فِيهِمَا فَاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ ( 68 )

( فِيهِمَا فَاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ ) , قال بعضهم: ليس النخل والرمان من الفاكهة والعامة على أنها من الفاكهة, وإنما أعاد ذكر النخل والرمان وهما من جملة الفواكه للتخصيص والتفصيل ، كما قال تعالى: مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ ( البقرة- 98 ) .

أخبرنا أبو بكر محمد بن عبد الله بن أبي توبة, أخبرنا أبو طاهر محمد بن أحمد بن الحارث, أخبرنا محمد بن يعقوب الكسائي, أخبرنا عبد الله بن محمود, أخبرنا إبراهيم بن عبد الله الخلال, أخبرنا عبد الله بن المبارك عن سفيان, عن حماد, عن سعيد بن جبير, عن ابن عباس قال: نخل الجنة جذوعها زمرد أخضر, وورقها ذهب أحمر, وسعفها كسوة لأهل الجنة فيها مقطعاتهم وحللهم, وثمرها أمثال القلال أو الدلاء أشد بياضا من اللبن وأحلى من العسل وألين من الزبد ليس له عجم .

فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ( 69 ) فِيهِنَّ خَيْرَاتٌ حِسَانٌ ( 70 ) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ( 71 ) حُورٌ مَقْصُورَاتٌ فِي الْخِيَامِ ( 72 ) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ( 73 ) لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلا جَانٌّ ( 74 ) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ( 75 ) مُتَّكِئِينَ عَلَى رَفْرَفٍ خُضْرٍ وَعَبْقَرِيٍّ حِسَانٍ ( 76 )

( فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ) فِيهِنَّ , يعني في الجنات الأربع , ( خَيْرَاتٌ حِسَانٌ ) روى الحسن عن أبيه عن أم سلمة قالت: قلت لرسول الله صلى الله عليه وسلم: أخبرني عن قوله: ( خَيْرَاتٌ حِسَانٌ ) , قال: « خيرات الأخلاق حسان الوجوه » .

( فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ) ( حُورٌ مَقْصُورَاتٌ ) محبوسات مستورات في الحجال, يقال: امرأة مقصورة وقصيرة إذا كانت مخدرة مستورة لا تخرج. وقال مجاهد: يعني قصرن طرفهن وأنفسهن على أزواجهن فلا يبغين لهم بدلا.

وروينا عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: « لو أن امرأة من نساء أهل الجنة اطلعت إلى [ أهل ] الأرض لأضاءت ما بين السماء والأرض ولملأت ما بينهما ريحًا ولنصيفها على رأسها خير من الدنيا وما فيها » .

( فِي الْخِيَامِ ) جمع خيمة, أخبرنا عبد الواحد المليحي, أخبرنا أحمد بن عبد الله النعيمي, أخبرنا محمد بن يوسف, حدثنا محمد بن إسماعيل, حدثنا محمد بن المثنى, أخبرنا عبد العزيز بن عبد الصمد, أخبرنا عمران الجوني, عن أبي بكر بن عبد الله بن قيس, عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: « إن للمؤمن في الجنة لخيمة من لؤلؤة واحدة مجوفة, عرضها ستون ميلا في كل زاوية منها أهل ما يرون الآخرين يطوف عليهم المؤمن » .

( فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ) ( لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلا جَانٌّ ) ( فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ) ( مُتَّكِئِينَ عَلَى رَفْرَفٍ خُضْرٍ ) , قال سعيد بن جبير: « الرفرف » : رياض الجنة. « خضر » : مخضبة. ويروى ذلك عن ابن عباس, واحدتها رفرفة, وقال: الرفارف جمع الجمع. وقيل: « الرفرف » : البسط, وهو قول الحسن ومقاتل والقرظي وروى العوفي عن ابن عباس: « الرفرف » : فضول المجالس والبسط.

وقال الضحاك وقتادة: هي مجالس خضر فوق الفرش. وقال ابن كيسان: هي المرافق. وقال ابن عيينة الزرابي. وقال غيره: كل ثوب عريض عند العرب فهو رفرف.

( وَعَبْقَرِيٍّ حِسَانٍ ) هي الزرابي والطنافس الثخان, وهي جُمْعٌ, واحدتها عبقرية, وقال قتادة: « العبقري » عتاق الزرابي, وقال أبو العالية: هي الطنافس المخملة إلى الرقة. وقال القتيـبي: كل ثوب موشَّى عند العرب: عبقري.

وقال أبو عبيدة: هو منسوب إلى أرض يعمل بها الوشي.

قال الخليل: كل جليل نفيس فاخر من الرجال وغيرهم عند العرب: عبقريٌّ, ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم في عمر رضي الله عنه: « فلم أر عبقريًا يفري فريه » .

فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ( 77 ) تَبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ ( 78 )

( فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ) ( تَبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلالِ وَالإكْرَامِ ) قرأ أهل الشام ذُو الْجَلالِ بالواو وكذلك هو في مصاحفهم إجراء على الاسم.

أخبرنا أبو الحسن علي بن يوسف الجويني, أخبرنا أبو محمد بن محمد بن علي بن محمد بن شريك الشافعي, أخبرنا عبد الله بن محمد بن مسلم, حدثنا أبو بكر الجوربذي, أخبرنا أحمد بن حرب, أخبرنا أبو معاوية الضرير عن عاصمٍ عن عبد الله بن الحارث عن عائشة قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سَلَّمَ من الصلاة لم يقعد إلا مقدار ما يقول: « اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت يا ذا الجلال والإكرام » .

 

سورة الواقعة

مكية

بسم الله الرحمن الرحيم

إِذَا وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ ( 1 ) لَيْسَ لِوَقْعَتِهَا كَاذِبَةٌ ( 2 ) خَافِضَةٌ رَافِعَةٌ ( 3 ) إِذَا رُجَّتِ الأَرْضُ رَجًّا ( 4 ) وَبُسَّتِ الْجِبَالُ بَسًّا ( 5 )

( إِذَا وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ ) إذا قامت القيامة. وقيل: إذا نـزلت صيحة القيامة وهي النفخة الأخيرة .

( لَيْسَ لِوَقْعَتِهَا ) لمجيئها ( كَاذِبَةٌ ) كذب كقوله: لا تَسْمَعُ فِيهَا لاغِيَةً ( الغاشية - 11 ) أي: لغو يعني أنها تقع صدقًا وحقًا. و « الكاذبة » اسم كالعافية والنازلة.

( خَافِضَةٌ رَافِعَةٌ ) تخفض أقواما إلى النار وترفع آخرين إلى الجنة. وقال عطاء عن ابن عباس: تخفض أقواما كانوا في الدنيا مرتفعين وترفع أقواما كانوا في الدنيا مستضعفين .

( إِذَا رُجَّتِ الأَرْضُ رَجًّا ) حركت وزلزلت زلزالا قال الكلبي: إن الله إذا أوحى إليها اضطربت فرقًا. قال المفسرون: ترج كما يرج الصبي في المهد حتى ينهدم كل بناء عليها وينكسر كل ما عليها من الجبال وغيرها وأصل « الرج » في اللغة: التحريك يقال: رججته فارتج.

( وَبُسَّتِ الْجِبَالُ بَسًّا ) [ قال عطاء ومقاتل ومجاهد ] فتت فتا فصارت كالدقيق المبسوس وهو المبلول. قال سعيد بن المسيب والسدي: كسرت كسرا. وقال الكلبي: سيرت على وجه الأرض تسييرا. قال الحسن: قلعت من أصلها فذهبت نظيرها: فَقُلْ يَنْسِفُهَا رَبِّي نَسْفًا ( طه - 105 ) قال ابن كيسان جعلت كثيبا مهيلا بعد أن كانت شامخة طويلة.

فَكَانَتْ هَبَاءً مُنْبَثًّا ( 6 ) وَكُنْتُمْ أَزْوَاجًا ثَلاثَةً ( 7 ) فَأَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ ( 8 ) وَأَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ ( 9 ) وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ ( 10 )

( فَكَانَتْ هَبَاءً مُنْبَثًّا ) غبارًا متفرقًا كالذي يرى في شعاع الشمس إذا دخل الكوة وهو الهباء .

( وَكُنْتُمْ أَزْوَاجًا ) أصنافا ( ثَلاثَةً ) , ثم فسرها فقال:

( فَأَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ ) هم الذين يؤخذ بهم ذات اليمين إلى الجنة وقال ابن عباس: هم الذين كانوا على يمين آدم حين أخرجت الذرية من صلبه وقال الله تعالى لهم: هؤلاء في الجنة ولا أبالي . وقال الضحاك: هم الذين يعطون كتبهم بأيمانهم. وقال الحسن والربيع: هم الذين كانوا ميامين مباركين على أنفسهم وكانت أعمارهم في طاعة الله وهم التابعون بإحسان ثم عجب نبيه صلى الله عليه وسلم فقال: ( مَا أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ ) وهذا كما يقال: زيد ما زيد ! يراد زيد شديد.

( وَأَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ ) يعني أصحاب الشمال والعرب تسمي اليد اليسرى الشؤمى ومنه يسمى الشام واليمن لأن اليمن عن يمين الكعبة والشام عن شمالها وهم الذين يؤخذ بهم ذات الشمال إلى النار.

وقال ابن عباس: هم الذين كانوا على شمال آدم عند إخراج الذرية وقال الله لهم: هؤلاء في النار ولا أبالي.

وقال الضحاك: هم الذين يؤتون كتبهم بشمالهم. وقال الحسن: هم المشائيم على أنفسهم وكانت أعمارهم في المعاصي .

( وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ ) قال ابن عباس: السابقون إلى الهجرة هم السابقون في الآخرة. وقال عكرمة: السابقون إلى الإسلام. قال ابن سيرين: هم الذين صلوا إلى القبلتين . دليله: قوله: وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ ( التوبة - 100 ) .

قال الربيع بن أنس: السابقون إلى إجابة الرسول صلى الله عليه وسلم في الدنيا هم السابقون إلى الجنة في العقبى.

وقال مقاتل: إلى إجابة الأنبياء بالإيمان .

وقال علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه: إلى الصلوات الخمس. وقال الضحاك: إلى الجهاد .

وقال سعيد بن جبير: هم المسارعون إلى التوبة وإلى أعمال البر . قال الله تعالى: سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ ( الحديد - 21 ) وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ ( آل عمران - 133 )

ثم أثنى عليهم فقال: أُولَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ قال ابن كيسان: والسابقون إلى كل ما دعا الله إليه.

وروي عن كعب قال: هم أهل القرآن المتوجون يوم القيامة . وقيل: هم أولهم رواحا إلى المسجد وأولهم خروجا في سبيل الله . وقال القرظي: إلى كل خير.

أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ ( 11 ) فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ ( 12 ) ثُلَّةٌ مِنَ الأَوَّلِينَ ( 13 ) وَقَلِيلٌ مِنَ الآخِرِينَ ( 14 ) عَلَى سُرُرٍ مَوْضُونَةٍ ( 15 ) مُتَّكِئِينَ عَلَيْهَا مُتَقَابِلِينَ ( 16 )

( أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ ) من الله . ( فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ ) ( ثُلَّةٌ مِنَ الأَوَّلِينَ ) أي من الأمم الماضية من لدن آدم عليه السلام إلى زمان نبينا صلى الله عليه وسلم والثلة: جماعة غير محصورة العدد.

( وَقَلِيلٌ مِنَ الآخِرِينَ ) يعني من هذه الأمة قال الزجاج: الذين عاينوا جميع النبيين من لدن آدم عليه الصلاة والسلام وصدقوهم أكثر ممن عاين النبي صلى الله عليه وسلم.

( عَلَى سُرُرٍ مَوْضُونَةٍ ) منسوجة كما توضن حلق الدرع فيدخل بعضها في بعض. قال المفسرون: هي موصولة منسوجة بالذهب والجواهر. وقال الضحاك: موضونة مصفوفة.

( مُتَّكِئِينَ عَلَيْهَا مُتَقَابِلِينَ ) لا ينظر بعضهم في قفا بعض.