سَنَسِمُهُ عَلَى الْخُرْطُومِ ( 16 ) إِنَّا بَلَوْنَاهُمْ كَمَا بَلَوْنَا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّهَا مُصْبِحِينَ ( 17 )

ثم أوعده فقال: ( سَنَسِمُهُ عَلَى الْخُرْطُومِ ) و « الخرطوم » : الأنف. قال أبو العالية ومجاهد: أي نسود وجهه، فنجعل له علمًا في الآخرة يعرف به، وهو سواد الوجه.

قال الفرَّاء: خص الخرطوم بالسمة فإنه في مذهب الوجه لأن بعض الشيء يعبر به عن كله .

وقال ابن عباس: سنخطمه بالسيف، وقد فعل ذلك يوم بدر وقال قتادة: سنلحق به شيئًا لا يفارقه.

قال القتيـبي تقول العرب للرجل سب الرجل سبة قبيحة: قد وسمه ميسم سوء. يريد: ألصق به عارًا لا يفارقه، كما أن السمة لا ينمحي ولا يعفو أثرها وقد ألحق الله بما ذكر من عيوبه عارًا لا يفارقه في الدنيا والآخرة، كالوسم على الخرطوم.

وقال الضحاك والكسائي: سنكويه على وجهه.

( إِنَّا بَلَوْنَاهُمْ ) يعني اختبرنا أهل مكة بالقحط والجوع ( كَمَا بَلَوْنَا ) ابتلينا ( أَصْحَابَ الْجَنَّةِ ) روى محمد بن مروان، عن الكلبي، عن أبي صالح، عن ابن عباس: في قوله عز وجل: « إنا بلوناهم كما بلونا أصحاب الجنة » قال: كان بستان باليمن يقال له الضّروان دون صنعاء بفرسخين، يطؤه أهل الطريق، كان غرسه قوم من أهل الصلاة، وكان لرجل فمات فورثه ثلاثة بنين له، وكان يكون للمساكين إذا صرموا نخلهم كل شيء تعداه المنجل فلم يجزه وإذا طرح من فوق النخل إلى البساط فكل شيء يسقط على البساط فهو أيضا للمساكين، وإذا حصدوا زرعهم فكل شيء تعداه المنجل فهو للمساكين وإذا داسوه كان لهم كل شيء ينتثر أيضا فلما مات الأب وورثه هؤلاء الإخوة [ عن أبيهم ] فقالوا: والله إن المال لقليل، وإن العيال لكثير وإنما كان هذا الأمر يفعل إذ كان المال كثيرًا والعيال قليلا فأما إذا قلَّ المال وكثر العيال فإنا لا نستطيع أن نفعل هذا فتحالفوا بينهم يومًا ليغدون غدوة قبل خروج الناس فليصرِمُنَّ نخلهم ولم يستثنوا يقول: لم يقولوا إن شاء الله فغدا القوم بسدفة من الليل إلى جنتهم ليصرموها قبل أن يخرج المساكين، فرأوها مسودة وقد طاف عليها من الليل طائف من العذاب فأحرقها فأصبحت كالصريم فذلك قوله عز وجل: ( إِذْ أَقْسَمُوا ) حلفوا ( لَيَصْرِمُنَّهَا مُصْبِحِينَ ) ليَجُذُّنُها وليقطعن ثمرها إذا أصبحوا قبل أن يعلم المساكينُ

وَلا يَسْتَثْنُونَ ( 18 ) فَطَافَ عَلَيْهَا طَائِفٌ مِنْ رَبِّكَ وَهُمْ نَائِمُونَ ( 19 ) فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ ( 20 ) فَتَنَادَوْا مُصْبِحِينَ ( 21 ) أَنِ اغْدُوا عَلَى حَرْثِكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَارِمِينَ ( 22 )

( وَلا يَسْتَثْنُونَ ) ولا يقولون إن شاء الله.

( فَطَافَ عَلَيْهَا طَائِفٌ ) عذاب ( مِنْ رَبِّكَ ) ليلا ولا يكون الطائف إلا بالليل، وكان ذلك الطائف نارًا نـزلت من السماء فأحرقتها ( وَهُمْ نَائِمُونَ )

( فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ ) كالليل المظلم الأسود. قال الحسن: أي صرم منها الخير فليس فيها شيء.

وقال الأخفش: كالصبح الصريم من الليل وأصل « الصريم » المصروم، مثل: قتيل ومقتول، وكل شيء قطع فهو صريم [ فالليل صريم ] والصبح صريم لأن كل واحد منهما ينصرم عن صاحبه.

وقال ابن عباس: كالرماد الأسود بلغة خزيمة.

( فَتَنَادَوْا مُصْبِحِينَ ) نادى بعضهم بعضا لما أصبحوا.

( أَنِ اغْدُوا عَلَى حَرْثِكُمْ ) يعني الثمار والزروع والأعناب ( إِنْ كُنْتُمْ صَارِمِينَ ) قاطعين للنخل.

فَانْطَلَقُوا وَهُمْ يَتَخَافَتُونَ ( 23 ) أَنْ لا يَدْخُلَنَّهَا الْيَوْمَ عَلَيْكُمْ مِسْكِينٌ ( 24 ) وَغَدَوْا عَلَى حَرْدٍ قَادِرِينَ ( 25 ) فَلَمَّا رَأَوْهَا قَالُوا إِنَّا لَضَالُّونَ ( 26 ) بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ ( 27 ) قَالَ أَوْسَطُهُمْ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ لَوْلا تُسَبِّحُونَ ( 28 )

( فَانْطَلَقُوا ) مشوا إليها ( وَهُمْ يَتَخَافَتُونَ * أَنْ لا يَدْخُلَنَّهَا الْيَوْمَ عَلَيْكُمْ مِسْكِينٌ ) يتسارون، يقول بعضهم لبعض سرًا ( وَغَدَوْا عَلَى حَرْدٍ ) « الحرد » في اللغة يكون بمعنى القصد والمنع والغضب، قال الحسن وقتادة وأبو العالية: على جد وجهد.

وقال القرظي ومجاهد وعكرمة: على أمر مجتمع عليه قد أسسوه بينهم. وهذا على معنى القصد لأن القاصد [ إلى الشيء ] جاد مجمع على الأمر.

وقال أبو عبيدة والقتيـبي: غدوا ونيتهم على منع المساكين، يقال: حارَدتِ السَّنة، إذا لم يكن لها مطر وحاردت الناقة إذا لم يكن لها لبن.

وقال الشعبي وسفيان: على حنق وغضب من المساكين.

وعن ابن عباس قال: على قدرة ( قَادِرِينَ ) عند أنفسهم على جنتهم وثمارها لا يحول بينها وبينهم أحد.

( فَلَمَّا رَأَوْهَا قَالُوا إِنَّا لَضَالُّونَ ) أي لما رأوا الجنة محترقة قالوا: إنا لمخطئون الطريق، أضللنا مكان جنتنا ليست هذه بجنتنا. فقال بعضهم: ( بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ ) حرمنا خيرها ونفعها بمنعنا المساكين وتركنا الاستثناء.

( قَالَ أَوْسَطُهُمْ ) أعدلهم وأعقلهم وأفضلهم: ( أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ لَوْلا تُسَبِّحُونَ ) هلا تستثنون أنكر عليهم ترك الاستثناء في قولهم: « ليصرمنها مصبحين » وسمي الاستثناء تسبيحًا لأنه تعظيم لله وإقرار بأنه لا يقدر أحد على شيء إلا بمشيئته.

وقال أبو صالح: كان استثناؤهم سبحان الله، وقيل: هلا تسبحون الله وتقولون: سبحان الله وتشكرونه على ما أعطاكم. وقيل: هلا تستغفرونه من فعلكم.

قَالُوا سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ ( 29 ) فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَلاوَمُونَ ( 30 ) قَالُوا يَا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا طَاغِينَ ( 31 ) عَسَى رَبُّنَا أَنْ يُبْدِلَنَا خَيْرًا مِنْهَا إِنَّا إِلَى رَبِّنَا رَاغِبُونَ ( 32 ) كَذَلِكَ الْعَذَابُ وَلَعَذَابُ الآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ ( 33 ) إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ ( 34 ) أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ ( 35 ) مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ ( 36 ) أَمْ لَكُمْ كِتَابٌ فِيهِ تَدْرُسُونَ ( 37 ) إِنَّ لَكُمْ فِيهِ لَمَا تَخَيَّرُونَ ( 38 )

( قَالُوا سُبْحَانَ رَبِّنَا ) نـزهوه عن أن يكون ظالمًا فيما فعل وأقروا على أنفسهم بالظلم فقالوا: ( إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ ) بمنعنا المساكين.

( فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَلاوَمُونَ ) يلوم بعضهم بعضًا في منع المساكين حقوقهم، ونادوا على أنفسهم بالويل: ( قَالُوا يَا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا طَاغِينَ ) في منعنا حق الفقراء. وقال ابن كيسان: طغينا نِعَمَ الله فلم نشكرها ولم نصنع ما صنع آباؤنا من قبل.

ثم رجعوا إلى أنفسهم فقالوا: ( عَسَى رَبُّنَا أَنْ يُبْدِلَنَا خَيْرًا مِنْهَا إِنَّا إِلَى رَبِّنَا رَاغِبُونَ ) قال عبد الله بن مسعود: بلغني أن القوم أخلصوا وعرف الله منهم الصدق فأبدلهم بها جنة يقال لها الحيوان فيها عنب يحمل البغل منه عنقودًا واحدًا .

قال الله تعالى: ( كَذَلِكَ الْعَذَابُ ) أي: كفعلنا بهم نفعل بمن تعدى حدودنا وخالف أمرنا ( وَلَعَذَابُ الآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ ) ثم أخبر بما عنده للمتقين فقال: ( إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ ) فقال المشركون: إنا نعطى في الآخرة أفضل مما تعطون فقال الله تكذيبا لهم: ( أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ * مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ * أَمْ لَكُمْ كِتَابٌ ) نـزل من عند الله ( فِيهِ ) في هذا الكتاب ( تَدْرُسُونَ ) تقرءون.

( إِنَّ لَكُمْ فِيهِ ) في ذلك الكتاب ( لَمَا تَخَيَّرُونَ ) تختارون وتشتهون.

أَمْ لَكُمْ أَيْمَانٌ عَلَيْنَا بَالِغَةٌ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ إِنَّ لَكُمْ لَمَا تَحْكُمُونَ ( 39 ) سَلْهُمْ أَيُّهُمْ بِذَلِكَ زَعِيمٌ ( 40 ) أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ فَلْيَأْتُوا بِشُرَكَائِهِمْ إِنْ كَانُوا صَادِقِينَ ( 41 ) يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلا يَسْتَطِيعُونَ ( 42 )

( أَمْ لَكُمْ أَيْمَانٌ ) عهود ومواثيق ( عَلَيْنَا بَالِغَةٌ ) مؤكدة عاهدناكم عليها فاستوثقتم بها منا فلا ينقطع عهدكم ( إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ إِنَّ لَكُمْ ) في ذلك العهد ( لَمَا تَحْكُمُونَ ) لأنفسكم من الخير والكرامة عند الله. وكسر « إن » في الآيتين لدخول اللام في خبرهما. ثم قال لنبيه صلى الله عليه وسلم:

( سَلْهُمْ أَيُّهُمْ بِذَلِكَ زَعِيمٌ ) كفيل لهم بأن لهم في الآخرة ما للمسلمين؟

( أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ ) أي عندهم شركاء لله أرباب تفعل هذا. وقيل: شهداء يشهدون لهم بصدق ما يدعونه. ( فَلْيَأْتُوا بِشُرَكَائِهِمْ إِنْ كَانُوا صَادِقِينَ )

( يَوْمَ يُكْشَفُ عنْ سَاقٍ ) قيل: « يوم » ظرف لقوله فليأتوا بشركائهم، أي: فليأتوا بها في ذلك اليوم لتنفعهم وتشفع لهم « يوم يكشف عن ساق » قيل: عن أمر فظيع شديد، قال ابن عباس: هو أشد ساعة في القيامة.

قال سعيد بن جبير: « يوم يكشف عن ساق » عن شدة الأمر.

وقال ابن قتيبة: تقول العرب للرجل إذا وقع في أمر عظيم يحتاج فيه إلى الجد ومقاساة الشدة: شمر عن ساقه ويقال: إذا اشتد الأمر في الحرب: كشفت الحرب عن ساق.

أخبرنا إسماعيل بن عبد القاهر، أخبرنا عبد الغافر بن محمد، حدثنا محمد بن عيسى الجلودي، أخبرنا إبراهيم بن محمد بن [ سفيان ] حدثنا مسلم بن الحجاج، حدثني سويد بن سعيد، حدثني جعفر، حدثني حفص بن ميسرة، عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن أناسا في زمن النبي صلى الله عليه وسلم قالوا: يا رسول الله هل نرى ربنا يوم القيامة؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « نعم هل تُضَارُّون في رؤيةِ الشمس بالظهيرة صَحْوًا ليس معها سحاب؟ وهل تُضَارُّون في رؤية القمر ليلة البدر صحوًا ليس فيها سحاب؟ قالوا: لا يا رسول الله قال: ما تُضَارُّون في رؤية الله يوم القيامة إلا كما تُضَارُّون في رؤية أحدهما إذا كان يوم القيامة أذَّن مُؤَذِّنٌ لِتَتْبَع كل أمة ما كانت تعبد فلا يبقى أحد كان يعبد الله من بَرِّ وفَاجرٍ وغُيَّرِ أهلِ الكِتاب فَتُدعى اليهود، فيقال لهم: ما كنتم تعبدون؟ قالوا: كنا نعبد عزير ابن الله فيقال كذبتم ما اتخذ الله من صاحبةٍ ولا ولدٍ، فماذا تبغون؟ فقالوا: عطشنا يا ربنا فاسقنا فيشار إليهم: ألا تَرِدُون؟ فيحشرون إلى النار كأنها سرابٌ يَحْطِمُ بعضُها بعضًا فيتساقطون في النار. ثم تدعى النصارى فيقال لهم: ما كنتم تعبدون؟ قالوا: كنا نعبد المسيحَ ابن الله، فيقال لهم: ما اتخذ الله من صاحبةٍ ولا ولدٍ، فيقال لهم: ماذا تبغون؟ فيقولون: عطشنا يا رَّبنا فاسقِنا فيشار إليهم: ألا تَرِدُون؟ فيحشرون إلى جهنم كأنها سراب يَحْطِم بعضُها بعضًا فيتساقطون في النار، حتى إذا لم يبق إلا من كان يعبد الله من بر وفاجر، أتاهم ربُّ العالمين في أدنى صورة من التي رَأَوْه فيها قال: فماذا تنتظرون؟ لِتْتبَع كل أمة ما كانت تعبُدُ قالوا يا ربنا فارَقْنا الناسَ في الدنيا أفقرَ ما كنا إليهم ولم نصاحبْهم. فيقول: أنا ربكم، فيقولون: نعوذ بالله منك، لا نشرك بالله شيئًا مرتين أو ثلاثًا حتى إن بعضَهم ليَكاد أن ينقلب، فيقول: هل بينكم وبينه آيةٌ تعرفونه بها فيقولون: نعم فيكشف عن ساقٍ فلا يبقى من كان يسجد لله من تلقاء نفسه إلا أَذِنَ الله له بالسجود فلا يبقى مَنْ كان يسجد نفاقًا ورياءً إلا جعل الله ظهْرَه طبقةً واحدةً كلما أراد أن يسجد خرّ على قفاه ثم يرفعون رءوسَهم وقد تحوَّل في الصورة التي رأوه فيها أول مرة فقال: أنا ربكم. فيقولون: أنت ربنا ثم يُضْرَب الجسر على جهنم وتحلّ الشفاعة، ويقولون: اللهم سلِّم سلم، قيل يا رسول الله وما الجسر؟ قال: دحضٌ مُزِلَّةٌ فيه خطاطيف وكلاليب وحسكةٌ يكون بنجد فيها شويكة يقال لها السَّعْدان، فيمر المؤمنون كطْرفِ العين وكالبرقِ وكالريحِ وكالطيرِ وكأجاويدِ الخيلِ والركابِ فناجٍ مُسَلَّمٌ ومخدوشٌ مُرْسَل ومكردسٌ في نار جهنم، حتى إذا خلص المؤمنون من النار فوالذي نفسي بيده ما من أحد منكم بأشدَّ لله في استيفاء الحق من المؤمنين لله يوم القيامة لإخوانهم الذين في النار، يقولون: ربنا كانوا يصومون معنا ويصلون ويحجون، فيقال لهم: أَخْرِجُوا من عرفتم فتُحرَّم صورهم على النار فيخرجون خلقًا كثيرًا قد أخذتِ النار إلى نصف ساقه وإلى ركبتيه، ثم يقولون: ربنا ما بقي فيها أحدٌ مِمَّنْ أمرتَنا به، فيقول: ارجعوا فمن وجدتم في قلبه مثقال دينار من خير فأخرجوه فيخرجون خلقا كثيرا ثم يقولون: ربنا لم نذر فيها أحدا ممن أمرتنا به، ثم يقول: ارجعوا فمن وجدتم في قلبه مثال نصف دينارٍ من خيرٍ فأخرجوه فيخرجون خلقًا كثيرًا ثم يقولون: ربنا لم نذرْ فيها ممن أمرتنا به أحدًا ثم يقول: ارجعوا فمن وجدتم في قلبه مثقال ذرةٍ من خيرٍ فأخرجوه فيخرجون خلقًا كثيرًا ثم يقولون: ربنا لم نذرْ فيها أحدًا فيه خير ممن أمرتنا به وكان أبو سعيد الخدري يقول: إن لم تصدقوني بهذا الحديث فاقرءوا إن شئتم: إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا ( النساء- 40 ) فيقول الله: شفعت الملائكة، وشفع النبيون وشفع المؤمنون، ولم يبق إلا أرحم الراحمين، فيقبض قبضة من النار فيخرج منها قومًا لم يعملوا خيرًا قط قد عادوا حممًا فيلقيهم في نهر في أفواه الجنة يقال له نهر الحياة، فيخرجون كما تخرج الحِبَّة في حَمِيل السيل، ألا ترونها تكون إلى الحجر أو إلى الشجر ما يكون منها إلى الشمس أصيفر وأخيضر، وما يكون منها إلى الظل يكون أبيض؟ قال: فيخرجون كاللؤلؤ في رقابهم الخواتيم يعرفهم أهل الجنة هؤلاء عتقاء الله من النار الذين أدخلهم الله الجنة بغير عمل عملوه ولا خير قدموه، ثم يقول: » ادخلوا الجنة فما رأيتموه فهو لكم فيقولون ربنا: أعطيتنا ما لم تُعْطِ أحدًا من العالمين، فيقول: لكم عندي أفضل من هذا فيقولون: يا ربنا أي شيء أفضل من هذا؟ فيقول: رضائي فلا أسخط عليكم بعده أبدا « . »

وروى محمد بن إسماعيل هذا الحديث عن يحيى بن بكير عن الليث عن خالد بن يزيد عن سعيد بن أبي هلال عن زيد بن أسلم بهذا المعنى أخبرنا عبد الواحد المليحي، أخبرنا أحمد بن عبد الله النعيمي، أخبرنا محمد بن يوسف، حدثنا محمد بن إسماعيل، حدثنا آدم، حدثنا الليث، عن خالد بن يزيد، عن سعيد بن أبي هلال، عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: « يكشف ربنا عن ساقه فيسجد له كل مؤمن ومؤمنة، ويبقى من كان يسجد في الدنيا رياءً وسمعةً، فيذهب ليسجد فيعود ظهره طبقًا واحدًا » .

قوله عز وجل: ( وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلا يَسْتَطِيعُونَ ) يعني: الكفار والمنافقين تصير أصلابهم كصياصي البقر، فلا يستطيعون السجود.