * بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ جميعًا « والساعة أدهى وأمر » أعظم داهيةً وأشدُّ مرارةً من الأسر والقتل يوم بدر.

( إِنَّ الْمُجْرِمِينَ ) المشركين ( فِي ضَلالٍ وَسُعُرٍ ) قيل: « في ضلال » بعد عن الحق. قال الضحاك: « وسعر » أي: نار تسعر عليهم: وقيل: « ضلال » ذهاب عن طريق الجنة في الآخرة، « وسعر » : نار مسعرة، قال الحسين بن الفضل: إن المجرمين في ضلال في الدنيا ونار في الآخرة. وقال قتادة: في عناء وعذاب .

ثم بين عذابهم فقال: ( يَوْمَ يُسْحَبُونَ ) يجرون ( فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ ) ويقال لهم ( ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ ) .

إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ ( 49 )

( إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ ) أي: ما خلقناه فمقدور ومكتوب في اللوح المحفوظ، قال الحسن: قدر الله لكل شيء من خلقه قدره الذي ينبغي له.

أخبرنا أبو الحسن علي بن الحسين القرشي، أخبرنا أبو مسلم غالب بن علي الرازي، أخبرنا أبو [ معشر ] يعقوب بن عبد الجليل بن يعقوب، حدثنا أبو يزيد حاتم بن محبوب، أخبرنا أحمد بن نصر النيسابوري، أخبرنا عبد الله بن الوليد العدني، أخبرنا الثوري عن زياد بن إسماعيل السهمي عن محمد بن عباد المخزومي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: جاءت مشركو قريش إلى النبي صلى الله عليه وسلم يخاصمونه في القدر فنـزلت هذه الآية: إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي ضَلالٍ وَسُعُرٍ إلى قوله: « إنا كل شيء خلقناه بقدر » .

أخبرنا أبو الحسن علي بن يوسف الجويني، أخبرنا أبو محمد محمد بن علي بن محمد بن شريك الشافعي الخدشاهي، أخبرنا عبد الله بن محمد بن مسلم أبو بكر الجوربذي، أخبرنا يونس بن عبد الأعلى الصدفي، أخبرنا عبد الله بن وهب، أخبرني أبو هانيء الخولاني عن أبي عبد الرحمن [ الحبلى ] عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: « كتب الله مقادير الخلائق قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة، قال: وكان عرشه على الماء » .

أخبرنا أبو الحسن السرخسي، أخبرنا زاهر بن أحمد، أخبرنا أبو إسحاق الهاشمي، أخبرنا أبو مصعب عن مالك عن زياد بن سعد عن عمرو بن مسلم عن طاووس اليماني قال: أدركت ناسًا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يقولون: « كل شيء بقدر الله » ، قال: وسمعت عبد الله بن [ عمر ] رضي الله عنه يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « كل شيء بقدر حتى العجز والكيس، أو الكيس والعجز » .

أخبرنا أحمد بن عبد الله الصالحي، أخبرنا أبو بكر أحمد بن الحسن الحيري، أخبرنا أبو جعفر محمد بن علي بن دحيم الشيبابي، أخبرنا أحمد بن حازم بن أبي غرزة، أخبرنا يعلى بن عبيد، [ وعبيد الله ] بن موسى وأبو نعيم عن سفيان عن منصور عن ربعي بن حراش عن رجل عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « لا يؤمن عبد حتى يؤمن بأربع: يشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله بعثني بالحق، ويؤمن بالبعث بعد الموت، ويؤمن بالقدر - زاد [ عبيد الله ] : خيره وشره » .

ورواه أبو داود عن شعبة عن منصور وقال: عن ربعي عن عليّ ولم يقل: عن رجل، وهذا أصح .